الوثائق التعليمية ودورها في توثيق تاريخ التعليم بالسعودية

كنا قد استعرضنا في الحلقة الماضية بعضا من تاريخ الوثائق التعليمية، وأوضحنا أنها تعاني من الإهمال الشديد في خضم الدراسات الأكاديمية أو البحوث المقدمة، مما أفقد جميع البحوث ميزة نافذة وقوية تغطي عجزا واضحا في تاريخ التعليم. واليوم سوف نتعرف على واقع بعض هذه الوثائق التعليمية.

كنا قد استعرضنا في الحلقة الماضية بعضا من تاريخ الوثائق التعليمية، وأوضحنا أنها تعاني من الإهمال الشديد في خضم الدراسات الأكاديمية أو البحوث المقدمة، مما أفقد جميع البحوث ميزة نافذة وقوية تغطي عجزا واضحا في تاريخ التعليم. واليوم سوف نتعرف على واقع بعض هذه الوثائق التعليمية.

الجمعة - 27 مارس 2015

Fri - 27 Mar 2015



كنا قد استعرضنا في الحلقة الماضية بعضا من تاريخ الوثائق التعليمية، وأوضحنا أنها تعاني من الإهمال الشديد في خضم الدراسات الأكاديمية أو البحوث المقدمة، مما أفقد جميع البحوث ميزة نافذة وقوية تغطي عجزا واضحا في تاريخ التعليم. واليوم سوف نتعرف على واقع بعض هذه الوثائق التعليمية.

كانت اللوائح تنص نصا قطعيا بموجب وثائق رسمية مسجلة بأرقامها وتواريخها على منع العقاب البدني بالمدارس، وهذا مسجل ومثبت ضمن لوائح مديرية المعارف، وقد نجده منشورا في صحيفة أم القرى وغيرها... ولكن الواقع يختلف، فظل ضرب التلاميذ يسير بشكل عادي لسنوات طويلة حتى أصبح جزءا من تراث التعليم وتقليدا تربويا سارت عليه المدارس في ذلك العصر... ثم نجد شكايات واسعة قدمها أولياء الأمور ضد المعلمين الممارسين للضرب وهي مكتوبة وموثقة وتعدت حتى وصلت مديرية المعارف حيث قامت بتوثيقها ضمن مكاتباتها فمثلا (... إشارة لما تقدم بها والد الطالب من شكوى حول ضرب المعلم «فلان» لابنه... نأمل أن تحيطونا بما اتخذ من إجراء..) وهذا النمط التكاتبي شائع وثقافة أدبية سارية، فكيف تعامل معها الميدان التربوي والتعليمي؟ قطعا هناك إجراءات اتخذت بين المديرية وإدارة المدرسة والطالب وولي أمره فكيف صارت؟ يمكن أن نفهم ذلك من خلال الوثيقة التعليمية وليس من خلال التنظيمات والتشريعات، فهل تقبل أولياء الأمور عملية العقاب البدني؟ ولماذا بعضهم تأذى من طريقة تنفيذها؟ وكيف استطاعت الإدارة المدرسية حل هذه الإشكالية مع كافة الأطراف؟

والذي يبدو لي من بعض مطالعات الوثائق أن أولياء الأمور كانوا يؤيدون العقاب البدني تأييدا مطلقا ظانين أنه حل تربوي جذري وسحري لسلوك الطلاب وتعليمهم! أما المديرية فكانت تحارب هذا السلوك وفق ما تبنته من مناهج تربوية حديثة تحث وتشجع وترفض الضرب، فهنا فارق بين الواقع المكتوب من لوائح واعتبارات شفاهية.

أما الجوانب التاريخية والثقافية والاجتماعية والسياسية والاقتصادية فأفقها واسع إلى أبعد ما يتصوره القارئ، وليس من مهمتنا هو الإسراف في دراسة هذه الجوانب فهذا يستنزف وقتا هائلا وبعيدا عن مقصدنا.

إذن، فالوثيقة كما نعلم نص تاريخي تحتمل كثيرا من الدراسات والاستنتاجات، وقد رأينا كثيرا من الدراسات الحديثة التي تناولت الوثائق العامة وقتلتها بحثا واستنتاجا، وهذا ثراء تمتاز به الوثيقة ولا نستطيع أن نفرض على الباحث رؤية معينة، ومهمة الدارس الجاد لهذه الوثائق هي إضاءة هذه الجوانب بكل ما أوتي من قوة علمية ومنهجية، وليس بالضرورة أن يجد التفاصيل لأن الغالب على هذه الوثائق هي الإيجاز والاختصار، وهذا له ما يبرره لأنها كتبت كنص لغرض محدد في زمن محدد وليس مطلوبا من نص الوثيقة أكثر من هذا.

ومن خلال اطلاعي على بعض الوثائق التربوية والتعليمية من خلال المدارس أو موسوعة تاريخ التعليم، أمكنني التوصل إلى أهم المجالات التي تعالجها الوثائق التعليمية هذه الوثائق على سبيل المثال لا الحصر:

1 ما يخص تسليم القيود والدفاتر.

2 طلب أسماء تلاميذ من المدرسة.

3 تنظيم المناهج وطريقة تدريسها.

4 تحديد أوقات الدوام والعطل الصيفية والدينية.

5 ملحوظات مفتشي مديرية المعارف.

6 طلب رخصة إجازة.

7 تعيين مفتشين أو معلمين جدد.

8 طلب الإحصاء الشهري.

9 توجيهات إدارية.

10 تاريخ بدء الدوام ونهايته.

11 حصر الفقراء من الطلاب لمساعدتهم.

12 طلب حضور معلمين بالمديرية.

13 حصر موجودات المدرسة.

14 تحديد وتنظيم اللباس الرسمي.

15 إرسال نسخ من المناهج.

16 جداول اختبارات.

17 منع الضرب بالمدارس.

18 نتائج الاختبارات.

19 معالجة تأخر المعلمين عن الحضور الصباحي.

من المؤكد أن هناك غيرها كثير، ولكن اكتفينا من الظاهر وما ذكرناه مجرد نماذج.

وقد يتصور القارئ أن بعض الوثائق ليست بتلك الأهمية التاريخية والتعليمية كنقل معلم أو تعيين مفتش إداري، أو تحديد إجازة مرضية...، وهذا ليس صحيحا، فالوثيقة تحتوي دوما على قوة نصية تاريخية تجعلها على مستوى عال من الأهمية مهما كان المضمون بسيطا، ثم إننا نقدمها للتاريخ فقد تصبح أكثر أهمية بمرور الزمن بل ربما تجد مجالا آخر للدراسة غير ما نتصوره، فهذه نصوص وثائقية مجالها خصب وواسع ولا نستطيع حصر وتقزيم دروها، فماذا لو وجدنا وثيقة من المديرية تطلب تطعيم الطلاب ضد الجدري في نهاية الأربعينات ومطلع الخمسينات... هل نتصور التطعيم حقنة بإبرة معدنية دقيقة؟ قطعا لا، هناك مظاهر مختلفة لطريقة التطعيم الصحي والتي كانت تعتمد التشريط لزراعة المصل داخل الجسد، وهي طريقة ناجحة جدا في وقتها وحمت بعد الله كثيرا من الطلاب، فهذه وثيقة صحية ثمينة جدا لو تأملناها، وقس عليها بعض المناشط.

وقد تيسر لي جمع عدد كبير من المناهج المدرسية القديمة منذ عام 1356هـ حتى عام 1395هـ في كافة المواد الدراسية، وطالعت كثيرا منها فيما يخص المنهج وطريقة تدريسه، وهذه المناهج نادرة في مكتبات الكتاب المستعمل وبالصدفة يمكن أن تعثر عليها، وكنت أجد معلومات واسعة جدا ورائعة بعضها يستحيل العثور عليه اليوم إلا في مثل هذه المناهج وأعدها وثيقة تاريخية مهمة تقدم مادة علمية قوية في دراسة تاريخ التعليم وكيفية سير المناهج وطرق تدريسها والفروق في تصميمها، ولكن دوما تغالبني المتعة الأدبية والتراثية مما يفقدني معظم التركيز خاصة وأنني جمعتها لتكون متعة أدبية في يدي ولكن تحور هذا المطلب أحيانا يدفعني لقراءة مغايرة وهو ما قصدته من هذه العجالة.