شهوة الكلام

أكرمني الله بالصلاة في بيته العتيق بمكة المكرمة، فاستمعت والحمد لله وشاهدت خطبة يوم الجمعة السابع من ربيع الآخر من المسجد الحرام مباشرة والتي ألقاها فضيلة الشيخ سعود الشريم إمام وخطيب المسجد المكي الحرام، بارك الله فيه وجزاه الله خير الجزاء

أكرمني الله بالصلاة في بيته العتيق بمكة المكرمة، فاستمعت والحمد لله وشاهدت خطبة يوم الجمعة السابع من ربيع الآخر من المسجد الحرام مباشرة والتي ألقاها فضيلة الشيخ سعود الشريم إمام وخطيب المسجد المكي الحرام، بارك الله فيه وجزاه الله خير الجزاء

الاثنين - 10 فبراير 2014

Mon - 10 Feb 2014



أكرمني الله بالصلاة في بيته العتيق بمكة المكرمة، فاستمعت والحمد لله وشاهدت خطبة يوم الجمعة السابع من ربيع الآخر من المسجد الحرام مباشرة والتي ألقاها فضيلة الشيخ سعود الشريم إمام وخطيب المسجد المكي الحرام، بارك الله فيه وجزاه الله خير الجزاء

فقد أهدى السامع والمشاهد في مشارق الأرض ومغاربها، دررا في النقاء ولآلئ من الصفاء، ودعا الناس إلى مائدة مليئة بالنصح والوفاء، وإن من فضل الله ما ينعم به على كل خطيب يعتلي منبر المسجد الحرام علما ونورا، فمن هاهنا يستقى العلم حقا ونورا

فذهب -كما وفقه الله- مباشرة إلى أمور تمس حياة الناس اليومية، ونقاط تلمس أمورهم الآنية

بعدما أدرك بفطنته وسلامة عقيدته ونقاء سريرته مكر أعداء الأمة الذين لم يعودوا قادرين على مواجهتها بالأسلحة التقليدية أو خوض حروب ضدها علانية، فعمدوا إلى «الحرب بالوكالة» وهي أخطر وأخفى من «الحرب بالأصالة»

فاستعمروا ألسنة ضعيفة الإيمان والبيان، لا تدرك الخطر الذي تهدد به الدين والأوطان، تطلق الشائعات المدمرة والتي يفوق خرابها فعل القنابل، ويتعدى ضررها ضراوة الصاروخ، لأنهم يعلمون مفعول الإشاعة في نشر الذعر وفتك الثقة المهتزة في صدور الخصوم

وهو ما بينه لنا أمرا ونصحا خالق العباد وما ذكرنا به في خطبته الإمام الجليل «يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا أن تصيبوا قوما بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم نادمين»

فالإمام أدرك خطورة الأمر فسارع بالتنبيه إليه، واستشعر فداحته فانبرى مركزا عليه فقال «أيها الناس للبشر ولع فطري بتلمس الأخبار وقبول الشائعات واصطيادها في الهواء قبل وقوعها، في حين أنهم قد اعتادوا الكسل المفرط عن التثبت والأناة والتؤدة والتبين»

من الناس من يجعل من العجلة في تلقي الأخبار والشائعات وإيقاعها على خلاف حقيقتها ستارا يوارون به تفريطهم المعيب وضيق عطنهم الذميم

إن عقل الرجل وميزانه إنما هو فيما يحمله عقله وفكره من مكتسبات الأناة والتريث في أموره وبالأخص ما يتعلق بحقوق الناس وذممهم وأعراضهم وأموالهم ودينهم

وكفى بعدم التثبت ذما أن جعل الله عاقبته الندامة والتحسر ولات ساعة مندم

إن معظم الشائعات والأخبار دافعها الفضول وحب الاستطلاع ومعرفة الخبر وما ينطوي عليه، بأدنى سبب ولو أن يبذل أحدهم شيئا من ماله لتحصيله مع أنه ليس بينه وبين أن يتلقاه دون عوض إلا لحظات تروى وانتظار بينهما من الفروق ما الله به عليم

ولقد أكد الشيخ الشريم في خطبته الرائعة أنه ليس كل تلقي الشائعات وتداول الأخبار كيفما اتفق يكون منطلقه الفضول، فلربما كان منطلقه الرئيس التشويش وإثارة البلبلة لتحقيق مآرب فكرية أو سياسية أو اجتماعية أو اقتصادية أو دينية من أجل خلخلة المحكم وفرط المنظوم ليتفرق الصف وتنزع الثقة

وفي الحديث الشريف «إن الله كره لكم ثلاثا: قيل وقال، وإضاعة المال، وكثرة السؤال» رواه البخاري

ولقد لمس فضيلته في تلك الخطبة مكمنا من مكامن الداء الخطر حين أكد «أن الجانب الإعلامي معني بالدرجة الأولى في زمننا هذا لأنه مصدر رئيس من مصادر الأخبار والحوادث والشائعات والتي من خلالها يحكم ذوو البصائر والأفهام على مصداقية تلك المصادر أو عدمها

كما أنه في الجانب الفردي، المرء محاسب بكل ما ينطق به لسانه ويخطه بنانه بصريح عباراته التي لا تحتمل التأويل

لقد علمنا الله ورسوله صلى الله عليه وسلم ألا تكون آذاننا كالأقماع نتلقى من خلالها أي خبر دون تثبت، ونرسله جزافا بلا زمام، لأن الخبر أول ما يحتاج فيه معرفة صدقه من كذبه، ومن ثم تأمل ما يعنيه هذا الخبر فلا ننزله في غير ما هو له

وفي الحديث الشريف يقول صلى الله عليه وسلم «كفى بالمرء كذبا أن يحدث بكل ما سمع»

ويشتد الأمر تأكيدا ونكيرا حينما يكون الخبر متعلقا بأمور ديننا كالنقل عن المصطفى صلى الله عليه وسلم وبث أخبار فضائل الأعمال عبر مواقع التواصل الاجتماعي والمجامع دون تثبت، فقد قال صلى الله عليه وسلم «من كذب علي متعمدا فليتبوأ مقعده من النار»

وعلني مطالب بتوضيح ما دعاني لاختيار هذا الموضوع في مقالة «السوق» الأسبوعية

والحقيقة أنني أرجو أن تدرس أمثال هذه الخطبة وشقيقاتها في مدارسنا الإعدادية والثانوية وفي جامعاتنا ومعاهدنا

فما أعظم أن يكون خطباؤنا الأفاضل وعلماؤنا الأجلاء أمثال الشيخ الشريم موجودين بعلمهم وفكرهم في كل فصولنا الدراسية، يسهمون مع الآخرين في تنوير العقول وطمأنة الأنفس والدعوة إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة، متأسين بقول الله تبارك وتعالى وهو يخاطب رسوله الكريم مؤيدا ومشيدا بصاحب الخلق العظيم «ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك»، وهكذا تكون الهداية ويكون الإرشاد إلى منهج الله القويم

جزى الله فضيلة الشيخ سعود الشريم كل خير على ما أوجز واختصر في خطبته الرائعة والتي جاءت مطابقة لواقع نعيشه ونريده -بحول الله- دائما أحسن وأفضل، لنكون كما أرادنا الله خير أمة أخرجت للناس، إنه ولي ذلك وهو على كل شيء قدير، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته



[email protected]