الحث على العمل والكسب
العمل هو المصدر الطبيعي والوسيلة الأساسية للكسب، ولهذا دعا الإسلام إلى العمل المثمر الصالح واختصه بالتمجيد ورفعه إلى مرتبة العبادة والجهاد في سبيل الله، وليس للعمل ومجالاته حدود في الإسلام، فكل عمل يبلغ بالإنسان غاية فيها نفع له دون إضرار بالغير فهو مقبول، إنما المنهي عنه هو التبطل لقوله (صلى الله عليه وسلم): “لأن يأخذ أحدكم حبله ثم يغدو إلى الجبل فيحتطب فيبيع ويأكل ويتصدق خير له من أن يسأل الناس”. (رواه الإمام أحمد في مسنده 1060).
العمل هو المصدر الطبيعي والوسيلة الأساسية للكسب، ولهذا دعا الإسلام إلى العمل المثمر الصالح واختصه بالتمجيد ورفعه إلى مرتبة العبادة والجهاد في سبيل الله، وليس للعمل ومجالاته حدود في الإسلام، فكل عمل يبلغ بالإنسان غاية فيها نفع له دون إضرار بالغير فهو مقبول، إنما المنهي عنه هو التبطل لقوله (صلى الله عليه وسلم): “لأن يأخذ أحدكم حبله ثم يغدو إلى الجبل فيحتطب فيبيع ويأكل ويتصدق خير له من أن يسأل الناس”. (رواه الإمام أحمد في مسنده 1060).
الأحد - 25 مايو 2014
Sun - 25 May 2014
العمل هو المصدر الطبيعي والوسيلة الأساسية للكسب، ولهذا دعا الإسلام إلى العمل المثمر الصالح واختصه بالتمجيد ورفعه إلى مرتبة العبادة والجهاد في سبيل الله، وليس للعمل ومجالاته حدود في الإسلام، فكل عمل يبلغ بالإنسان غاية فيها نفع له دون إضرار بالغير فهو مقبول، إنما المنهي عنه هو التبطل لقوله (صلى الله عليه وسلم): “لأن يأخذ أحدكم حبله ثم يغدو إلى الجبل فيحتطب فيبيع ويأكل ويتصدق خير له من أن يسأل الناس”. (رواه الإمام أحمد في مسنده 1060).
واعتبر الإسلام أن القيام بالأعمال في مختلف قطاعات الإنتاج فرض كفاية، تأثم الأمة إن لم تقم به، وبهذا المفهوم وبلا شك فإن عنصر العمل في الإسلام والتعاليم والآيات والأحاديث التي تحكمه والقواعد التي تنظمه تجعله واحدا من المجالات الأساسية لإحداث التنمية الاقتصادية.
ثم استمعوا إلى قول الله تعالى: “وهو الذي جعل لكم الأرض ذلولاً فامشوا في مناكبها وكلوا من رزقه وإليه النشور”. (سورة الملك –الآية 15).
ثم انظروا إلى مشهد من أعظم المشاهد لرسول الله (صلى الله عليه وسلم) يمر على رجل قد ورمت يداه من العمل فقال “هذه يد يحبها الله ورسوله”.
ولقد كرم الإسلام العمل وشرفه وأعلى من قيمته حتى لا تضيع أية قوى إنتاجية وتتبدد دون استغلال، وحتى لا يبقى أحد قادر على العطاء في أي ميادين النشاط الاقتصادي عاطلاً عن أداء دوره.
ورغم أن الحديث يدور عن الإسلام والأعمال إلا أنه تجدر الإشارة إلى أن ما ورد في الإسلام بشأن العمل ومزاولة النشاط الاقتصادي بمختلف أنواعه ورد في المسيحية الصحيحة وفي اليهودية الصحيحة، كما أن كل آية أو حديث أذكرهما ورد ما يقابلهما في الديانتين السماويتين اللتين نؤمن بهما وبرسلهما ونجلهما ونعظمهما بصورتهما الأصلية التي شرعها الله.
الإ أنه كما حرف أولئك وبعدوا عن صحيح المنهج نسينا – نحن المسلمين- وفرطنا وبعدنا عن ينابيع ديننا التي تأمر بإعمار الأرض واستغلال ما فيها وتسمو بالنشاط الاقتصادي المنتج المحاط بسياج الفضيلة والأخلاق ونبل الغاية والمقصد لتجعله تعبدا لله يثاب عليه الفرد.
وليس أدل على تعظيم الديانات السماوية للعمل بإشارة قيمة إنسانية عظيمة من أن الأنبياء الذين بلغوا رسالات ربهم ساهموا في مختلف فروع النشاط الاقتصادي، فعمل محمد (صلى الله عليه وسلم) راعيا للأغنام وتاجرا، وكان سيدنا داوود حدادا ماهرا، وعمل إبراهيم عليه السلام بزازا، ونوح عليه السلام كان نجاراً، أما أبو البشرية سيدنا آدم، عليه السلام، فقد زرع الحنطة وسقاها وحصدها.
وأود التنبيه إلى أن المقصود بالعمل هنا النشاط الاقتصادي في مجالات الأعمال والصيرفة والتجارة والصناعة، أي بمفهوم ما يسمى بالـ Business ولا نتحدث عن العامل بمفهوم الـ Labour وسنتناوله وفقاً للترتيب الآتي:-
-أولا: مناقشة المفهوم السلبي عن نظرة الإسلام إلى العمل.
-ثانيا: حث الإسلام على العمل.
-ثالثا: أهمية إتقان وتنويع العمل.
-رابعا: اختيار المجالات المفيدة وتجنب الأعمال الضارة.
أولاً: مناقشة المفهوم السلبي عن نظرة الإسلام إلى العمل:
درج الكثير من الكتاب في العالم العربي والعالم الإسلامي على السواء على اعتبار أن العامل الديني بصفة عامة والإسلامي بصفة خاصة من العوامل التي لا تشجع على مزاولة الأعمال الاقتصادية، وذلك لأن القيم السائدة في المجتمعات الإسلامية والمستمدة من تعاليم الإسلام
تدعو إلى الزهد والتوكل وإلى الاستسلام للقدر، باعتبار أن رزق الإنسان أمر مكتوب ومحتوم، كما أن تلك القيم تعلي شأن العازفين عن التمتع بمباهج الحياة وتضع صوراً أسطورية مقدسة لحفنة من الزهاد والمنزوين عن التفاعل مع واقع الحياة الاقتصادية، ويستشهدون في ذلك ببعض الآيات والأحاديث التي فصلوها عن الإطار الشامل لتوجهات الإسلام، وقد أخطؤوا في الاستشهاد.
إن المتتبع لمصادر التشريعات الإسلامية ولسيرة روادها الأوائل يدرك جيداً أن هذا الانطباع عن مفهوم الإسلام للأعمال لا يستقيم، إذ إن القرآن اعتبر أن المال زينة الحياة الدنيا، وتؤكد السنة المطهرة أن نعم العون على تقوى الله هو المال. ويقول، صلى الله عليه وسلم، “نعم المال الصالح” كما تعوذ، عليه السلام، من الفقر وقرنه بالكفر واعتبره كارثة يتعين مكافحتها والقضاء عليها ببذل المزيد من الجهد والتنظيم. ولقد استنكر، سبحانه وتعالى، اتجاه البعض إلى تحريم الطيبات بقوله تعالى: “قل من حرم زينة الله التي أخرجها لعباده والطيبات من الرزق قل هي للذين آمنوا في الحياة الدنيا خالصة يوم القيامة”. (سورة الأعراف – الآية 32).
إن الآثار التي تمدح الزهد لا تعني مدح الفقر، إذ إن الإنسان الزاهد ليس هو ذلك الشخص قليل الهمة العاجز عن تحصيل المال، والزهد ليس هو زهد الضعفاء الذين لا يملكون شيئا يزهدون عنه، إنما الزهد هو زهد العامل النشط الذي يملك المال فلا يستولي على عقله، ويمتلك النعم فلا تستعبده. يقول أبوبكر، رضي الله عنه، “اللهم ارزقني المال الوفير، أي بالعمل، وزهدني فيه”. (الرياض النضرة في مناقب العشرة).
كما أن الإيمان بالقضاء والقدر والتوكل على الله ليس دعوة إلى السلبية والتواكل، فالتكفل من الله للمخلوقات بالرزق يستتبعه منهم الحركة في الأرض والدب عليها والسعي فيها مع العزيمة والتصميم، ويزودهم إيمانهم بالقضاء والقدر بالقدرة على مواجهة المشاق والصعاب وبروح الصبر والمرابطة. بهذا الفهم الواضح سعى في الأرض عثمان بن عفان وعبدالرحمن بن عوف والزبير وحكيم بن حزام، وبه قال ثاني الخلفاء الراشدين عمر بن الخطاب، رضي الله عنه، “لا يقعد أحدكم عن طلب الرزق ويقول اللهم ارزقني وقد علم أن السماء لا تمطر ذهبا ولا فضة”. (من صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي انتشرت الدعوة الاسلامية في أول عهدها على أيديهم).
ثانياً: الحث على العمل: حث الإسلام على العمل:
استخلف الله تعالى الإنسان على الأرض وكلفه بعمارتها بعد أن زوده بمقتضيات الخلافة وبمتطلبات الإعمار، ويأتي في مقدمتها القدرة على العمل ذهنيا ويدويا، ثم طلب منا العمل بمختلف أشكاله وأنواعه “وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون”. (سورة التوبة – الآية 105).
وهكذا احتل العمل مكانة سامية في الإسلام، حيث اعتبر المصدر الأساسي للكسب والرزق وعد في أنشطة بعينها الموجب الأساسي لاستحقاق الملكية على موارد الثروة، حيث جاء في السنة “من أحيا أرضا ميتا فهي له وليس لمحتجر حق بعد ثلاث سنين”. (رواه الإمام أحمد (338/3) (381)-والترمذي (1378-1379).
وطبق الخليفة الثاني عمر بن الخطاب، رضي الله عنه، هذا التوجيه حينما قال لبلال، رضي الله عنه، “إن رسول الله، صلى الله عليه وسلم، لم يقطعك لتحجر عن الناس، إنما أقطعك لتعمل، فخذ ما قدرت على عمارته ورد الباقي”.
وبالرغم من أن إرادة العمل فطرية عند الإنسان لمواجهة متطلباته المختلفة، إلا أن الإسلام يشحذ هذه الإرادة ويعبئها ويدفعها لتعطي كل ما عندها، وذلك عندما اعتبر أن العمل عبادة يثاب عليها الإنسان يوم الحساب.
واختصه رسول الله (صلى الله عليه وسلم ) بالتمجيد والتعظيم حينما قال “من أمسى كالا من عمل يده أمسى مغفورا له” (رواه الطبراني في الأوسط (7520).
وعندما ذكر له رجل كثير العبادة سأل (صلى الله عليه وسلم) “من يقوم به” أي من يعوله، قالوا أخوه، فقال “أخوه أعبد منه”.
وهذا هو المفهوم الحي للعبادة والعابد النموذجي الذي يسعى بين الناس يلتمس المصلحة الاقتصادية في حلال، كما جاء في السنة من طلب الدنيا حلالاً وتعففا عن المسألة وسعياً على عياله وتعطفا على جاره لقي الله ووجهه كالقمر ليلة البدر.
ولقد أدرك المسلمون الأوائل الذين تربوا على القرآن والسنة هذه الحقيقة، فقال ابن عمر، رضي الله عنهما: “ما من حالة يأتيني عليها الموت، بعد الجهاد في سبيل الله، أحب إلي من أن يأتيني الموت وأنا ألتمس من فضل الله، أي أعمل في نشاط اقتصادي”. (الطبقات لابن سعد).
ويسعى الإسلام لأن يحتل العمل قيمة اجتماعية كبيرة ويكون من أساسيات معايير التفاضل بين الناس.
يقول عمر، رضي الله عنه، “ إني لأري الرجل فيعجبني فأسأل: أله حرفة؟ فإذا قالوا لا سقط من عيني” (الطبقات لابن سعد).
وعلى هذا النحو ذمت تعاليم الإسلام القادرين على العمل الذين يركنون إلى الكسل والتبطل ثم يستجدون الآخرين، فحرم التصدق عليهم.
جاء في السنة “لأن يأخذ أحدكم حبله فيأتي بحزمة من الحطب على ظهره فيكف بها وجهه خير له من أن يسأل الناس أعطوه أو منعوه”. (رواه البخاري (1402).
ووصل حد كراهة الإسلام للتسول أن بعض الصحابة، ومنهم أبو بكر وحكيم بن حزام وعوف بن مالك بايعوا رسولهم (صلى الله عليه وسلم ) على ألا يتسولوا أحدا شيئاً، إذ ليس في التسول إنتاج ولا خدمة تؤدى، وإنما هو تواكل واعتماد على جهد الآخرين، ولأن العمل هو الوسيلة الأساسية لتفادي التسول الذي هو مكروه شرعاً فإن من يعمل ويتفادى هذا الوضع المذل يعد كما ذكرنا متعبدا لله.
يقول (صلى الله عليه وسلم) “من كان سعيه على نفسه ليكفيها عن المسألة ويغنيها عن الناس فهو في سبيل الله، وإن كان يسعى على أبوين ضعيفين أو ذرية ضعفاء ليعينهم ويكفيهم فهو في سبيل الله”.
هذا النموذج الجزئي الفردي فيه دلالة قوية كذلك على أن كل فرد وأمة تجد من أجل النهوض بمستواها الاقتصادي وتزيد إنتاجها لتستكفي به عن غيرها من الأمم هي بمنظار الإسلام أمة متعبدة لله تعالى.
ولقد طبق المسلمون الأوائل هذه القواعد والمبادئ تطبيقا صحيحا، فحققت الدولة الإسلامية أعلى معدل رفاهية مادية، لدرجة أن الولاة كان لهم فائض بعد مقابلة مصارف الزكاة المحددة شرعا فوزع لتحرير الرقيق ولدفع نفقات من يريد الزواج ولإقراض غير المسلمين من رعايا الدولة الإسلامية.
وفي عدد قادم بعون الله نتحدث عن حرص الإسلام على إتقان العمل وتنويع النشاط.