فخ.. الوادي الأم لخمسة أودية مكية
اكتسبت الأودية في مكة المكرمة مكانتها من مكانة ساكنيها والمارين بها عبر التاريخ، إضافة إلى ذكرها في السيرة النبوية، ومنها «وادي فخ» والذي اشتهر في بيت بلال بن رباح:
اكتسبت الأودية في مكة المكرمة مكانتها من مكانة ساكنيها والمارين بها عبر التاريخ، إضافة إلى ذكرها في السيرة النبوية، ومنها «وادي فخ» والذي اشتهر في بيت بلال بن رباح:
الأحد - 05 أبريل 2015
Sun - 05 Apr 2015
اكتسبت الأودية في مكة المكرمة مكانتها من مكانة ساكنيها والمارين بها عبر التاريخ، إضافة إلى ذكرها في السيرة النبوية، ومنها «وادي فخ» والذي اشتهر في بيت بلال بن رباح:
ألا ليت شعري هل أبيتن ليلة
بفخ وحولي أذخر وجليل
ويتميز موقعه الشمالي المؤدي للمدينة المنورة، مما هيأ له مناخا تاريخيا ونبويا عظيما، فقد روى محمد الأزرقي في كتابه تاريخ مكة «حدثني جدي قال: حدثنا داود بن عبد الرحمن قال: سمعت طلحة ابن عمرو يقول: قال ابن أم مكتوم وهو آخذ بخطام ناقة رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يطوف:
حبذا مكة من وادي
بها أرضي وعوادي
بها ترسخ أوتادي
بها أمشي بلا هادي»
وفي مكة عدد من الأودية الإقليمية المنحدرة من الشرق للغرب، كبقية أودية تهامة.
وينتهي معظمها أسفل مكة وجميعها يأتي من جبال الشرق، وبعد الإسلام أصبحت معالم تترتب عليها كثير من الأمور الفقهية والشرعية.
يحيط وادي فخ مكة من ثلاث جهات، الشرق والشمال والغرب، ويعد من المعالم المهمة في التاريخ المكي، وأفرد له مؤرخ القرن الرابع الهجري أحمد بن سهل الرازي كتابا أسماه «أخبار فخ»، إلا أن مجمل ما تمت توثيقه عنه قليل.
ويصعب ضبط الحدود الجغرافية له، نظرا لاتساعه وتشعب مصابه، ويضم مجموعة من الأودية قسمت وفق مسميات اصطلح عليها الناس منذ العصر الجاهلي والعصور الإسلامية المبكرة إلى اليوم.
ولضبط هذا التداخل والتشابه في المسميات التزمنا بخمسة أجزاء تاريخية:
1 مكة السدر من أعلاه.
2 الشهداء قبيل وسطه.
3 الزاهر في وسطه.
4 بلدح (أم الجود) قبيل نهايته.
5 الحديبية مصبه الأخير.
يبدأ وادي فخ من علمي نجد شرق مكة وشمال حي الشرايع، ومن وهناك يأخذ مياهه من ثلاثة أودية وهي: جليل وأذاخر والعسيلة، منحدرا نحو السدر «شارع الحج»، حتى إذا قارب الشهداء انعطف قليلا باتجاه الجنوب، فإذا وصل الشهداء مال نحو الجنوب الغربي، عندها يكون قد لامس الزاهر فينحدر بشدة نحو الغرب حتى يصل بلدح «أم الجود»، ويكمل انحداره نحو الحديبية.
وهناك تستقر مياهه قبل أن يفرغها بوادي مر الظهران، وتكتمل منابعه عندما يصلح بلدح، وتظهر شدة اندفاعه مستفيدا من الانحدار الطبيعي نحو الغرب. أما عرض الوادي فيزيد وينقص بحسب الانخفاض والمساحة المتاحة له في التمدد والانقباض، ولا يمكن الجزم بعرضه، نظر لمضايقة العمران له ولكن عند انبساطه بالزاهر، قد يزيد عرضه عن 300 متر، فيما يبلغ طوله 35 كلم.
ذكر المؤرخ عاتق البلادي في كتابه معالم مكة التاريخية والأثرية عن فخ فيقول «هو الوادي الرئيسي الثاني بمكة، يأخذ أعلى مساقط مياهه من جبل الستار عند علمي طريق نجد، وجبل حراء وما حوله، ولما عدلت مياه وادي إبراهيم العلى حولت إلى فخ هذا، ويسمى اليوم بأسماء عدة: أعلاه مكة السدر وخريق العشر، وسطه الزاهر والشهداء، وأسفله أم الجود، وكان ما بين الزاهر والحديبية يسمى بلدح»، وهو من أوسع أودية مكة شمولا وأغزرها أثرا، إلا أن لم تتم الاستفادة منه، فلم تظهر سدود قديمة إلا ما ندر، وعوض عنها بالآبار.
صلاة عام الفتح
صلى الرسول في أعلى الوادي، حين مر عليه بعام الفتح، لذلك يعد محور اهتمام المؤرخين، وظل دوما شديد الحضور في التاريخ الإسلامي إلى عصرنا الحاضر.
ومن أدلة ذلك كثرة الآثار على مختلف العصور، فتشكلت منذ العصر الثاني الهجري إلى يومنا، عبر مسيرة طويلة تناغم التاريخ فيها والأثر وتواءما تواؤما شديدا.
ولا يمكن عزل السمة الأدبية عن مسار الوادي، فالأدب جزء من تاريخ الأودية فلولا ما تركه الشعراء من وصف لهذا الوادي لم يلتفت إليها أحد، وإضافة إلى ما قاله بلال، وصف شعراء الوادي وصفا أدبيا، فقال ابن نمير الثقفي:
مررن بفخ رائحات عشية
يلبين للرحمن معتمرات
وقال آخر:
ماذا بفخ من الإشراق والطيب
ومن جوار تقيات رعابيب
وتحفل كتب الأدب بكثير من تلك الأوصاف الأدبية والعسكرية، ولكن تحول وادي فخ اليوم إلى كتل من الإسمنت وفقد كثير من سماته الطبيعية، إلا أن بعض الجبال لا تزال محافظة على طبيعتها الجيولوجية وتراثها.