مت واقف

الخميس - 15 مارس 2018

Thu - 15 Mar 2018

قبل حوالي ثلاث سنوات وتحديدا بمدينة دبي وفي أحد أيام شهر فبراير ذي الطقس البديع المائل للبرودة توجهت إلى أحد المطاعم التي تقدم الوجبات السريعة بمنطقة منتجع شاطئ الجميرة، ومصادفة كان بجانب طاولتي رجل وزوجته وقد بدت عليهما آثار العوامل الزمنية والعمرية وطغى على رأسيهما الشيب واحدودب ظهراهما وارتخت أجفانهما، ولا يكادان يتوقفان عن تبادل الأحاديث الممتعة والمستقبلية والطموحات التي ينتظران تحقيقها بكل لهفة بعد مغادرتهما لمدينة دبي وسفرهما لعدة دول ومدن في شرق آسيا والتي كانت في مخطط جدولهما اللاحق وبدت عليهما علامات السعادة والفرح وهما يخططان لباقي اليوم على دليل سياحي يحملانه، ويخططان أيضا لليوم التالي وكيفية قضائه في مدينة الألعاب المائية من الصباح الباكر ومن ثم الاسترخاء ليكملا بعد ذلك يومهما الحافل بمشاهدة أحد الأفلام؛ أشرت بابتسامة لهما وشاركت بحديثي العفوي وأنا كلي غبطة وسرور يعكسان فضولي الزائد لمعرفة السر السحري الذي يخفيانه لديمومة هذه الروح العالية المقبلة على الحياة. ألقيت التحية وبدأت بالتعريف عن نفسي ودراستي ووظيفتي وهواياتي وما يستهويني من الأفلام والروايات والكتب، وبادلني هو وزوجته الحوار حيث أفادني بأنهما يبلغان 80 عاما من العمر ويقطنان بمنطقة قريبة من العاصمة اللندنية، حيث كان يعمل بوظيفة حكومية مع زوجته بمجال التعليم، ولديه حب وشغف شديدان لقراءة التاريخ وجمع الآثار القديمة ولزوجته أيضا هوايتها في تصميم وصنع سلال الفواكه، وأيضا تدريس الأطفال للمرحلة الابتدائية والمراحل المتقدمة، وكانا يخططان منذ أكثر من 30 عاما وقبل بلوغهما سن التقاعد لكيفية رسم خارطة طريق لبداية الحياة السعيدة وهي مرحلة ما بعد التقاعد وما أسمياها لي وأعجبتني كثيرا «بداية متعة العمر»؛ انتهينا من التعارف السريع على بعضنا ومضى كل إلى غايته ومضيت أنا في تفكيري وتساؤلاتي وأقارن ذلك بمن أعرفهم على حد علمي من المقربين ومن هم بمحيط الأسرة والعمل وبصديقي الثمانيني وزوجته. من وجهة نظري السيكولوجية لعلم نفس النمو ينقسم التطور العمري إلى عدة مراحل وكل مرحلة لها طريقة وآلية تتماشى وتتواءم ومن ثم تتأقلم مع المرحلة العمرية والاستعداد النفسي لها وأيضا درجة تقبل شخصية الإنسان ونفسيته وقوى الضغط الثقافي والفكري للتنشئة المجتمعية سواء كانت التنشئة والدية أو أسرية أو من المحيط المجتمعي للدائرة الكبرى للفرد والتي تدفعه لتشكيل شخصيته ونفسيته، فمرحلة الولادة ومن بعدها الطفولة تختلف عن مرحلة البلوغ والمراهقة والشباب وبدء تشكل الشخصية المستقلة فكريا ومعرفيا، وأيضا المرحلة التي تليها وهي «مرحلة الحكمة والرشد» ليكون الفرد فيها أكثر عقلانية في اتخاذ قرارته المحكومة بالخبرة والعلم والمعرفة وأطر التعاليم الدينية السمحة، والتي تبدأ في الـ40 سنة وهي سن استيفاء كمال العقل والفهم وذروة تمام الاستيعاب وهي مرحلة الاستقرار المعرفي للخبرات السابقة التي تعين على تقبل الخبرات اللاحقة واختيار العمل المهني المناسب والعمل الصالح للآخرة، قال تعالى «حتى إذا بلغ أشده وبلغ أربعين سنة قال رب أوزعني أن أشكر نعمتك التي أنعمت علي وعلى والدي وأن أعمل صالحا ترضاه وأصلح لي في ذريتي إني تبت إليك وإني من المسلمين» سورة الأحقاف، وهي مرحلة مفصلية لرسم طريقة العيش للمرحلة اللاحقة وهي ما أسميها «مرحلة القرار والاستقرار» والتي تبدأ في الـ 60 وتتسم بالهدوء النفسي والعاطفي والتأمل في ملكوت الله من خلال الطبيعة والمخلوقات، قال عليه الصلاة والسلام «أعمار أمتي ما بين الستين إلى السبعين وأقلهم من يجوز ذلك» ؛ فسيكولوجية الشخص الشرق أوسطي تختلف عن شخصية وسيكولوجية الأوروبي والغربي من ناحية تقبل المرحلة العمرية الممتعة وبداية قدومها للمقبلين على ترك العمل بحكم بلوغهم السن النظامي. فأرى أن الفرد الشرق أوسطي يسعى جاهدا قبل وصوله لسن التقاعد بكثرة التفكير بتمديد فترة عمله أو إرهاق نفسه بإيجاد عمل إضافي لزيادة دخله أو إشغال محيط أبنائه وأسرته بالمشاكل والتدخلات غير المقبولة أو الانسحاب والانعزال الاجتماعي التام، على النقيض من الشخصية الغربية المقبلة على التقاعد، إذ يبدأ بالتخطيط المسبق لكيفية قضاء أكبر قدر ممكن من المتعة والتنقل والسفر والتأمل وقراءة الكتب وكتابة المذكرات والخبرات وإفادة المجتمع من تجربته السابقة، فأوجه رسالتي إلى المقبلين على السن النظامي لترك العمل إذا أصبحت «مت قاعد» انهض وأسعد نفسك وأنعش قلبك واستمتع بحياتك و«مت واقف».

Yos123Omar@