كوفية جملون والسديري.. اللباس المكي قديما ( 6 - 10 )
السبت - 03 يناير 2015
Sat - 03 Jan 2015
يصف حمزة بوقري خلال الرواية العديد من الملابس التي يرتديها المكيون في تلك الفترة، ويشير إلى ما يحدد الطبقة الاجتماعية أو المهنة التي ينتمي إليها الشخص، حيث نجده يقول عند وصف زملائه في المدرسة «أعمار رفاقنا ذلك العام كانت تتراوح ربما بين 11 و20، ومظاهرهم بين مظاهر ابن الحجار الذي حضر أول يوم وفي يده شوحط ركزه خلف الباب، وبين ابن الأفندي الذي حضر إلى المدرسة وعلى رأسه شيء ما أشبه بالطربوش التركي، أما أحمد الدُهُل فقد لبس شيئا يشبه العقال ولكنه حقيقة حبل أسود استحسن أن يلفه على رأسه، والبقية الباقية تعمم بعضهم وترك البعض الآخر رؤوسهم مكشوفة، وأتذكر الآن ذلك الخليط المتنافر من الملابس والأعمار والسمات والمستوى الأسري والاجتماعي».
وعن زوج والدة بطل الراوية «لم يكن طالبا وليس بلابس جبة بل كان جزارا، ولابسا ثوبا وحزاما، فالجبة والعمامة هي لباس العلماء وطلاب العلم، أما طبقة أصحاب المهن فلباسهم في الغالب الثوب والحزام الذي يشد فوق الثوب. والذي يكون بلون داكن حتى لا تظهر عليه البقع أو الأوساخ، كما أنه من سمات أهل المهن والحرف اليدوية ويشد به الوسط مانعا ترهل البطن، ويستخدم كمحفظة للنقود أو الأختام».
ويشير في مكان آخر إلى أن أهل الميت يضعون الجبة وهي نوع من الملابس على رؤوسهم، ولا يلبسونها وهم يتبعون الجنازة كدلالة على أنهم من أقرباء الميت. وهي من أنواع الملابس الرجالية المكية، رداء يشبه المعطف يكون بطول الجسم ويلبس فوق الثياب، وتعد من ملابس العلماء وطلبة العلم. وتكون في الصيف من الأقمشة الخفيفة، وفي الشتاء من الجوخ أو من قماش صوفي سميك يسمى أنقوري، وكما يبدو فإنه منسوب إلى مدينة أنقرة التركية، من ألوان مختلفة كالوردي والأحمر والأزرق والبصلي والبني والأسود.
ومن أساسيات اللباس الرجالي قديما الطاقية المنشاة، وإن كانت تسمى في اللهجة العامية الكوفية البلدي أو كوفية جملون، نسبة للشكل الجملوني التي تكون عليه، وتصنع من قماش سميك وبعد غسلها توضع في محلول النشا الطبيعي ثم تكوى، وبذلك تظل منتصبة، وتلبس وحدها أو تلف عليها العمامة.
كما أشار بوقري إلى العمامة في أكثر من موضع، والتي اعتبرت اللباس المشترك بين معظم أفراد وطبقات المجتمع، وإن كان لكل فئة طريقة في لبسها أو في لونها، كما أن بعض طرق لف العمائم على الرأس تختلف على حسب نوع المناسبة التي تلبس فيها.
ولأهمية العمامة عند الرجال نجده يورد المثل القائل «قطع الرؤوس ولا هد العمائم» ويعلل ذلك بقوله «لأن هدمها تعرية لصاحبها من هالة تحيط به»، كما يشير ضمن نفس السياق إلى التعبير العامي الذي يقال فيه «إن فلانا كشف رأسه» أي أسقط كل اعتبارات المجاملة أو التحفظ. ولعل في ذلك دلالة كبيرة على أهمية تغطية الرأس في المجتمع المكي للرجال، وأهمية العمامة في ذلك، بل تشير بعض المصادر التاريخية أن من ضمن العقوبات التي كانت سائدة في مكة المكرمة في بعض الفترات إجبار الرجل على الخروج مكشوف الرأس، خصوصا إذا كان من ذوي الوجاهة.
وقد وصف بوقري لباس معلمي المدرسة التي انتسب إليها ومنها الصديري ويلفظ في العامية المكية سديري، وهو قميص بدون أكمام، يلبسه الرجال والنساء ولكل منهم طريقة في تحليته وتطريزه. إضافة إلى الكَمَر وهو حزام غليظ، يصنع محليا عند الخرازين، ربما يتجاوز عرضه الخمسة عشر سم أو أقل، ويستخدم مع إحرام الحج خاصة، وإن كان بعض أصحاب المهن يلبسونه لوجود جيوب حفظ النقود أو الأشياء الصغيرة بداخله، كما أنه يساعد على شد الظهر لسماكته، خاصة لدى أصحاب الأعمال التي تستوجب الحركة كالبنائين أو النجارين والحدادين وغيرهم.
ومن القطع التي كان يستخدمها الرجال خصوصا وذكرت في الرواية، وإن كانت لا تعد من الملابس الحُسكُل، وهو كيس من الجلد، يصنعه محليا سكان البوادي القريبة من مكة، ويستخدم لدى الرجال تعليقا على الكتف وتوضع فيه النقود أو الأشياء الخاصة والثمينة خلال التنقل، كما يستخدمه أصحاب الحرف والمهن التي تتطلب الحركة المستمرة، كالمُخرجين أو أصحاب الجمال أو الدلالين، ويستخدمه الحجاج من أهالي مكة عند ذهابهم لمنى وعرفات.