العرب بين أمل الوحدة وواقع التقسيم (2)
الأحد - 15 مارس 2015
Sun - 15 Mar 2015
في المقال السابق وفي ختامه تحدثت عن حقيقة أنه إذا لم يهتم القادة الكبار بإيصال رؤيتهم واضحة جلية للصفوف التي تليهم.. بكل ما في هذه الرؤية من حكمة ومنافع، سنظل في واقعنا نصطدم بالروتين والبيروقراطية.. وسنظل مكانك سر.
واليوم واستكمالاً لمقالي السابق.. وعطفاً على ما ورد في ختامه الذي بدأت به اليوم، أريد أن أُشيد برجلٍ من الصفوف التي تلي القادة.. وصلته رؤيتهم، وراح يعمل على ضوئها خدمةً لأمل الوحدة، ورفضاً لواقع التقسيم. هذا العنوان الرائد للمؤتمر الثالث عشر لمؤسسة الفكر العربي والذي انعقد في مطلع ديسمبر من العام المنصرم بالمملكة المغربية الشقيقة برعاية عاهلها الملك محمد السادس.
وهناك أسعدتني المناسبة بلقاء معالي الفريق / ضاحي خلفان تميم نائب رئيس الشرطة والأمن العام بدبي. وكلنا يعرف أن هذا الرجل ليس شرطياً فحسب، ولكنه مفكرٌ اجتماعيٌ وأمني من طراز رفيع.. يسكن أعماقه أملٌ مشرق بغدٍ منير لبلاده وأمته، ويدرك جيداً أنه ليس بالأمن وحده يكون الأمان.
وكم أعجبتني ورقة العمل التي قدمها للمؤتمر، كما نالت إعجاب الجميع وتقديرهم. وسبب إعجابي لم يكن مصدره أنه بدأ ورقته بتساؤلات سبعة، وقد بدأت بتساؤلاتي من قبل كمدخل لكتاب عن الزكاة.. ولكن الصدفة الجميلة في الموضوع، أنني وعلى غير ترتيب مسبق قد طرحت إجاباتٍ مسبقةٍ على كل ما طرح معاليه من تساؤلات.
وقد استأذنته في التوفيق بين تساؤلاته وإجاباتي، علَّ هذا يشكل صورةً جديدة من التكامل العربي الذي ننشده جميعاً.. وقد أذن لي جزاه الله خيراً.
ودعوني أطرح في البداية تساؤلات معالي الفريق دفعة واحدة.. ثم أزاوج بينها وبين إجاباتٍ لي طرحتها في أشكال مختلفة وفي مناسبات مختلفة.
ولقد جاءت التساؤلات على الترتيب التالي:-
- هل الأمن يمكن تحقيقه بعصا القانون أم برغيف العيش أم بكليهما؟
- هل البطالة المتفشية في كثير من بلدان الوطن العربي تخلق أمناً؟
- هل الفساد المالي والإداري في الوطن العربي يخلق أمناً؟
- هل التناحر القبلي والحزبي والطائفي يخلق أمناً؟
- هل الاتكالية واللامسؤولية والاعتماد على الطرف الآخر يخلق أمناً؟
- هل التعليم يخلق أمناً؟
- هل الإدارة الحكومية الفاشلة تخلق أمناً؟
والحقيقة أن مجرد التأمل في هذه التساؤلات بعين الراغب في تحقيق الأمن الفعلي مواطناً كان أو مسؤولاً، شيء في الواقع يسهم في تحقيق الأمن بمختلف أنواعه.
وبالعودة للتساؤل الأول:
- هل الأمن يمكن تحقيقه بعصا القانون أم برغيف العيش أم بكليهما؟
علينا للإجابة على هذا التساؤل أن نعرف من هم الخارجون على القانون والذين لا بد من استخدام عصاهُ معهم لتحقيق الأمن؟ ثم ما هو المراد برمزية الرغيف؟..
لا شك أن المقصود بهذه الرمزية هو العيش الكريم الذي يوفر للإنسانِ قُـوت يومه هو وعياله. فنادراً، بل من المستحيل أن تخلو سفرة من نوع من أنواع العيش سواء كان معجوناً بالزبدة.. أو مخلوطاً بالرَّدة..
أما من يخرج عن القانون فهم في معظمهم من الفاقدين لهذا الرغيف.. والخروج على القانون هنا لا يعني الخروج بالسلاح، أسود أو أبيض، ولكنه خروج يمثل الرفض والاحتجاج.
والتاريخ يعرف ثوراتٍ كاملةً أُطلق عليها “ثورة الجياع”. والجوع هنا رمزيٌ أيضاً إذا ما علمنا أن الجوع هو الحرمان من الشيء والتعطش لنيله.. والحرمان بمقتضاه ومفهومه الواسع يفيد الظلم.. والظلم في العادة أو الإحساس به هو ما يدفع في حالات كثيرة للخروج عن القانون.
ونذكر أن الخليفة الفاروق رضي الله عنه، قد أوقف في عام الرمادة.. يوم توقف المطر وماتت الزروع وجفت الضروع، أوقف إقامة حد السرقة لأن من كان يسرق رغيفاً كان يسرقه ليحفظ به حياته وحياة عياله، يومها لم يكن من الحق إقامة الحدِّ عليه. ولقد أشرت في كثير من محاضراتي و كتاباتي إلى نظرية الاستخلاف.. حتى بدأت بها في التعريف والتمهيد بشركة المصفق.
والمصفق هو منصَّةٌ تجمع كافة الأطراف المهتمة والفاعلة والمشاركة في الإنماء والتشغيل، إنماءً للبلاد وتشغيلاً للعباد. اعتماداً على مبدأ أن المال مال الله والبشر مستخلفون فيه، ومقتضى الاستخلاف هو عمارة الأرض: {هُوَ أَنشَأَكُم منَ الأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا} سورة هود الأية 61، كما أن السبب الحقيقي للتفضيل في الرزق هو دور الأغنياء في إيجاد فرص عمل للناس. {نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُم مَّعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُم بَعْضًا سُخْرِيًّا} سورة الزخرف الآية (32). وعليه فإن رسالة أصحاب الأعمال هي تأمين رغيف الخبز بكل مدلولاته ورمزياته، وفي ذلك اهتمام بقضايا الأمة، والتصدي لها وفق مقتضى الاستخلاف والإعمار.
وهذا هو القانون الإلهي الذي لو اتبعناه وطبقناه لما خرج أحد عليه ولما احتاج الأمن إلى عصاه.. ولتوفر العيش للجميع، وحوصرت البطالة المتفشية في كثير من بلدان الوطن العربي.
ولكان في هذا إجابة للتساؤل الثاني:
- هل البطالة المتفشية في كثير من بلدان الوطن العربي تخلق أمناً؟!
العرب بين أمل الوحدة وواقع التقسيم (1)
العرب بين أمل الوحدة وواقع التقسيم (2)
العرب بين أمل الوحدة وواقع التقسيم (3)
العرب بين أمل الوحدة وواقع التقسيم (4)