مفلح زابن القحطاني

اللغة العربية.. وطلاب المنح الدراسية

الاثنين - 15 أغسطس 2016

Mon - 15 Aug 2016

من المهم أن تتجاوز الدراسات والبحوث اللغوية تلك الأساليب الإنشائية التي تدور في فلك الثناء على اللغة العربية، والتغني بها دون أن تكون هناك أفكار علمية وموضوعية؛ فلدينا رصيد كبير من هذا الموروث الذي يتحدث عن اللغة العربية ويتباكى عليها دون وعي أو دون أن يقدم حلولا وأفكارا موضوعية يمكن الانطلاق منها إلى آفاق أوسع، ويمكن توظيفها في خدمة اللغة العربية خدمة حقيقية تجعلها حاضرة في الذهن والاستعمال وحاضرة في التطبيق الالكتروني.



ومن الدراسات التي اطلعت عليها أخيرا في هذا السياق دراسة عن اللغة العربية وأثرها في اللغة الألبانية، ولا شك أن وضع العربية في مقابل اللغات الأخرى، وخصوصا اللغات المغمورة أو تلك اللغات التي لم يحدث ربط بحثي سابق بينها وبين العربية، ورصد مظاهر التأثير والتأثر بينها وبين هذه اللغات، هو اتجاه جيد، ومن شأنه أن يرفد الدرس اللغوي العربي ويثريه، وأن يفتح عيوننا على العديد من الظواهر والخصائص والسمات اللغوية الجديرة بالملاحظة والتأمل.



وقد أكدت الدراسة في نتائجها بالوثائق والأدلة أن اللغة الألبانية في البلقان لغة أصيلة ولغة أم، كما كشفت الدراسة أن اللغة العربية أثرت في اللغة الألبانية أثرا كبيرا من حيث الثقافة العامة، ومن جهتي المفردات والأبجدية، ومن جهة التطور اللغوي العام، كما ظهر أن اللغة العربية في مدة زمنية معينة قد استعملت وبكثرة لدى الألبان حتى إنها طغت على التركية نفسها مع أنها لغة الفاتحين، إلى درجة أن الأدباء والعلماء كتبوا قصائدهم ومصنفاتهم بالأبجدية العربية، وإن كان نطق العبارات بالألبانية، ومع انتشار الإسلام في صفوف الألبان انتشرت اللغة العربية أيضا إلى درجة أنها أصبحت لغة التعليم في المدارس والكتاتيب وغير ذلك من المؤسسات التعليمية، وانتقلت مفردات العربية أولا عبر الأتراك منذ بداية احتكاكهم بالألبان، ولكن فيما بعد أصبح للألبان علاقتهم المباشرة باللغة العربية وبالعرب، واستمرت هذه العلاقة عدة قرون؛ فساعدت بدورها على زيادة المفردات العربية في اللغة الألبانية، وعلى أثر انتشار الإسلام واحتكاك الألبان بالعرب والإسلام انتقلت إلى الألبانية مفردات كثيرة تتعلق بالدين، وأخذت اللغة العربية تنتشر تدريجيا بواسطة العلماء والمدرسين والكتاتيب والمدارس الإسلامية. وقد لفت نظري أن صاحب هذه الدراسة هو باحث كوسوفي أتقن اللغتين، وبما أن الجامعات السعودية، وخصوصا معاهد تعليم اللغة العربية للناطقين بغيرها، تستقبل كل عام أعدادا من طلاب المنح الدراسية، وعدد جيد منهم يدرسون في برامج دراسات اللغة العربية العليا؛ فإنه من المهم جدا أن يتم استثمار هؤلاء علميا وبحثيا على النحو الذي يحقق لهؤلاء ولبلدانهم ولمؤسساتنا الأكاديمية الفائدة، ومن الجيد أن يتم استغلال إتقانهم للغات عالمية مختلفة لإجراء مزيد من الدراسات التي تهدف إلى رصد مظاهر التأثير والتأثر بين اللغات.



وطلاب المنح هم – في الحقيقة – ثروة يجب أن نحسن استثمارها، وكما هو ضروري ومهم أن يتم تشكيل هؤلاء لغويا ودينيا على النحو الصحيح بما يضمن أن يكونوا خير سفراء لبلدانهم وفي بلدانهم، ومن الضروري – أيضا – ألا نهدر جهودهم في أعمال علمية أو بحثية يمكن أن يقوم بها غيرهم، وأن نحسن استثمار قدراتهم وإمكاناتهم واللغات التي يجيدونها.



[email protected]