الوثائق التعليمية ودورها في توثيق تاريخ التعليم بالمملكة

لم تنل الوثائق التعليمية الرسمية ما تستحقه من الاهتمام والدراسة كمصدر من مصادر المعلومة المنهجية، ورافد من روافد المعرفة التربوية التاريخية،

لم تنل الوثائق التعليمية الرسمية ما تستحقه من الاهتمام والدراسة كمصدر من مصادر المعلومة المنهجية، ورافد من روافد المعرفة التربوية التاريخية،

الخميس - 19 مارس 2015

Thu - 19 Mar 2015



لم تنل الوثائق التعليمية الرسمية ما تستحقه من الاهتمام والدراسة كمصدر من مصادر المعلومة المنهجية، ورافد من روافد المعرفة التربوية التاريخية، ولم تحظ بما تستحقه من الاستقلال المنهجي والتمحيص، وظلت تطرح نماذج وثائقية مجردة كدعم توثيقي لمشاريع دراسية تعليمية أو تاريخية، واستمرت مساندة فقط لمشاريع تربوية وتعليمية غير مستقلة، وتثبت في ذيل الدراسات كصورة لإجازة علمية أو وثيقة مرسوم.

ونعني بالوثيقة التعليمية التربوية هي تلك المدونة الخطية الرسمية التي تتناول جانبا تربويا أو تعليميا أو تنظيميا يخص تاريخ التعليم بالمملكة العربية السعودية.. وما نعنيه هنا تلك الوثائق التربوية التي ظهرت مع إنشاء مديرية المعارف بمكة المكرمة عام 1344هـ، وهذا تحديد ضيق لمفهومنا وإلا فقد تتسع الوثيقة التعليمية لأكثر من ذلك، وتأخذ الوثيقة شكل خطاب أو جدول دراسي أو مقرات أو سجلات رسمية (مضبوطات) وأحيانا وصف مدرسة أو تحذيرات سلوكية شائعة وهكذا.

ولهذه الوثائق دور مهم جدا في تثبيت تاريخ التعليم في نواح واسعة جدا، ومن المؤكد أن أخذها بشكل صحيح من مصادرها المكتوبة يضفي على طابع تاريخ التعليم مصدرا موثوقا مهما للغاية.

ولكننا لم نلحظ أبدا أي دراسة اعتنت بمتابعة بهذه الوثائق وتمكنت منها حق التمكن في تحديد وضبط تاريخ التعليم، وجل الدراسات تركزت على وصف المناهج فقط حتى أصبحت هناك تخمة في دراسة المناهج.

ولمكة المكرمة الريادة في هذا المشروع كونها شهدت مولد مديرية المعارف وظلت تشهد مقررات التعليم النظامي لمدة ثلاثين عاما قبل إنشاء وزارة المعارف عام 1373هـ، والثلاثون عاما هي التي كونت المرتكز الرئيس لنظام التعليم، ومن خلالها انبثقت سياسة التعليم لدينا وأخذت بعدها المحلي والتربوي من خلال تلك التشريعات التعليمية التي كانت تتولاها مديرية المعارف وتشرف عليها، صحيح أن التعليم تطورت أهدافه بعد إنشاء وزارة المعارف ولكن الأصل ظل ثابتا وهو ما شكل العمق التاريخي والمنهجي للتعليم بالمملكة العربية السعودية.

ومع تلك الأهمية لم تأخذ الوثائق التعليمية البعد المنهجي واستمرت المراجع التاريخية التعليمية التقليدية هي المرتكز الرئيس لمصادر الدراسات التعليمية، وغابت المعلومة الوثائقية التربوية إلا فيما ندر، والغالب أن الدارسين كانوا يفتقدون الجهة الرسمية الممولة لبحوثهم من هذا النوع، مما جعل الوثائق التعليمية تعيش بعيدا عن مناهج البحث وتسكن في أضابير مجهولة بين دهاليز المدارس العتيقة والمستودعات التعليمية وخلف ركامات هائلة من المرادم الورقية، وأعني المتبقي منها أما الغالب منها فقد هلك ونفق بفعل عوامل الدهر كالرطوبة الشديدة وسوء التخزين والأرضات بمختلف صورها خاصة النمل الأبيض، بالإضافة لقرض القوارض وتعفن الورق وتآكل أجزائه، بل ومحاضر الإتلاف أحيانا نظرا لضيق مساحة التخزين بالمدارس أو المستودعات دون أن تجد من ينقذها.

أما ما يقدم في مناسبات تعليمية فهو قريب من الجانب الوسائلي تأخذ فيه الوثيقة منحى الأثر القطعي عندما تغلب أهميتها التراثية المادية على قيمتها العلمية النصية، ولقد قدمت صحيفة أم القرى نماذج جيدة من التنظيمات التربوية والتعليمية وتفردت بكثير من هذه الوثائق، وتعتبر جهة علمية ممولة لدراسة الوثائق التعليمية ولكن انحصر دورها في نطاق التشريعات والتنظيمات الحكومية ولم تتوسع، ولكن هناك وثائق أكثر بكثير لم تنشر وتشتمل على قيمة تاريخية عالية جدا.

ولعل موسوعة تاريخ التعليم في المملكة العربية السعودية في مئة عام الصادرة عن (وكالة الآثار والمتاحف سابقا) 1423هـ وكتاب مسيرة التعليم في المملكة العربية السعودية الصادر عن الوكالة نفسها عام 1425هـ قد عرضا الوثيقة التعليمية كمصدر من مصادر المعلومة لأول مرة بشكل «مقارب للمنهجية» إلا أنها بقيت أيضا شواهد تعليمية تدعم مشروع الموسوعة الرائدة كضبط تاريخ تعليمي أو تحديد أعلام من رواد التربية والتعليم، أو دعم مناسبة تاريخية تعليمية وهذا حسن، ولكن الوثيقة التاريخية التعليمية لدينا تتجاوز هذه الحدود كما أشرت وتكشف كثيرا من الجوانب الاجتماعية والتاريخية والاقتصادية والإنسانية واللغوية.

وتعد دراسة الوثائق التاريخية لوزارة المعارف في عهد وزيرها الأول خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبدالعزيز آل سعود 1373هـ - 1380هـ أهم دراسة تناولت الوثيقة التعليمية بشكل منهجي.

لقد أصبحت الحاجة ماسة للوثيقة التعليمية والتربوية اليوم لمعرفة تاريخ التعليم من جميع جوانبه دون غبش أو تزييف، وهذا مهم لفهم كيفية سير المنشط التربوي بكافة صوره الموازي تماما للوثيقة من خلال الطالب أو المعلم أو المدير أو المنهج أو علاقة ولي أمر الطالب بالمدرسة وهكذا.

في أزمنة ماضية انعدمت تقريبا المصادر العلمية المنهجية الموثقة توثيقا حكوميا، إلا ما تجود به هذه الوثائق ومن ذلك بداية مديرية المعارف في عام 1344هـ والتنظيمات الإجرائية التي لا نعرف عنها إلا ما نضحت به هذه الوثائق عندما تولت إصدارها وصياغتها مديرية المعارف آنذاك لتنظيم شؤون سياسة التعليم على الواقع وليس ما هو مثبت في التنظيمات وللوائح التي تنشرها صحيفة أم القرى، فهناك فرق بين ما هو مثبت من لوائح في حدودها العليا وما هو واقع تعيشه المدرسة من داخل الميدان.

وهنا يبرز دور الوثيقة التعليمية التربوية في كشف كيفية تفعيل هذه القرارات واللوائح ومدى ملاءمة هذه اللوائح والتنظيمات لوضع المدرسة.

وللحديث صلة.