مرزوق تنباك

فالح الفالح بين الطب والإدارة

الثلاثاء - 27 مارس 2018

Tue - 27 Mar 2018

برز في تاريخنا الأدبي والثقافي الحديث أطباء تخصصوا في الطب وخرجوا من الجامعات يمارسون مهنته الفاضلة، ولكن طغت مواهب الشعر والأدب والفلسفة وتأليف الكتب على احتراف مهنة الطب عندهم، واشتهروا بصفتهم أدباء أكثر من صفتهم أطباء، وكلنا نعرف أحمد زكي أبا شادي بصفته شاعرا مبدعا، والقليل منا يعرفه طبيبا متخصصا في مهنة بعيدة عن مجال الأدب، ومثله زميله إبراهيم ناجي الذي طار ذكره شاعرا وجدانيا مبدعا ولم يعرف كطبيب محترف، ومصطفى محمود عرفناه كاتبا ومنظرا ومؤلفا وقل من يعرفه طبيبا متخصصا في مهنة بعيدة عن الفلسفة والتأليف، وغيرهم كثير من الأطباء الذين أدركتهم حرفة الأدب في تاريخنا المعاصر. والدكتور فالح بن زيد الفالح ينضم إلى قائمة هؤلاء الأدباء الأطباء المؤلفين، ولكنه حافظ على صفته طبيبا متميزا حتى وإن انضم إلى قائمة الأدباء. شارك الدكتور الفالح بعض زملائه في كتاب عن تجربة مجلس الشورى في المملكة حين كان عضوا فيه لدورات ثلاث، وألف مع زميله الطبيب عثمان الربيعة وكيل وزارة الصحة سابقا كتابا عن تاريخ الطب في البلاد والبيئة العلاجية في مرحلة البدايات الأولى بعنوان «النظام الصحي السعودي نشأته وتطوره».

وفي معرض الكتاب القائم في الرياض هذه الأيام تدفع دار جداول للقراء بالكتاب الثالث من تأليفه، وهو في موضوع شائق ومختلف عن سابقيه «حياة في الطب» سيرة طبية تناول فيها الطبيب الكاتب مرحلة طويلة شرح تجربته العامة ومسيرته العلمية وتدرجه في بيئة شحيحة عاشها وعاشها جيله كله. يكتب الدكتور الفالح عن نفسه وسيرته كطبيب، ولكنها تحكي سيرة كل من عاش تلك المرحلة من تاريخ المملكة، ليس في الطب بل في كل شؤون الحياة. وكل من سيقرأ

سيرة الطبيب الفالح من أترابه سيجد جزءا مهما من سيرته فيها، في أي تخصص كان وإلى أي موضوع ذهبت به الأيام للوظيفة العامة أو للتعليم أو للطب أو للتجارة أو لغير ذلك من مناشط الحياة العامة والخاصة، فالظروف متشابهة والاختلاف نسبي.

ومن حسن حظ الفالح وجيله أنهم جيل البدايات الأولى للنهضة العلمية والعملية التي تنعم بها الأجيال اليوم، كانت مرحلة فيها من العسر والقلة ما فيها، ولكنها مع ذلك مرحلة واعدة في كل شيء، واعدة في مستقبل أفضل للتعليم ومجالاته وتنوعه وتعدد تخصصاته، وفي مستقبل أفضل للعمل في فنون كثيرة، وفرص سانحة استفاد منها عدد كبير من أبناء الوطن الذين أصبحوا رجال أعمال ومال، وفي تطوير وتحول مهم جنت ثماره الأجيال التالية. والكاتب يعرج على مراحل التطور التي عاشها في شخصه كطالب للطب وعاشها الناس في المملكة بفرص مختلفة واهتمامات متنوعة، وتحول إلى الاستقرار والرخاء والعطاء الكثير. ولعل أقرب وصف ما سطره الدكتور عثمان الربيعة حين قدم للكتاب بهذه الجملة المعبرة عن الحقيقة، إذ قال «هذا الكتاب لا يعد سيرة ذاتية كاملة للأستاذ الفالح، وإنما هو كتاب يوثق لمحطات محورية من حياته تماثل إلى حد بعيد محطات حياتية للعديد من أبناء جيله، جيل الستينات الميلادية، ذلك الجيل الذي عاش حياة الشح، والكفاف، والأمية وإرهاصات التحول للحياة العصرية. ولقد كان محظوظا أن أتيحت له فرصة المشاركة في بناء هذا الوطن الغالي مع أبناء جيله حتى وصل إلى ما وصل إليه اليوم».

الكتاب مرآة عكست ماضينا القريب كما هو بقلم رجل شارك مجتمعه همومه وأحلامه ونجاحه واطمئنانه، وأضاف ما استطاع إلى الحياة العامة وزاد فيها ولم يتركها كما وجدها، وهو بحق سجل لصفحة من ماضينا القريب يستحق القراءة.

Mtenback@