أسواق القوز الشعبية كرنفالات على مدار الأسبوع

مع إشراقة كل يوم خميس تشهد أسواق القوز الشعبية حركة بشرية لافتة ونشاطا اقتصاديا مميزا، يجتمع فيه القادمون من قـرى الجوار لتمتزج تغاريد الطيور وأصوات الحيوانات المختلفة بين عشرات السلع التي طوتها صفحات الماضي، كل ذلك تسطره أروقة أسواق القوز الشعبية

مع إشراقة كل يوم خميس تشهد أسواق القوز الشعبية حركة بشرية لافتة ونشاطا اقتصاديا مميزا، يجتمع فيه القادمون من قـرى الجوار لتمتزج تغاريد الطيور وأصوات الحيوانات المختلفة بين عشرات السلع التي طوتها صفحات الماضي، كل ذلك تسطره أروقة أسواق القوز الشعبية

الاثنين - 23 مارس 2015

Mon - 23 Mar 2015



مع إشراقة كل يوم خميس تشهد أسواق القوز الشعبية حركة بشرية لافتة ونشاطا اقتصاديا مميزا، يجتمع فيه القادمون من قـرى الجوار لتمتزج تغاريد الطيور وأصوات الحيوانات المختلفة بين عشرات السلع التي طوتها صفحات الماضي، كل ذلك تسطره أروقة أسواق القوز الشعبية.



فمع ساعات الصبح الأولى يشعر الزائر في رحلته بين ثنايا السوق بالعودة إلى زمن الأجداد، حيث يحوي السوق أصنافا متعددة من الحيوانات إلى جانب القطع الأثرية التي تحكي بساطة الماضي، إلى جانب انتشار الصناعات اليدوية التي تمتزج بطرق التفاوض في البيع والشراء بجميع الأصوات.

عندما ترتاد الأسواق الشعبية في محافظة القنفذة تلمس عبق التاريخ لأكثر من ثلاثة عقود مضت، فتستقبلك بترحاب وهي حاضرة في أحضان المراكز الإدارية بالمحافظة، تحكي عن تراثها وحضارتها بما يقدم فيها من مناشط متنوعة، والتي تمكن الزائر من شراء ما يريد من الصناعات من موقع واحد، فهي بمثابة تظاهـرة أسبوعية تعرض فيها المنتجات الزراعية والحيوانية والتراثية ومختلف أنواع الفواكه والخضروات والنباتات العطرية كالريحان والزهور والحلويات والأواني ومواد العطارة، والزيوت النباتية المصنعة محليا، إضافة إلى وجود السمن البلدي والعسل بأنواعهما.

فالزائرون تجذبهم العراقة التي ينضح بها المكان، جاعلة منه مركزا تجاريا ومعلما تراثيا وحضاريا مهما للمحافظة لا تهدأ طيلة أيام الأسبوع، فالمشهد أشبه ما يكون بكرنفال صاخب منذ ساعات الصباح الأولى، حيث يبدأ الأسواق بفرز منتجاتها المختلفة التي تلبي كل احتياجات الأهالي، وهي بالتالي توفر فرصة أمام المواطنين للحصول على تنوع أكبر بأسعار أقل نتيجة العرض الكثيف، كما أن لها شكلها وبساطتها وحتى تسميتها التي أصبحت هي الغالبة على أماكنها، إذ يكفي أن تذكر سوق أحد الأيام حتى تلتفت تلقائيا إلى مكان انعقاده، فتلك الأسواق بمعظمها موزعة على مدار أيام الأسبوع، فيوم السبت تتجه الأنظار نحو سوق سبت الجارة، والأحد إلى سوق أحد بني زيد والمظيلف، والاثنين إلى حلي، والثلاثاء إلى سوق يبه، والأربعاء للفائجة، والخميس لخميس القوز، وهو من أشهر الأسواق في المحافظة وأكثرها انتعاشا من حيث الحركة التجارية، واستقطابا للزائرين من خارج المحافظة، أما الجمعة فينتعش السوق في ربيعة ودوقة، والملاحظ أن الأسواق تشد الباعة إليها بكثرة مرتاديها، حيث يتنقلون ببضائعهم بينها على مدار الأسبوع طلبا للرزق من جهة وإرضـاء لزبائنهم من جهة أخرى، والذين ينتظرون قدومهم لشراء احتياجاتهم الأسبوعية.



تكوين مميز



يقول أحمد الفقيه، من سكان القوز: السوق يعد الرابع على مستوى المملكة، ويعود تاريخه إلى ما قبل مئة عام، ويعرض فيه المواشي والطيور والأقمشة والزيت والعسل والمأكولات الشعبية التي تزخر بها المنطقة، كما يرتاده الزوار من محافظة عسير والباحة وجازان والقنفذة ومكة المكرمة وجدة.

وأضاف المؤرخ محمد الناشري: تضم المحافظة كثيرا من الأسواق الشعبية العريقة التي تحمل عبق الحضارة الأصالة ذات التكوين المميز في الماضي والذي ينحصر في كيان واحد متكامل، فشوارعه ضيقة ومحاله من القش حيث لا تتجاوز مساحة الواحد منها 3 متر في 3 متر، فمجرد دخول المتسوق يستقبله ضجيج الباعة والمتسوقين، والتسوق في هذا النوع من الأسواق له نكهه خاصة حيث تعد الزيارة نزهة قبل أن تكون بقصد شراء الحوائج.

من جانبه قال عبدالله الناشري: عروض المنتوجات المبعثرة في البسطات تجذب الزائر للشراء، فمعظمها من التراث، وقديما لم يكن هناك إشراف على الأسواق من قبل جهات حكومية لعدم وجود بلديات في ذلك الوقت، بل كانت توكل المهمة إلى أشخاص معينين لمراقبة وتنظيم العمل فيها بالرغم من عدم قدرة البعض على القراءة والكتابة.

وبالعودة لمحمد الناشري، أضاف: يحتوي السوق على عشرات السلع، فمثلا تجد الحبوب بأنواعها، كالذرة والدخن والسمسم، إضافة إلى القطران والأعلاف، والملابس الرجالية والنسائية، ومحلات الفضة والتمور والحلويات واللحوم والأسماك، ومن أشهر أسواق القوز ثلاثاء يبه والخميس بالقوز، بعد أن انقرض سوقا السبت والربوع، وهناك قسم آخر في السوق وهو مقر إصلاح ذات البين.



إعادة سوق ثلاثاء يبه



سوق ثلاثاء يبه عرف كسوق شعبي عريق، وقديما كان يعد كأكبر سوق شعبي وما زال حتى تاريخه، فهو يمثل ساحة للقاء الأصدقاء والأقارب، كما يستخدم في الدعوة إلى المناسبات وحل الخلافات التي غالبا ما تحدث بين الباعة أو بين المشترين، حيث يتكون القائمون عليه من مجموعة من أفراد القبيلة مخولة بتوفير الأمن والنصح، قبل استتباب الأمن مع قيام الدولة السعودية على يد مؤسسها الملك عبدالعزيز ـ رحمه الله ـ.

وقد تعرض سوق الثلاثاء يبه في حقبة من الزمن للتوقف لمدة تزيد على ثلاثين عاما بسبب عدول الطريق الترابي الذي كان يعد الطريق الأساسي للمرور، نتيجة اتخاذ الطريق المسفلت من جدة إلى جازان منحنى آخر وبمسافة تبعد عنه خمسة كلم، وقد تمت إعادته على يد الشيخ أحمد الناشري في 1413 حين اجتمع بأهل الرأي والمشورة من أعيان ووجهاء المحافظة، وعرض عليهم إعادة التسوق كما كان سابقا، وتم نقل المطالب إلى القنوات الرسمية المشرفة على الأسواق وهو المجمع القروي بالقنفذة، وكان رئيسها حين ذاك صالح الزيد العميم الذي كان مديرا للضمان الاجتماعي في القنفذة، حيث رحب بفكرة نقل سوق ثلاثاء يبه من شرق البلدة إلى غربها وأعيد التسوق فيه من جديد.