النساء بين رجال العصر والأدغال
تسهم المرأة بدور ريادي في بناء المجتمع الإنساني جنبا إلى جنب مع الرجل، حينما يتحضر ويكون قادرا على تفهم أهمية الطاقات
تسهم المرأة بدور ريادي في بناء المجتمع الإنساني جنبا إلى جنب مع الرجل، حينما يتحضر ويكون قادرا على تفهم أهمية الطاقات
الأحد - 08 مارس 2015
Sun - 08 Mar 2015
تسهم المرأة بدور ريادي في بناء المجتمع الإنساني جنبا إلى جنب مع الرجل، حينما يتحضر ويكون قادرا على تفهم أهمية الطاقات الأنثوية في التنمية الحضارية للمجتمع. إلا أنه عبر التاريخ الإنساني مرت الحياة الاجتماعية للمرأة في المجتمعات بالعديد من الأطوار، وعلى اختلاف الحضارات القديمة في جغرافيتها ومكونها الثقافي، إلا أن دراسات الأنثروبولوجيا أشارت إلى أن طبيعة المرأة وظروف الحياة الوحشية في العصور الهمجية التي غبرت قبل التاريخ، كانت الرهان الأساسي في حصر أعمالها في تلك المجتمعات البدائية على توفير الرعاية المنزلية وتقديم الطعام، وفي الحضارات القديمة شكلت الظروف الاجتماعية قيدها الخاص للحد من صلاحيات توسيع مشاركة المرأة في البناء الاجتماعي، فأوقعتها في نظام التبعية للرجل لتقتصر الشراكة الاجتماعية للمرأة بكونها زوجة منزلية في أحسن أحوالها، وكونها زوجة لا يعني تفردها بالزوج! ففي الأنظمة البدائية كان التعداد شائعا، وأشيع معه عرف الزوجة المفضلة على سائر الضرائر، والزوجة المفضلة هي الزوجة الأخيرة لغلاء مهرها ولأن الزوجة الأولى التي “اقتناها” الرجل في بداية حياته كانت على قدر الكسب القليل في مرحلة الشباب. وهو ما يصادف أن الزوجة قليلة الثمن قد لا تكون تلك التي في مخيلة الشاب، ولكنها على قدر الحصيلة التي اجتهد في تجميعها بشكل فردي، هذا كما تشير إليه دراسات الأنثروبولوجي على قبائل الزولو. وعند العرب قبل الإسلام وئدت البنات قبل البلوغ خوفا من العار، ولا تزال هذه اللعنة ضميرا مستترا في المجتمع، يتم التنفيس عنها بأساليب منوعة بين الحين والآخر تروج عبر التقاليد الاجتماعية للسعي من أجل الحد من صلاحيات المرأة بقدر الممكن بعيدا عن البحث في فقه التيسير، أو فقه تشريع العدالة للنساء الموجود في الشريعة لأن ذلك لا يوافق الأهواء والتقليد الاجتماعي.
اليوم لا يختلف الوضع كثيرا للمرأة عنه في المجتمعات المؤرخ عنها في عصور التاريخ، ببساطة لأن أطوار عصر ما قبل التاريخ الغابر شبيهة بالأطوار الحالية في عدد من المجتمعات، وقد يزيل الدهشة القول الواثق بأنه قد تعيش معنا اليوم قبائل ومجتمعات إنسانية بها رجال ونساء أدغال لم تزل في أول مراحل الاجتماع التي سجلها المؤرخون ولم يبد من أحوالها أنها تغيرت مع النهضة الحضارية الأممية!
وبرغم أن الإسلام جاء بصلاحيات تفويض أكثر للمرأة في الاستقلال ككائن مؤهل لبناء المجتمع، إلا أن التقاليد الاجتماعية لا تزال تفرض هيمنة أطوار قبائل الأدغال والغابات. ومع كل هذا التقدم لا يزال المجتمع يحمل لغة النداء لتوكيل مهمة جمع الطعام والأعمال المنزلية للنساء وحصر شراكتها الاجتماعية في وضعها كزوجة منزلية، ولا تزال التقاليد الاجتماعية تفرض كلمتها على شراكة المرأة في بناء المجتمع وتقويمه. يتبادر السؤال في الذهن حول صحة عزل المرأة عن الشراكة الاجتماعية لو استحضر المجتمع ملفا واحدا من الملفات التي لم يحقق فيها الرجل النجاح المثالي في الجانب السياسي أو الجانب الاقتصادي أو الإداري أو الاجتماعي، على سبيل المثال أعطت رئيسة الوزراء البريطانية الراحلة مارجريت ثاتشر بصمة هي الأقوى إلى الآن في تاريخ السياسة البريطانية، وعلى سبيل المثال المحلي أعطى الرجل الذي وضع على سدة صنع القرار في المحاكم القضائية البصمة الأقوى في بلوغ الرشاوى والفساد إلى أقصاه حتى انفجر الفساد بكارثة غرق حي سكني كامل في مدينة جدة قبل أعوام! كما أن تفويض الصلاحيات بثقة لبعض الرجال المتعلمين على أقصى هرم التعليم أدى إلى وقوع التعليم في كوراث لا تتناسب مع الهدر المالي في الميزانيات التي تفوق مخصصات نظيراتها في بعض الدول المتقدمة مثل كوريا وإيرلندا! لم يكن للمرأة دور في الفساد الضخم حتى الآن هل لأنها نزيهة أم لأنها لم توضع في مكان القرار؟!
الأنكى من ذلك أن تلك الصورة في جعل المرأة ثانيا وليس “مع” أدت إلى ظهور جيل نسائي تظهر عليه بوادر طفرة جينية عقلية أدت إلى إعاقة التفكير حول ماهية المرأة لذاتها فتحولت إلى دعم مساند للرجل ضد نظيرتها المرأة التي تسعى وتناضل لكسب حقوقها!
الرؤية المطلقة بعدم صلاحية المرأة في الشراكة الاجتماعية التي يطلقها رجال الأدغال في المجتمع العصري مع كل ما يلمس من حاجة ماسة لوجود دماء أنثوية في سدة صنع القرارات الاجتماعية المهمة بحاجة إلى رجال عصريين من الطراز الرفيع. الرجل العصري هو الحربة الوحيدة التي يمكن أن تصرع رجل الأدغال وتمكن المرأة من العبور نحو طموحها، صراع النساء مع رجال الأدغال على مر التاريخ لم يثخن الجراح في المعارك، لأن المرأة كائن رقيق أنثوي بحاجة للحماية والمساندة لا يجيد القتال، والسؤال: كم رجلا عصريا نحتاج لنمضي؟!