زعموا أن القرآن آرامي لغة وكتابة

شاهدت لقطات مجمعة من السنابات لأحد الشباب السعوديين يتحدث عن القرآن وصلته بالآرامية، وقد اشتهرت تلك السنابات في أوساط الشباب، وصارت موضع تساؤل، وقد وجدته يتحدث بحماس عن (اكتشافاته) في أنه «لا يمكن فهم القرآن دون إتقان الآرامية»، و«القرآن 85% منه آرامي»، و«الآرامية هي الأصل لكل اللغات السامية.

شاهدت لقطات مجمعة من السنابات لأحد الشباب السعوديين يتحدث عن القرآن وصلته بالآرامية، وقد اشتهرت تلك السنابات في أوساط الشباب، وصارت موضع تساؤل، وقد وجدته يتحدث بحماس عن (اكتشافاته) في أنه «لا يمكن فهم القرآن دون إتقان الآرامية»، و«القرآن 85% منه آرامي»، و«الآرامية هي الأصل لكل اللغات السامية.

الأربعاء - 21 أكتوبر 2015

Wed - 21 Oct 2015



شاهدت لقطات مجمعة من السنابات لأحد الشباب السعوديين يتحدث عن القرآن وصلته بالآرامية، وقد اشتهرت تلك السنابات في أوساط الشباب، وصارت موضع تساؤل، وقد وجدته يتحدث بحماس عن (اكتشافاته) في أنه «لا يمكن فهم القرآن دون إتقان الآرامية»، و«القرآن 85% منه آرامي»، و«الآرامية هي الأصل لكل اللغات السامية.

ومن بحثي أعتقد أن اللغة العربية هي لهجة من اللغة الآرامية»، و«القرآن القديم الذي كتب بالخط القديم، وهو كتب بخط آرامي»، لست بمعرض مناقشة مقولاته هذه مناقشةً تفصيلية، فكل مطلع على تاريخ اللغات وأصولها وفروعها، والأبحاث التي كتبت فيها على مدار مائة عام يدرك سذاجتها، فالعربية – حسب المتخصصين بتاريخ اللغات - أقدم من الآرامية، وطريقة الكتابة العربية ثبت بالدليل المادي أنها وجدت في حالتها البدائية قبل الإسلام بـ(350 سنة)، وأما في حالتها النهائية التي وصلتنا اليوم غير أنها من دون تنقيط فوجدت في (نقش أسيس) جنوب دمشق، وهو مؤرخ بسنة 528م، أي قبل ولادة النبي صلى الله عليه وسلم بـ(43 سنة).

وأما بعد الإسلام فقد وصلتنا وثيقة بورق البردي مؤرخة بسنة 22هـ، ونقش في أحد جبال مدينة العُلا، مؤرخ بسنة 24هـ، وهذان النقش والوثيقة أقدم من كتابة المصحف العثماني التي يزعم المتحدث أنه كتب بالخط الآرامي، وأما دعوى أن 85% من القرآن هو آرامي فهي ليست من بنات أفكاره، فهي قول للمستشرق آرثر جيفري في بحث له بعنوان (المفردات الأجنبية في القرآن) نشره عام 1938م، قال فيه: «إن حوالي 80% من الكلمات القرآنية كانت سريانية في الأصل (السريانية إحدى لهجات الآرامية)».

والدراسات الاستشراقية تنطلق من فكرة أن القرآن كتاب بشري اُلِّف على مدى قرن، بدأ تأليفه في حياة الرسول ثم امتد إلى أوائل القرن الثاني، ولهذا تقوم دراساتهم للبحث عن كيفية تشكله كما وصل إلينا، ومنها الدراسات التي ترى أن له أصلا آراميا.

ولإثبات هذه الفرضية طرحوا قراءاتهم الفيلولوجية التي تحاول إرجاع كل كلمة فيه إلى مصدرها الآرامي، وأشهر دراسة في هذا المجال ما كتبه كريستوف لوكسنبارغ في كتابه (قراءة سريانية آراميّة للقرآن: مساهمة في فكّ شفرة اللغة القرآنيّة (سنة 200م، وفيه يرى أن القرآن لم يكن في البداية مكتوبا باللغة العربية، بل كُتب بمزيج من العربية والسريانية، ويعتمد في قصصه على (كتاب الفصول)، وهو كتاب يتضمن فصولا من الإنجيل أعدت للتلاوة في القدّاس في الكنائس المسيحية في سوريا.

وأن تطويع هذه النصوص الآرامية وجعلها من نسيج القرآن تطلب عدة أجيال، ولتحقيق معقولية (آرامية) القرآن زعم أن مكة أيام الرسول صلى الله عليه وسلم كانت لغة قاطنيها خليطًا من السريانية والعربية.

ولإثبات أصل القرآن الآرامي قام بقراءة نصوص منه ومقارنة كلماتها بمعانيها في اللغة السريانية تماما كما فعل صاحب السنابات، ورأى – في مقابلة حديثة معه - أن الآرامية تشكل الأساس للغة العربية، وأن كثيرا مما نعده لغة عربية فصحى هو اشتقاق آرامي، ضاربا بعرض الحائط كل ما ثبت في البحوث اللسانية عن اللغات السامية، فروعها وألفاظها.

الجدير بالذكر أن كريستوف لوكسنبارغ ليس ألمانيًّا، ولا علاقة لها بأي جامعة ألمانية، فقد اعترف هانس شيلر صاحب دار النشر التي تولّت طبع كتابه بأن اسم المؤلف مستعار، وقال البرفيسور فرنسوا دي بلوا في عرضه لهذا الكتاب بمجلة الدراسات القرآنية:» من الواضح جداً من خلال هذا العرض أنّ هذا الشخص المجهول ليس عالماً باللغات السامية القديمة، فهو يتكلم بعض اللهجة العربية، وليس له تمكن من الفصحى، وله معرفة بالسريانية بالقدر الذي يمكنه من استخدام القاموس السرياني، مع فهم سطحي لمنهجيات اللغات السامية المقارنة، وكتابه ليس عمل عالم محترف، ولكنه عمل هاوٍ.

وحسب معلوماتي كريستوف لوكسنبرج ليس ألمانيا، ولكنه مسيحي لبناني»، وفي مؤتمر (نحو قراءة جديدة للقرآن) الذي عقده قسم اللاهوت في جامعة نوتردام في شهر 4/‏‏2005م قدم جيرهادر بورنغ نقدا حادا لدراسة صاحب اللقب (كريستوف لوكسنبرغ)، ورأى أنه تجاهل قرونا طويلة من الدرس الإسلامي للقرآن، وأهمل النسق المعرفي متعدد الأوجه في درس الأصول القرآنية الذي عمل به المستشرقون خلال قرنين من خلال البحث الدقيق من نولدكه وشفالي حتى هوفيتز وبيل وجفري وبلاشير وباريت، وفي مقابلة صحفية مع الباحث الألماني ميكائيل جوزيف ماركس رئيس إدارة مشروع (الموسوعة القرآنيّة Corpus Coranicum) في أكاديميّة العلوم بدرانبورغ، قال عن دراسة لوكسنبرغ: «في الاستشراق الألمانيّ وغير الألمانيّ، هناك فكرة مسيطرة عليه مفادها أنّ المتن القرآنيّ أخذ من نصوص مختلفة.

وأظنّ أنّ هذه الأطروحة ضعيفة جدّا»، المفارقة الطريفة التي لم يفطن لها صاحب السنابات أنه يحاول قراءة القرآن وفقا للغة الآرامية المعاصرة التي تطورت كثيرا عن الآرامية وقت نزول القرآن.

وقد أشار إلى ذلك الأستاذ الدكتور عبدالرحمن السليمان المختصُّ بالسامياتِ ودراسة الكُتب الدينية القديمةِ وذكر «أنَّ الآرامية القديمة التي كانت على زمان الأنبياء (عليهم السلام) لغة ميتة، ولا يتحدث بها اليوم مخلوقٌ، واللهجاتُ الآرامية التي يتحدث بها اليوم لهجاتٌ هجينةٌ مركبةٌ من العربية والكردية والتركية والبهلوية».

ختاما أود التنبيه أن غالب معلومات هذا المقال استفدتها من بحوث ومقالات لمتخصصين في (تاريخ الكتابة العربية)، و(تاريخ الدراسات القرآنية في الغرب).