ما لا يدركه المشايخ

ولى عصر الفتوحات، وانتهى عصر الاحتلال، وأفل تاريخ الاستعمار، ودخل العالم مرحلة (الهيمنة) منذ الحرب الباردة بين القطبين، ولم تعد الذراع العسكرية أداة مجدية إلا في حالات نادرة، وبات (التفكيك) سيد الموقف، والأداة الأقوى لبسط نفوذ القطب الأوحد الذي فكك منافسه، وامتلك الخبرة العلمية والعملية التي تؤهله لاستخدامها دون مقاومة

ولى عصر الفتوحات، وانتهى عصر الاحتلال، وأفل تاريخ الاستعمار، ودخل العالم مرحلة (الهيمنة) منذ الحرب الباردة بين القطبين، ولم تعد الذراع العسكرية أداة مجدية إلا في حالات نادرة، وبات (التفكيك) سيد الموقف، والأداة الأقوى لبسط نفوذ القطب الأوحد الذي فكك منافسه، وامتلك الخبرة العلمية والعملية التي تؤهله لاستخدامها دون مقاومة

الجمعة - 31 يناير 2014

Fri - 31 Jan 2014



ولى عصر الفتوحات، وانتهى عصر الاحتلال، وأفل تاريخ الاستعمار، ودخل العالم مرحلة (الهيمنة) منذ الحرب الباردة بين القطبين، ولم تعد الذراع العسكرية أداة مجدية إلا في حالات نادرة، وبات (التفكيك) سيد الموقف، والأداة الأقوى لبسط نفوذ القطب الأوحد الذي فكك منافسه، وامتلك الخبرة العلمية والعملية التي تؤهله لاستخدامها دون مقاومة

ولو تأملنا خارطة العالم اليوم يندر اكتشاف دمج قطرين معا، ولا محو قطر كامل، بقدر ما نجد التقسيم (التفكيك) هو السائد لحل قضايا الفرقاء

القائد العسكري ليس متفردا بالقرار، بل أصبح قراره آخر القرارات المنتظرة في الهيمنة على أي قطرٍ شاء القطب الأوحد امتصاصه، وقد دخل إلى ساحة صناعة القرار علماء الاجتماع والنفس والتاريخ والأديان والجغرافيا والأنثروبولوجيا وغيرها، وتوسعت التخصصات الدقيقة حتى صار لكل شعب متخصص، ولكل جزئية من هوية ذات الشعب متخصص، ويكفي أن نقرأ تخصصات مساعدي وزير الخارجية المحددة بشؤون جغرافيا معينة، أو تخصص معين، لنتبين أن وراء كل مساعد جيشا من المتخصصين الأوفياء في تزويده بدقائق كل هوية

الخطابات العاطفية تبخرت جدواها، ولم يعد تجييش الشعوب وتأجيج عواطفهم دينيا ولا طائفيا ولا قبليا ولا مناطقيا ولا حتى سياسيا مجديا ألبتة، فالتفكيكية بطبعها تبحث عن الصدوع، وهذه الخطابات العقيمة هي المرشد الأمين للتفكيكية، وبعض الدعاة وبعض الساسة وبعض الطامعين في مكاسب سياسية أو اقتصادية يصبحون دون وعيهم أدواتٍ مسرعة للهيمنة على شعوبهم ومقدرات أوطانهم، يحركهم الآخر في مساحات محددة وهم لا يشعرون أنهم يؤدون الدور المطلوب منهم تماما

السودان انقسم بفعل الهوية الدينية، والعراق تتنازعه القسمة بين الهوية العرقية والهوية الطائفية، ومصر تستعد للسير في هذا الطريق، وليبيا تتنازعها القبلية، وسوريا تستعر نار الهوية الطائفية في جسدها المنهك، وحتى الفلسطينيون الذين لا حول لهم ولا قوة يتسابقون إلى محرقة الهيمنة

وفي المقابل هناك من تنبه وحمى نفسه وسد ذرائع الهيمنة وبيض النوايا فأنشؤوا في وقت قياسي (الاتحاد الأوروبي) سدا منيعا في وجه الهيمنة التي تحوم حوله بافتعال الأزمات الاقتصادية واستخدام التقنيات الجاسوسية وشتى أنواع المحاولات

إن تخبطات الخطاب الهووي بصفة عامة، والخطاب الديني والسياسي والثقافي والاجتماعي، وغفلة قادة الرأي، تسارع بنا إلى اللاعبين المحترفين طويلي النفس، اللاعبين الأذكياء الذين لن تتأخر مقصاتهم في تمزيق خرائطنا الجغرافية والديموغرافية عندما يشعرون بأدنى صدع يستدعي الاشتغال عليه

لا يريد المهيمنون احتلال شعب وإخضاعه بالقوة، وليس لديهم استعداد لهذا الأمر الذي سيستدعي الإنفاق والتنمية لبسط النفوذ، مادامت التفكيكية تمنحهم المكاسب من الدويلات الصغيرة التابعة مقابل (الحماية) الموهومة، وهم يحافظون على فيدراليتهم هناك، يمدون اليد الإنسانية البيضاء للإصلاح بين الإخوة المتناحرين، يؤيدون هذا بقرار، ويغذون ذاك بدولار، ويضمنون ولاء المنتصر (الخاسر) ليحيا تابعا، حتى يستطيع الفكر الإنساني بعد أمد استخدام سلاح (التفكيك) كما استطاع بلوغ القنبلة النووية عندما أصبحت (فزاعة فقط) في عصر التفكيكية الرهيب

لنفق من الخَدَر، ولنتنبه أننا جميعا لسنا سوى أحجار في لعبة الشطرنج العملاقة التي يحركها اللاعبون الأذكياء، ولنتمسك بهويتنا الكبرى، ونتعامى عن كل هوية سواها، فهذا وقت اللُّحمة والصف الواحد، حتى لا نكون لقمة سائغة لفخاخ الحرية وحقوق الإنسان، ومكافحة الديكتاتوريات وحقوق الأقليات، والحد من انتشار أسلحة الدمار الشامل، والخداع الفكري الرهيب في مراوغة تعريف (الإرهاب)

حقيقةً، الأمر جلل والبلوى عامة، وجامعة الدول العربية هي الأمل المتبقي (إن أرادت وأراد العرب ذلك)

[email protected]