ذاكرة السمكة
يقال إن الفيل نظرًا لعمره الطويل، يعتبر من أقوى الحيوانات على مستوى الذاكرة، فهو في حالات المجاعات والعطش يستطيع أن يعود ويتتبع طريقًا سلكه وسط أدغال الغابات منذ سنوات طويلة، للوصول إلى مورد مياه يتذكره. بينما تعتبر السمكة من أضعف الحيوانات في مسألة الذاكرة، فتغدر بها السنارة وتجرحها، وما إن تفلت منها، حتى تعود بعد لحظات لتعاود المحاولة مرة أخرى، بل ومرات بنية التقاط ما علق بها من طعم، متناسية ما يحدث في كل مرة من جروح ومعاناة وألم.
يقال إن الفيل نظرًا لعمره الطويل، يعتبر من أقوى الحيوانات على مستوى الذاكرة، فهو في حالات المجاعات والعطش يستطيع أن يعود ويتتبع طريقًا سلكه وسط أدغال الغابات منذ سنوات طويلة، للوصول إلى مورد مياه يتذكره. بينما تعتبر السمكة من أضعف الحيوانات في مسألة الذاكرة، فتغدر بها السنارة وتجرحها، وما إن تفلت منها، حتى تعود بعد لحظات لتعاود المحاولة مرة أخرى، بل ومرات بنية التقاط ما علق بها من طعم، متناسية ما يحدث في كل مرة من جروح ومعاناة وألم.
الثلاثاء - 25 نوفمبر 2014
Tue - 25 Nov 2014
يقال إن الفيل نظرًا لعمره الطويل، يعتبر من أقوى الحيوانات على مستوى الذاكرة، فهو في حالات المجاعات والعطش يستطيع أن يعود ويتتبع طريقًا سلكه وسط أدغال الغابات منذ سنوات طويلة، للوصول إلى مورد مياه يتذكره. بينما تعتبر السمكة من أضعف الحيوانات في مسألة الذاكرة، فتغدر بها السنارة وتجرحها، وما إن تفلت منها، حتى تعود بعد لحظات لتعاود المحاولة مرة أخرى، بل ومرات بنية التقاط ما علق بها من طعم، متناسية ما يحدث في كل مرة من جروح ومعاناة وألم.
وهذه المفارقة الواضحة جعلت البعض يعتبر ذلك مقياسًا بشريًا لمستوى الذاكرة، فيقال عمن يستحضر الذكريات القديمة والجديدة، والذي لا ينسى حقده وثأره بأنه كالفيل في ذاكرته؛ وبالمقابل فبعض الناس ينسون في أول ليلهم ماذا كان غداؤهم، فيُنعتون بأن ذاكرتهم ذاكرة سمكة لا تقف عند التفاصيل، ولا تفرق بين الشر والخير.
وفي اعتقادي أن هذا التصنيف أيضًا قد ينطبق على الدول والحكومات، والتي يمتلك بعضها ذاكرة الفيل، التي لا تنسى، ولا تغفر، ولا تعيد رسم سياساتها حسب الوقت ومتغيرات الواقع والحدث، بل إنها تظل تعيش في الماضي، وتستعيد أحداثه، وتؤكد على شروره وعداواته، والتي لا تتوقف ولا تدخل مراحل هدنة وتصالح عقلاني. عدو الأمس البعيد عندها، هو نفسه عدو اليوم مهما تبدلت الظروف، ومهما أبدى من حسن النية، ومهما ترقت العلاقات بين الدولتين؛ فما في الأنفس من الحقد يظل كامنًا يحرك نظرات الأعين المستريبة، والشك ونظرية المؤامرة ينموان ويتجددان مع مرور الزمن.
وفي أنحاء أخرى نجد بعض الدول سمكية الذاكرة، تقع في الإخفاقات مرات متعددة، وتواجه المشاكل مع الدولة الجارة مئات المرات، دون أن يكون لديها قدرة على التوقف، ومراجعة الماضي والحاضر، ووضع الحلول الناجعة لبدء علاقات سياسية واضحة بين الطرفين، فكأنها تعشق البدء من الصفر، والتقاط ما بالسنارة، بنية طيبة، أو قل شديدة الغباء.
وانظر للخيل الحر، ذلك الذكي وسطي الذاكرة، فهو يعيش يومه بعزته، وبحيطته، يتذكر الماضي بعينه اللماحة، ولكنه لا يُخوّن ولا يحقد، ويحاول بكل جهده، وبأقل الخسائر تجنب مناطق الخطر، وعدم تكرار الأخطاء الغبية، والانسجام مع الحاضر والمستقبل بخطوات شموخ ينطلق بها للأمام والأعلى.
والحقيقة أن ما يدفعني لهذا التنظير هو مدى رسوخ الذاكرة الجمعية في عقليتي دولتي الفرس والعرب، قديمها وحديثها، من تاريخ جوار مرير، وصراع معنوي قديم يشبه تاريخ قطيع أفيال أعياها العطش والجوع؛ أفيال تحمل من الذكريات الكثير، ومن الحقد أكثر، مما يزيد من حيرة أيامهم الحالية، ويجعلهما في حال تخبط وشحن وتخلف.
أنا لا أطالب الطرفين بأن يصبحا سمكتي ساردين كثيرتي النسيان، فيأتي من يصطادهما، ولكني أتمنى أن ينسيا بعض الحقد الفيلي، وأن يتوسطا تعقلًا، من أجل مستقبل الأجيال القادمة، ومصير المنطقة الملتهبة.