بن يابس مطالب بألا يبقى مجهولا بعد الآن
ليس ثمة طريقة لتطبيق ألغاز الذكاء في الموضوعات الثقافية، ولكن غالبا لن تجد إجابة حين تسأل مجموعة من المثقفين الراسخين في الاطلاع عن شخص ظل يتكلم الفصحى في حياته اليومية، وكان علماء الأزهر يخشون من تأثير فكره، هو ذاته الشخص الذي يقرأ المقالة ويحفظها من الوهلة الأولى، ويكتب 50 بيتا في ليلة واحدة
ليس ثمة طريقة لتطبيق ألغاز الذكاء في الموضوعات الثقافية، ولكن غالبا لن تجد إجابة حين تسأل مجموعة من المثقفين الراسخين في الاطلاع عن شخص ظل يتكلم الفصحى في حياته اليومية، وكان علماء الأزهر يخشون من تأثير فكره، هو ذاته الشخص الذي يقرأ المقالة ويحفظها من الوهلة الأولى، ويكتب 50 بيتا في ليلة واحدة
الجمعة - 07 فبراير 2014
Fri - 07 Feb 2014
ليس ثمة طريقة لتطبيق ألغاز الذكاء في الموضوعات الثقافية، ولكن غالبا لن تجد إجابة حين تسأل مجموعة من المثقفين الراسخين في الاطلاع عن شخص ظل يتكلم الفصحى في حياته اليومية، وكان علماء الأزهر يخشون من تأثير فكره، هو ذاته الشخص الذي يقرأ المقالة ويحفظها من الوهلة الأولى، ويكتب 50 بيتا في ليلة واحدة
قد يطلبون منك معلومة إضافية لتقريب الإجابة، فتجيب بأنه كان عالما وأديبا ورحالة وداعية، وحين يطلب منك الإشارة إلى شيء من أعماله فستجد من الكافي جدا أن تقول هو الشخص الذي ألف كتابا مهما وظف فيه كل تلك المقومات الدينية المعرفية واللغوية للرد على أطروحات عبدالله القصيمي
ولأن الغموض بشأن هذه الشخصية استمر لسنوات طويلة فلا داعي لأن تستمر لسطر إضافي من التشويق، الإجابة هي «الشيخ عبدالله بن علي بن يابس» والذي كان محورا لندوة مثيرة ومثرية، حضرتها «مكة» في المقهى الثقافي في الرياض وأماطت اللثام ليس فقط عن علم من أعلام الثقافة وإنما عن شخصية فريدة في تكوينها وحضورها وطبيعتها، وذلك عبر ورقة طرحها ابن عمه عبدالله بن محمد اليابس، وهي عبارة عن تلخيص لكتاب كامل ألفه عن عمه الذي بقيت نسبة المعرفة عنه قليلة جدا مقارنة بحجم تاريخه وسيرته ومنجزه الفكري والأدبي
سفر الأدب والعلم في زمن المشقة
وقد قضى الشيخ عمره متنقلا في طلب العلم الشرعي والتأليف الأدبي، فلم يستقر به المقام في مكان واحد، ولم يتوقف اهتمامه عند مجال بعينه، فهو الشخص الذي يوصف بأنه كان «قويا في الحق ولا يخشى في قوله أحدا» والذي آثر الترحال في وقت كانت الرحلة فيه بين الرياض والقويعية تستغرق خمسة أيام، دون أن يكتفي بالداخل فقط حيث مرت خطواته وآثاره على قطر والإمارات، ووصلت إلى الهند، وباكستان، وكان لمصر نصيب يقترب من أربعة عقود في حياة الشيخ الحافلة
وبعد أن قدم اليابس جوانب عدة من سيرة حياته، علق «لقد عرف بجهاده والسفر في طلب العلم والدعوة، حفظ أمهات الكتب والأثر الفقهي، وكانت له حلقات تكتظ بطلبة العلم، طلابه يلازمون حلقاته في المسجد والمنزل، كما عرف بمراسلات و خطابات متبادلة مع قادة السعودية وشيوخها، لاسيما مع الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ مفتي الديار السعودية في ذلك الوقت، عاش في مصر 45 عاما يمارس الدراسة والتدريس في الأزهر، وقد أشيع في تلك الفترة أن الأزهريين كانوا يخشون من تأثير فكره بالنظر إلى خلفياته الثقافية والفقهية الممتدة إلى علماء نجد كما يقولون، كما يذكر أن له قصائد عديدة تميزت بقوتها وجزالتها، كان بعضها في الرد على مسيئين للعقيدة، وبعضها الآخر جاء في التعبير عن رؤاه وأطروحاته الخاصة، ولعل واحدا من أبياته الشهيرة: أنا حنبلي ما حييت وإن أمت فوصيتي للناس أن يتحنبلوا
اليابس وفك أغلال القصيمي
ومن الواضح أن قوة الحجة واللغة التي امتلكها بن علي يابس كانت متآلفة مع عاطفة كبيرة تحمله نحو الدفاع عن الحق، ومن ذلك أن عالما هنديا استفزه بالهجوم على أهل الدين فكان الرد منه مدويا في قصيدة من خمسين بيتا كتبت في ليلة واحدة، وهذا ربما يدلنا على نوعية المنتج الأدبي المدفوع بقوة انفعالية لم تؤثر على قوته وتماسكه
أما المحطة الأبرز في هذه السيرة فهي تصدي بن يابس للرد على عبدالله القصيمي، حيث كان يظهر اعتراضا عاليا على أطروحاته لدرجة أنه هجاه بمجموعة من القصائد، ولم يكتف بذلك وإنما ألف كتابا يعد هو أبرز نتاجه على الإطلاق، أسماه «الرد القويم على ملحد القصيم» ويناقش فيه بالحجة والبرهان كتاب القصيمي «هذه هي الأغلال»
وقد تداول المحاضر مع رواد المقهى بعض المعلومات التي نقلت عن الشيخ بن يابس في حديثه عن القصيمي حيث يذكر أن أصوله تعود إلى مصر، وأن اسمه كان عبدالله الصعيدي، قبل أن يتم تحويله إلى القصيمي رغبة في استخراج جواز سفر له، كما يلفت أحد أبناء الشيخ إلى أنه لا توجد أي رواية تؤكد أن القصيمي عاد إلى الحق في آخر حياته كما يعتقد كثير من الناس
وفي حين يؤكد أبناء الشيخ بن يابس أن لديه كثيرا من الكتب التي لم تعد موجودة في المكتبات ولكنهم يسعون لإعادة نشرها، ومن ضمنها ديوان شعري، يؤكدون أن كتابه في الرد على القصيمي ينتظر تخطي بعض الإشكالات ليجد فرصته كذلك للنشر، معتبرين أنه كتاب للدفاع عن الإسلام، كما ينقلون عن الشيخ ابن عثيمين رحمه الله تزكيته له بالقول «هذا كتاب لا يجب أن يرفض»
ماذا فعل الشيخ في شوارع فيينا
الجوانب الشخصية والإنسانية عن الشيخ بن يابس قصة أخرى، فالرجل ذو الهيبة والوقار العاليين كان يتحدث بالفصحى حتى في بيته، كما أن سيرته لم تتوقف على زيارة كثير من البلدان في الخليج وآسيا، بل شهدت كذلك تجربة أوروبية لافتة، يرويها حفيده ياسر بن عبدالله اليابس «لم يتنازل الشيخ عن الزي العربي طيلة حياته، تحديدا الغترة البيضاء والعقال المقصب، وكان يلبسها في كل مكان، وقد قضى فترة مستشارا لدى الملحق الثقافي في النمسا، وحينها كان شكله غريبا بل إنهم كانوا في الشوارع يتوقفون لالتقاط الصور معه»
نهاية القصة، بداية البحث
«أرضي تناديني» قالها الشيخ عبدالله بن علي بن يابس على مسامع أبنائه، لم يسمعها بعضهم فطلبوا إعادتها لكنه لم يفعل اكتفى بالتعليق «هي كلمة وعبرت»، وكان ذلك في الوقت الذي بدا فيه أن عمر الترحال فيه قد وصل إلى حده، وبالفعل فقد عاد بعدها إلى السعودية ولم يقض وقتا طويلا حتى أسلم روحه في العام 1389
كثيرون ما زالوا لا يعرفون هذه الشخصية الجديرة بالمزيد من الدراسة، أبناؤه وأحفاده يبحثون في مصادر محدودة عن المزيد من المعلومات عنه، لا زملاء معروفين له، ولا جهات بعينها يمكن أن تقود إلى وثائق إضافية، ثمة بعض المقالات في مجلات أدبية وعلمية، الطريف أن حفيده وجد بالمصادفة شارعا باسمه، يعلق «سألت البلدية إن كانوا يعنون جدي بالفعل، لم تصلني إجابة حتى الآن»!