حينما يسند الأمر إلى غير أهله!

إن إضاعة الأمانة أمر كوني قدري حاصل لا محالة لأنه نص حديث الذي لا ينطق عن الهوى صلى الله عليه وسلم ولن تقوم الساعة حتى يحدث، لكن سيسبق ذلك ما أخبر عنه صلى الله عليه وسلم فيما رواه البخاري في صحيحه أنه صلى الله عليه وسلم قال:

إن إضاعة الأمانة أمر كوني قدري حاصل لا محالة لأنه نص حديث الذي لا ينطق عن الهوى صلى الله عليه وسلم ولن تقوم الساعة حتى يحدث، لكن سيسبق ذلك ما أخبر عنه صلى الله عليه وسلم فيما رواه البخاري في صحيحه أنه صلى الله عليه وسلم قال:

السبت - 20 ديسمبر 2014

Sat - 20 Dec 2014



إن إضاعة الأمانة أمر كوني قدري حاصل لا محالة لأنه نص حديث الذي لا ينطق عن الهوى صلى الله عليه وسلم ولن تقوم الساعة حتى يحدث، لكن سيسبق ذلك ما أخبر عنه صلى الله عليه وسلم فيما رواه البخاري في صحيحه أنه صلى الله عليه وسلم قال: (إذا ضُيِّعَتِ الأمانة فانتظر الساعة، قال: كيف إضاعتها يا رسول الله؟ قال: إذا أسند الأمر إلى غير أهله، فانتظر الساعة).

هذه هي الشرارة الأولى التي ستحرق بعدها ما اخضر وأينع من بساتين الأمانة والصدق وطهارة النفس وسلامة الضمير، فتحيل ذلك كله إلى حطام يأكل بعضه بعضا.

إن لكل عمل أهله، ولكل ميدان فرسانه فإذا قام بالعمل من ليس له بأهل فقد اقتربت الساعة.

ولا شك أن مجرد حدوث علامة من علامات الساعة لا يعني الاستسلام لها ولا الركون إليها ولا الذهول بها، بل إن من انتظار الساعة العمل الجاد الدؤوب ومدافعة تلك العلامات بما أرشدنا الله تبارك وتعالى به وعلى لسان نبيه صلى الله عليه وسلم.

وبهذا فإن إسناد الأمور إلى غير أهلها خيانة وتضييع للأمانة وهي علامة من علامات الساعة ونحن مأمورون بمدافعة تلك العلامة الفاسدة بأن نسعى إلى أن نسند الأمر إلى أهله ونحقق بذلك الأمانة في قوله {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعاً بَصِيراً}النساء 58.

ومن أعظم الخيانات إسناد الأمور إلى غير أهلها، لما في ذلك من الظلم للأكفأ بعدم وضعه في موضعه وإسناد الأمر إليه، ومن الظلم لغير الأكفأ الذي أسندت إليه الأمور وهو غير قادر على القيام بها، وللأمة التي تصطلي بنار التدابير السيئة الصادرة من غير الأكفأ، وللذي أسند الأمر إلى غير أهله، فهو يتحمل إثم إسنادها إلى غير أهلها، وإثم حرمان الكفء مما يجب أن يسند إليه، وإثم ضرر الأمة من تدبير غير الكفء السيئ.

أداء الأمانة إلى أهلها أمر إلهي من الله جل وعلا، والسبب الرئيس في كل ما يخالف أمر الله تعالى هو اتباع الهوى الذي يرجحه فاقد الإيمان أو ضعيفه على ما يحبه الله ورسوله، كما قال جل وعلا: ( فَإِنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَاءَهُمْ وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدىً مِنَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ} القصص 50.

كما أن ثمة أسبابا أُخرى تدفع إلى عدم امتثال أمر الله في أداء الأمانة وإسناد الأمر إلى أهله وهي أنه قد يختار غير الكفء لموافقته له في الفسق، من أجل أن يعينه على فسقه، أو لأنهما ظالمان، ويريده أن يعينه على ظلمه، أو غير ذلك من الأسباب، وكلها أسباب تافهة هزيلة لا معيار يحكمها ولا تقاس بمقياس، ولهذا قال ابن تيمية رحمه الله: «فإن عدل عن الأحق الأصلح إلى غيره، لأجل قرابة بينهما أو ولاء أو عتاقة أو صداقة أو موافقة في بلد أو مذهب، أو طريقة، أو جنس، كالعربية والفارسية، والتركية، والرومية، أو لرشوة يأخذها منه من مال أو منفعة، أو غير ذلك من الأسباب، أو لضغن في قلبه على الأحق، أو عداوة بينها، فقد خان الله ورسوله والمؤمنين، ودخل فيما نهى عنه في قوله: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ * وَاعْلَمُوا أَنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ وَأَنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ}[الأنفال 27-28].

إن من يسند الأمر إلى غير أهله إنما يفعل ذلك لخوفه من (أهله) أن يتولوا الأمر فيكشفوا ما كان عليه من الفساد والرذيلة أو خوفا وحسدا من أن يتولوا الأمر بعده فيقوموا به خير قيام لكفاءتهم وأهليتهم. إننا قد نكون شركاء في تلك الخيانة إذا تولى أحدنا أمرا وكان تحت ولايته من هو أفضل منه ورضي بذلك.

وقد نكون شركاء في تلك الخيانة بموافقتنا ورضانا أو حتى تجاهلنا بعدم أهلية من أسند الأمر إليه وسكوتنا عليه.. والله هو العاصم.