الأغوات في المدينة المنورة.. بدايتهم غامضة وبينهم علماء
لم يتبق من «الأغوات» في المدينة المنورة سوى 10 أشخاص، بعضهم يلازم الفراش بسبب ظروفه الصحية، وانحسر دورهم في خدمة المسجد النبوي الشريف مع الوقت، فباتوا يتولون مثلا حمل مبخرة العود في حال حضور رئيس دولة أو مسؤول كبير إلى المسجد
لم يتبق من «الأغوات» في المدينة المنورة سوى 10 أشخاص، بعضهم يلازم الفراش بسبب ظروفه الصحية، وانحسر دورهم في خدمة المسجد النبوي الشريف مع الوقت، فباتوا يتولون مثلا حمل مبخرة العود في حال حضور رئيس دولة أو مسؤول كبير إلى المسجد
الخميس - 06 فبراير 2014
Thu - 06 Feb 2014
لم يتبق من «الأغوات» في المدينة المنورة سوى 10 أشخاص، بعضهم يلازم الفراش بسبب ظروفه الصحية، وانحسر دورهم في خدمة المسجد النبوي الشريف مع الوقت، فباتوا يتولون مثلا حمل مبخرة العود في حال حضور رئيس دولة أو مسؤول كبير إلى المسجد
ولا يعرف أحد على وجه التحديد متى بدأ «الأغوات» العمل في خدمة المسجد النبوي والمسجد الحرام، لكن الروايات المتوفرة تشير إلى وجودهم منذ مئات السنين، ولذلك كان طبيعيا أن يحمل أحد أحياء المدينة المنورة اسمهم، وأن تنتشر أوقافهم في أماكن عدة، وأن يبرز من بينهم طلبة علم تتلمذ على أيديهم مشايخ كبار.
وتناولت بحوث كثيرة الأغوات، ففصلت أوصافهم الخلقية والجسمية، وما إذا كانوا يتزوجون، وزيهم، وسلم رواتبهم ووظائفهم ومكانتهم الاجتماعية، إلا أن غياب مشاريع الترجمة لعشرات الوثائق عن تاريخ الحرمين الشريفين خصوصا في عهد العثمانيين وبينها وثائق الأغوات ربما أبقى كثيرا من التفاصيل حول هذه الفئة طي الكتمان
ولعل ذلك يدفع إلى مزيد من الأسئلة حول جدلية تاريخ قدومهم إلى المدينة ومكة، ومن كان وراء ذلك، ويكشف في سياق متصل عن ملامح وطبيعة المعارضة التي واجهها حكام الحجاز حينها من قبل علماء الحنابلة والشافعية بسبب وجود الأغوات، بحسب ما ذكر العالم المكي محمد بن طاهر كردي في كتابه المتعدد الأجزاء عن تاريخ مكة المكرمة المعنون بـ»التاريخ القويم لمكة وبيت الله الكريم».
في المدينة قبل مكة
ويطرح عدد من الباحثين أكثر من رأي حول تاريخ وجود الأغوات وخدمتهم للمسجد النبوي، وكذلك اسم السلطان الذي دشنت تلك الخدمة في عهده، بينما تذهب الدراسة الموسعة التي قدمها كل من الدكتور سليمان عبدالغني مالكي والدكتور أحمد عبدالرحيم نصر والدكتور سعدالدين أونال حول تاريخ الأغوات إلى أن الملك الناصر صلاح الدين بن أيوب هو أول من قرر الخدّام «الخصيان» في مدينة النبي صلى الله عليه وسلم، ولم يكن بها أحد من الخدام قبل ذلك
وتورد الدراسة رأيا آخر يقول إن ذلك الأمر تم في عهد السلطان نورالدين الشهيد في أول دولة الأكراد عام 557هـ، وإنه لم يكن مقتنعا في بادئ الأمر بالموضوع إذ لم يسبقه أحد من قبل في ذلك ولكن ما زالوا به حتى اقتنع وأمر بإرسال اثني عشر نفرا من خدامه الطواشي –وهو اللقب الذي يطلق على الأغوات- إلى المدينة المنورة ليكونوا سدنة لقبر النبي صلى الله عليه وسلم وحرمه
أما أسباب إرسال الأغوات إلى مسجد الرسول صلى الله عليه وسلم فهي غير واضحة بحسب المشاركين في الدراسة التي صدرت عن معهد خادم الحرمين الشريفين لأبحاث الحج، فهم يرون أنها إما أن تكون للمحافظة على جسد الرسول صلى الله عليه وسلم وصاحبيه من السرقة أو النقل الذي حاوله بعض الناس من الغرب أو مصر أو القيام ببعض المهام في المسجد النبوي الشريف ليلا ونهارا كما يقول السخاوي، إذ إن الحراسة كانت موجودة قبل الأغوات في المدينة المنورة حيث إن عمر بن عبدالعزيز - ويقال مروان بن الحكم - اتخذ حراسا للمسجد النبوي
وفيما يورد عدد من المؤرخين القدامى والمعاصرين أن استخدام الأغوات بدأ في الحرم المكي أولا كما يرى عضو اتحاد المؤرخين العرب الباحث المؤرخ أحمد سعيد بن سلم في حديثه إلى «مكة» استنادا إلى روايات تذهب إلى أن معاوية بن أبي سفيان هو أول من استخدمهم، تشير دراسة معهد خادم الحرمين الشريفين إلى أن مؤرخ مكة محمد بن طاهر كردي يستنتج من عدد من الروايات أن استخدام الأغوات بدأ أولا في المسجد النبوي، ويورد ثلاثة أدلة يؤيد بها استنتاجه:
1 أن ابن جبير الذي زار مكة عام 579هـ، وأورد معلومات عن مكة والمسجد الحرام لم يذكرهم ولكن ذكرهم عند وصفه للمسجد النبوي الشريف
2 أنه لم يرد ذكرهم عند ابن بطوطة الذي زار مكة عام 725هـ وإنما ورد ذكر سدنة المسجد النبوي
3 أن القلقشندي المولود عام 756هـ أورد في كتابه «صبح الأعشى» مرسوما سلطانيا في تعيين رئيس أغوات المسجد النبوي، ولم يورد مرسوما مشابها في تعيين رئيس أغوات الحرم المكي
مهام محدودة
وأوضح الباحث في تاريخ المدينة المنورة عضو هيئة التدريس في جامعة طيبة الدكتور أحمد الشعبي، أنه لم يتبق من الأغوات سوى نفر قليل ربما لا يتجاوزون عشرة بعضهم بات ملازما للفراش بسبب ظروفه الصحية، وانحصرت وظيفتهم في المسجد النبوي على عدد من المهام
وذكر الشعبي لـ»مكة»، أن الأغوات كان لهم حارة قديما تدعى «حي الأغوات» تقع شرق المسجد النبوي الشريف وغرب البقيع، وأزيلت اليوم، مشيرا إلى أنه أدركهم قبل نحو 50 عاما، حين كانوا يجلسون من طرف ما يسمى بـ»الصُّفة» (دكة الأغوات)، وكانت هيبتهم تتضح في وقوفهم صفا واحدا بزيهم المتميز، الذي يتمثل في «دقلة» بيضاء أنيقة، ويضع بعضهم حزاما كشميريا و»شال» صوف على الكتف، إضافة إلى «العمة» المدورة على الرأس، فيما يتكئ بعضهم على عكاز من نوع مخصوص
وأضاف أن معظم الأغوات كانوا من الحبشة والسودان، وشيخهم في تلك الفترة الشيخ عبدالسلام يسكن «الرستمية»، وهي موقع متميز في حي الأغوات، وكان عبدالسلام طويل القامة، وله نائب توفي كذلك اسمه الشيخ «جاه الله»، وناب عنه الشيخ «سعيد أدم» الذي لا يزال شيخ الأغوات حتى اليوم ويميزه عن البقية ارتداؤه «عمة المشيخة»
قبل الإلغاء
أما عن وظائفهم فانحصرت حاليا في بعض المهام كما ذهب الشعبي، بينها إذا جاء رؤساء أو ضيوف من بعض الدول لزيارة المسجد النبوي الشريف مع الرئاسة العامة يحملون المباخر ويضعون أجود أنواع العود لتبخير الضيوف
ومن مهامهم لفترة قريبة، فتح منبر المسجد النبوي للخطيب، وكان لديهم مفتاح المنبر، ويضعون العصا عند المنبر يستخدمها الخطيب حين يصعد المنبر تأسيا بالنبي صلى الله عليه وسلم حين يصعد إلى خطبة الجمعة
وكان من مهامهم القديمة تبخير المسجد النبوي قبل صلاة الجمعة، وأحيانا يضعون تلك المباخر عند باب جبريل، كما كانوا يكنسون الحجرة النبوية وينظفونها كل ليلة جمعة قبل أن تلغى تلك المهام مع شركات النظافة المتخصصة وغيرها من وظائف استجدت اليوم في المسجد النبوي
وتحدث الدكتور الشعبي عن ما شاهده من عادات الأغوات في المدينة المنورة قديما ما أكسبهم احترام الناس لهم بحكم خدمتهم للمسجد النبوي، مشيرا إلى أنه كان يشاهدهم في تلك الفترة ينزلون القناديل الموجودة في الحرم التي توضع فيها شموع مرة في الشهر على أقل تقدير، ويستخدمون لذلك عصيا فيها حرف (u) لينظفها عمال النظافة ثم يعيدونها إلى مكانها
وإذا انتهت صلاة العشاء في الحرم يبدأ الناس في الخروج وعادة ما يبقى بعض النسوة جالسات فيأتي دورهم في إخراج النساء بطريقة مؤدبة جدا، وكانوا يقومون كذلك بتنظيف المسجد في حال وقوع أي نجاسة من قبل الأطفال حيث يأتون بما يسمى بـ»الطشت» ومعه إبريق كبير مصنوع من النحاس، وإسفنجة فيغسلون مكان النجاسة
بين الحصوة والدكة
ومن المهام القديمة للأغوات أن ينام أحدهم وسط الحرم في الليل في «الحصوة الأولى» لحراسة الحرم النبوي الشريف في الصيف أما في الشتاء فينام في مكان يسمى «دكة الصفة»
وكان هناك شخص آخر من أهل المدينة ينام في الليل يسمى «القيّوم» حيث يمكث طوال الليل في الحرم وحين يأتي المؤذن من باب النساء ليؤذن لصلاة الصبح يقول: «لا إله إلا الله» ثلاث مرات من دون أن يطرق الباب ثم يجيبه من الداخل «القيّوم» بقوله: «محمد رسول الله» فيفتح له ما يسمى بـ»الخوخة» وهي عبارة عن مربع صغير وسط باب النساء الكبير فيؤذن ثم يقوم الأغوات حينها بالدوران على جميع أبواب المسجد النبوي ويفتحونها للمصلين
وأشار الشعبي إلى استخدام الأغوات مفتاحا غليظا لا يستطيع أي شخص حمله، وإذا وضعه في وسط الباب لا يستطيع لفه إلا باستخدام مفتاح آخر يضعه في المفتاح الأول فيقوم بلفه ثم يفتح
وحين تطفأ الكهرباء في المسجد النبوي الشريف وعادة ما تنقطع حتى عن الأحياء المجاورة للمسجد، كان الأغوات يقومون بإسراج ما يسمى بـ»الأتاريك» ويضعونها في أماكن معينة مثل المكبرية ودكة الصفة من الحرم القديم
أما أوقاف الأغوات فلا تزال قائمة حتى اليوم ولكنها تشتت في أكثر من مكان في كل من قباء والعوالي والحرة الشرقية، ولهم وكيل شرعي يقوم بمراجعة معاملاتهم في الدوائر الحكومية.
علم وسياية
يؤكد الباحث في تاريخ المدينة المنورة سعيد طولة، أن بعض الأغوات تميزوا في الجانب العلمي، في حين اشتغل جزء منهم في السياسة، ومال آخرون للعبادة والانشغال بخدمة المسجد النبوي
ويضيف أن أبرز من اشتهر بالعلم والعبادة شيخ الأغوات في المدينة سيدي مرجان الصغير الذي توفي 1304هـ وكان شيخ طريقة ما يسمى بـ»الخلوتية»، وخدم الحجرة الشريفة نحو 70 عاما، ومن شيوخه في العلم أحمد الصاوي الذي يعد من فقهاء المالكية المشاهير، ومن أشهر تلاميذه كذلك الشيخ عبدالحميد بن محمد علي قدس المكي كما في ثبته «المفاخر السنية في الأسانيد العلية القدسية»
ويشير إلى شيخ برز من الأغوات كان له حضور علمي أيام الملك عبدالعزيز، اسمه زين آغا كان محبا للعلم وله طلب في ذلك، ومن محبته أنه قرأ القرآن كاملا على يد الشيخ مصطفى بن محمد الرافعي المتوفى عام 1427هـ .
شيخ أغوات مكة: بقي منا 8 فقط.. ونتزوج
1من أين أتيتم؟ وكيف ترون الاهتمام بالأغوات؟
أصلنا من قرى ومناطق مختلفة في الحبشة، ونتحدث اللغة الحبشية إضافة إلى العربية، ويعود تاريخ الأغوات إلى عهد معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه، فهو أول من وضع خدما للكعبة المشرفة من العبيد، وأول من اتخذ الخصيان لخدمة الكعبة هو يزيد بن معاوية، وأول من رتب الأغوات في المسجد الحرام هو أبو جعفر المنصور
ويحظى الأغوات برعاية وتقدير كبير من ولاة الأمر، لما يقومون به من خدمة جليلة للحرمين الشريفين
2 ما الشروط الواجب توفرها لمن أراد الانضمام إليكم؟ وكم عددكم؟
الشروط في من يريد الانضمام إلى قافلة الأغوات هي: أن يكون مخصيا، وأن يقبل تطبيق نظام الأغوات عليه، وأن يرابط في الحرم سبعة أعوام متواصلة بناء على جدول المناوبة للأغوات، وأن يؤدي واجبه على أكمل وجه، وأن يطيع أوامر رؤسائه، وأن يتمتع بصحة جيدة
وفي السابق كان البحث عن الذين تتوفر فيهم الشروط المذكورة يتم عن طريق الأغوات الذين يسافرون من أجل هذه المهمة، فإذا وجدوا من تتوفر فيه الشروط يخبرون به شيخ الأغوات، فيكتب بشأنه إلى المقام السامي ليأمر وزير الحج والأوقاف بتعيينه ومنحه الجنسية السعودية، ويتم إحضار الآغا عن طريق السفارة السعودية، وبعد قدومه يجري عليه الكشف الطبي ويعرف بالنظام الذي يحكم الأغوات، ثم يرفع ملفه إلى وزارة الحج والأوقاف
أما في الوقت الحاضر فلا يوجد استقدام لأغوات جدد، وآخر آغا تعين بهذا المنصب كان عام 1399، وعدد الأغوات في الوقت الحاضر في مكة المكرمة ثمانية فقط، هم: علي حسين آغا (شيخ الأغوات)، وسراج كامل آغا، وإدريس عبدالله آغا، وعبدالله أحمد موسى آغا، وحسن شكورو آغا، وأحمد مصطفى آغا، وحسن محمد آغا، وعلي محمد آغا، ولا نقوم بالأعمال التي كنا نؤديها سابقا
3 ماذا عن اللباس الذي يتميز به الأغوات؟
ظل الأغوات على مر العصور يتميزون بزي معين، وفي أيام الدولة العثمانية كان الأغوات يلبسون عباءات إستانبولية وأثوابا واسعة مطرزة مشدودة بحزام، ويحملون في أيديهم عصيا طويلة، ويضعون رداء على الكتف وغطاء على الرأس يسمى العمامة المكومة والحزام، وكان يكلف 500 ريال تقريبا، ونحن كنا نختار ملابسنا بأنفسنا ونقوم بشرائها
4 ما الأعمال التي كان الأغوات يقومون بها في ذلك الوقت؟
كان الآغا مسؤولا عن مباشرة خدمة ضيوف الحكومة في الحرم، فأي رئيس دولة يزور الحرم يكون الآغا في استقباله بعد الطواف، حيث يفرش له السجادة ويقدم له كأس ماء زمزم، ومن وظيفة الآغا أيضا داخل الحرم فصل النساء عن الرجال أثناء الطواف، وأثناء إقامة الصلاة وتوقيفهم عن الطواف أثناء الأذان، والوقوف أمام الخطيب، ويكون الآغا في استقبال الملك والوفد المرافق له
5 هل يحمل الأغوات الجنسية السعودية؟ وهل يتقاضون رواتب شهرية؟
أكرمنا الله ثم ولاة الأمر بالجنسية السعودية، ونتسلم رواتب شهرية قدرها ثمانية آلاف ريال
6 كم كان راتبك في بداية الأمر؟ وهل كان كافيا في ذلك الوقت؟
في بداية الأمر 1384 كان راتبي 300 ريال، وهو مبلغ يكفي ويزيد، إذ كنا تشتري أوقية اللحم بريالين ونصف يكفي لأربعة أشخاص، وكانت كل المستلزمات الغذائية رخيصة وفي متناول اليد، وكل طعامنا يطبخ في المنزل
7 هل كانت تواجهكم مشكلات في عملكم؟
لا، على الرغم من الازدحام حول بيت الله الحرام أثناء الطواف، خصوصا من بعد العصر وحتى بعد صلاة العشاء، أما خلال شهر رمضان والحج فكان الازدحام كثيفا، وهذا شيء طبيعي، أما في الصباح لم يكن هناك ازدحام لوجود الناس في وظائفهم وأعمالهم
8 هل تجتمعون مع بعضكم؟ وهل تسافرون إلى خارج المملكة؟
نعم هناك اجتماعات وزيارات متبادلة بيننا، خصوصا في المناسبات وليالي رمضان والأعياد، ونسافر دائما إلى خارج المملكة لزيارة أهلنا وأقربائنا في الحبشة
9 ماذا عن زواج الأغوات؟
في الماضي كان الأغوات يشترون الجواري ويملّكون عليهن، وبعد إلغاء الإماء بدؤوا يتزوجون ليس لأجل العلاقات المعروفة أو المتعة الزوجية، وإنما من أجل أن ترعى شؤونه إذا مرض، ويتزوج الآغا أحيانا من خارج المملكة ويحضر زوجته معه، وفي حال كان لها أولاد من زواج سابق يحضرون إلى المملكة بتأشيرة خدم ويربيهم الآغا وكأنهم أولاده