التعايش مع المختلف

يختلف الأشقاء ويبلغ الخلاف بينهم أقصى الحدود، وقد يصل إلى الكراهية والبغضاء وما هو أكثر من ذلك، حتى الحرب بالكلام وغيره قد تحدث، ومع كل أنواع الخلاف يبقى كل منهم منتسبا لوالده، معتزا بنسبه، محافظا على بره وفخورا به، لا يتخلى عنه ولا ينتمي إلى غيره في كل الأحوال، ويحترم رابطته الأبوية رغم الاختلاف وبواعثه وأسبابه

يختلف الأشقاء ويبلغ الخلاف بينهم أقصى الحدود، وقد يصل إلى الكراهية والبغضاء وما هو أكثر من ذلك، حتى الحرب بالكلام وغيره قد تحدث، ومع كل أنواع الخلاف يبقى كل منهم منتسبا لوالده، معتزا بنسبه، محافظا على بره وفخورا به، لا يتخلى عنه ولا ينتمي إلى غيره في كل الأحوال، ويحترم رابطته الأبوية رغم الاختلاف وبواعثه وأسبابه

الأربعاء - 05 فبراير 2014

Wed - 05 Feb 2014



يختلف الأشقاء ويبلغ الخلاف بينهم أقصى الحدود، وقد يصل إلى الكراهية والبغضاء وما هو أكثر من ذلك، حتى الحرب بالكلام وغيره قد تحدث، ومع كل أنواع الخلاف يبقى كل منهم منتسبا لوالده، معتزا بنسبه، محافظا على بره وفخورا به، لا يتخلى عنه ولا ينتمي إلى غيره في كل الأحوال، ويحترم رابطته الأبوية رغم الاختلاف وبواعثه وأسبابه

والمجتمع في انتمائه للوطن مثل الأشقاء في انتمائهم لنسبهم واختلافهم فيما بينهم، يختلف الناس وتتعارض مصالحهم وغاياتهم، ولهم طرائقهم ومبرراتهم في الاختلاف أو التوافق، ولا يوجد مجتمع على وجه الأرض قل أو كثر إلا وفيه نزعة الاختلاف قائمة حين تجد أسبابها ومحركات إثارتها، وفيه مع ذلك كثير من روابط الاتفاق وأسباب التواصل حين توصد الطرق في وجوه الداعين إلى نشر الخلاف وتوظيفه

والنص الكريم يشير إلى طبيعة البشر، وأن الخلاف جزء من وجودهم وضرورة لحياتهم في بعض الأحيان «و لوشاء ربك لجعل الناس أمة واحدة ولا يزالون مختلفين»، وما دام الله جل وعلا لم يشأ أن يجعل كل الناس أمة واحدة، ولا طبقة واحدة، وأن الاختلاف هو سنة الحياة وناموس الكون، فقد أدارت المجتمعات البشرية علائقها وترابطها على هذا المفهوم، ولم تلزم قوانينها وأعرافها أن يكون الناس نسخة طبق الأصل في معتقداتهم وشعورهم وأفراحهم وأتراحهم، وتركت القوانين والأعراف البشرية للناس مساحة واسعة لكي يمارسوا حرية الرأي وحرية الاختيار، ولكن في إطار عام هو إطار الانتماء الشامل الذي يعيش الجميع تحت قبته الواسعة فيستظل كل منهم بظل الوطن الذي ينتمي الجميع إليه

في الزمن القديم كانت الانتماءات عامة وشاملة، كالانتماء للجنس أو اللون أو اللغة أو الدين أو القارة من الأرض، وفي كل دائرة من هذه الدوائر الكبيرة يجتمع أناس شتى، حتى جاء العصر الحديث فأخرج الإنسان من هذه الشمولية العامة إلى دوائر أكثر دقة وتحديدا، مع أنه قد يجتمع في هذه الدوائر جميع الثنائيات السابقة، واختصر ذلك فيما سمي الوطن والهوية الحديثة، والانتماء إليه

فكان الوطن وكانت المواطنة هي ذلك الأب الذي يختلف أبناؤه في شؤونهم وأغراض حياتهم، ولكنهم يبقون محافظين على النسب الذي يجمعهم به على الرغم من كل عوامل الاختلاف

ونحن نعرف في تراثنا الثقافي الشيء الكثير من صور التعايش مع المختلف رأيا أو مذهبا أو طريقة دون تجريمه أو حرمانه من حقه أو التحريض عليه أو عزله أو الدعوة لمقاطعته أو نبذه أو الحكم بدخوله الجنة أو النار

أما في حاضر العالم ـ ونحن منه ـ فقد أصبحت رابطة الوطن وإخوته ضمانا لكل أبنائه، حيث تستوي الحقوق والواجبات، وتقوم الدولة بحماية هذه الحقوق من بغي القوي على الضعيف، والكثرة على القلة، ورد الظلم عن كل من يعيش بصفته مواطنا في وطنه، وضمان حرية رأيه ومعتقده



ولأن هذه المثاليات الإنشائية لا تكفي فقد وضعت المجتمعات المعاصرة الأنظمة والتشريعات التي تضمن حقوق المواطنة وتحميها بقوانين وعقوبات على من يتجاوزها أو يتطاول على شركائه في الوطن تحت أي ذريعة كانت

وإذا أردنا أن تبقى لحمة الوطن قوية فاعلة -ونحن نريد- فإننا بأمس الحاجة إلى نظام يجرم كل من يتطاول على المواطنة أو ينال من كرامة المواطن أو يحرض عليه بسبب رأيه أو مذهبه أو نسبه أو فكره، أو يدعو للكراهية والبغضاء بأي صورة من صور التحريض