العرب بين أمل الوحدة وواقع التقسيم (4)
الأحد - 05 أبريل 2015
Sun - 05 Apr 2015
في المقالة السابقة التي سبقتها مقالتان حول هذا الموضوع الذي طرح فيه معالي الفريق ضاحي خلفان تميم، نائب رئيس الشرطة والأمن العام بدبي، تساؤلات سبعة، والتي كما ذكرت صادف أنني أجبت عليها قبل طرحها في غمرة محاولاتي التي شرفني الله بها خدمةً لديني وأمتي، دون انتظار أجرٍ أو مقابل، ذلك أن المطلوب اليوم من كل قادر على الإسهام في الدفاع عن الدين والأوطان أن يدلي بدلوه، شريطة ألا تخالط مياه الدلو شبهة مصلحة أو رغبة في تمجيد الذات، فعالمنا العربي اليوم خاصةً، والأمة المسلمة بأكملها تعيش فترةٍ من أصعب فتراتها، تزيد في حرجها عن تلك التي واجهتها زمن التتار والمغول والحروب الصليبية، والتي خرجت الأمة بعد كل مرحلة منها ظافرة نتيجة تماسكها وتوحد سواعد أبنائها في صد الخطر المشترك، وهو الأمر الذي أدركه ووعيه أعداء الأمة، فبنوا مخططاتهم على تمزيق الأمة وتفريق أبنائها إلى دويلات وأقليات ومذهبيات وخلافات نجحت لشديد الأسف في تحقيق نسبة عالية مما خططوا له ربما هم أنفسهم لم يكونوا يتوقعون أن يصلوا إليها.
ومن هنا وتحت عنوان «نحو بلورة نظام أمني عربي جديد» انطلقت تساؤلات معالي الفريق، والتي كانت محاولة جادة مدروسة بُنيَت على أرقام وحقائق مخيفة كان لا بد أن يطّلع العرب عليها.
وحين تساءل الرجل: متى انهار الأمن في أوطاننا العربية؟ كانت الإجابة الأولى:
- فقدان التخطيط الاستراتيجي لمؤسساتنا.
والثانية:
- قناعة المواطن بأن الواجب يقع على الحكومة لتأمين حياته، أما هو فلا يفكر في ماذا ينبغي عليه فعله ليشارك في النهضة والتنمية، لذلك أضحى كلٌ يُلقي باللائمة على الآخر.
والثالثة:
- حين تركنا التعليم في أيادي أساتذة يدرّسون التطرف والحقد والكراهية، ويجرّدون المسلم من إسلامه بفتاوى ظلامية.
وبغض النظر عن فقدان التخطيط الاستراتيجي لمؤسساتنا، لأن ذلك يحتاج إلى حلقات ومقالات منفردة، قد آتي عليها لاحقاً بعون الله.. أتحدث عن قناعة المواطن بأن الواجب يقع على الحكومة لتأمين حياته، أما هو فلا يفكر في ماذا ينبغي عليه فعله ليشارك في النهضة والتنمية!
ولقد قلت في مناسبات متكررة إن اهتمام الحكومة لا بد أن ينصبّ في المقام الأول على الأمن الخارجي والداخلي، ثم تنظيم مجريات العلاقة بين الناس داخل الوطن أو خارجه، ثم الاهتمام بالفقراء الذين يُعـدُّ الراعي مسؤولاً عنهم. وعليها في ذات الوقت أن تسعى بكل ما أوتيت من جهد ومورد أن تغنيهم بفضل الله عن العوز والفقر.
ولكي تتفرغ الحكومة لمهمتها الأساسية، فلا بد لها من شراكة مع القطاع الخاص.. حتى لو اقتضى الأمر خصخصة بعض قطاعاتها أو مؤسساتها. ولعل ما يبشر بالخير.. تلك الثقة المتبادلة المطمئنة بين حكومتنا الرشيدة، وفقها الله، وبين قطاع المال والأعمال في المملكة العربية السعودية، خاصة حين يؤكد قائد البلاد ـ يرعاه الله ويحفظه ـ أهمية هذه الشراكة وضرورة العمل على تطويرها، في وقت يعلن فيه أصحاب الأعمال استعدادهم المطلق لأخذ دورهم في المشاركة في النهضة والتنمية، خاصةً أن جميعهم ودون استثناء يدينون بالفضل والولاء لهذا الوطن المقدس المعطاء - نهجاً وقيادةً منذ فجر التأسيس على يد المغفور له بإذن الله الملك الموحّد عبدالعزيز، ومنذ ذلك الحين وإلى اليوم والقيادة تنظر بعين التقدير والاحترام لهذا الدور الخاص، الذي أسهم في تطوير وتسريع عجلة النهضة في مملكةٍ يحكمها الحب قبل الحاكم.
ولكن ليتمكن القطاع الخاص من أداء دوره مكتملاً غير منقوص، يجب القضاء على البطالة النوعية، وأقول النوعية، لأننا بحمد الله ليست لدينا بطالة عامة، لأن في المملكة عشرة ملايين سعودي يعملون، بينما تشير أكثر الإحصائيات تشاؤماً – إلى وجود نحو مليونين بين عاطلة وعاطل، وجزء كبير منهم أدرجوا أسماءهم في قوائم البطالة لاستلام إعانات، قد لا يستحقونها، ذلك أن جزءا منهم لم يؤهل في الأساس لسوق العمل، وهذا بالطبع ليس ذنبهم بقدر ما هو ذنب قطاع التعليم الذي لم يخرج لنا متعلمين حاملين لعلمٍ يُعمل به وينفع الناس. وهذا النوع من مخرجات التعليم التي تتناسب مع سوق العمل هو ما يحتاجه القطاع الخاص ليتمكن من تطوير البلاد، وتشغيل العباد، بتوجيه مباشر وبدعم محمود من خادم الحرمين الشريفين الملك المفدى سلمان بن عبدالعزيز، أيده الله بنصره ورعاه. وحين تتواءم وتتناسب مخرجات التعليم مع احتياجات التنمية، نكون لم نترك التعليم والتنظير في أيدي أساتذة يدرّسون التطرف والحقد والكراهية، ويجرّدون المسلم من إسلامه بفتاوى ظلامية، فحينها سيتعلم الطالب أهمية العمل ويُعـَدُ مبكراً لسوقه ولا يتخرج فيصبح نهباً لأفكار متطرفة، تستغل الفراغ والبطالة لتزرع في رأسه زرعاً. وكما ذكرت في مناسبات مختلفة فإن العمل لا يقل أهميةً عن الدين، لأن الدين الإسلامي الحنيف دين عمل وليس دين اتكالية واعتماد على الآخر.
أوَ لم يُقل لعامل يعمل ويؤمن لقمة العيش لأخيه الزاهد المنقطع للعبادة.. إن العامل أعبَدُ وأزهَدُ من أخيه.