ملوثات الصرف الصناعي تسمم البيئة البحرية السعودية

 

 

الأحد - 16 نوفمبر 2014

Sun - 16 Nov 2014



تمثل ملوثات الصرف الصناعي واحدة من أخطر العناصر المضرة للبيئة في السعودية، وخاصة البيئة البحرية سواء في البحر الأحمر أو الخليج العربي، حيث تصب العديد من المصانع المخلفات السائلة الناتجة عن نشاطها، كما أن ارتباط بعض الأنشطة بالبحر كمحطات التحلية يعد أحد مصادر تلوث البحر أيضا، كما يمتد أثر هذه المخلفات إلى تلويث المياه الجوفية.

ويضاف إلى ذلك أن كل هذه المخالفات ناتجة عن عدم الالتزام بمعايير المحافظة على البيئة المعلنة، وضعف الرقابة على هذه المخالفات وضبطها وإيقاع العقاب على المخالفين.



البحر يحتضر



أمام ذلك، ذكر الخبير البيئي الدكتور علي عشقي، أن كلاً من البحر الأحمر والخليج العربي يحتضران، على خلفية التصريف المباشر للصرف الصناعي السائل فيهما عبر مصانع كل من الجبيل وينبع وجدة، مبيّناً أن ذلك سببه عدم وجود رقابة فعالة على المصانع في السعودية.

وقال لـ”مكة”: “نفتقد الصرامة في تطبيق الأنظمة والقوانين البيئية التي أقرها مجلس الوزراء منذ 13 عاماً، إذ إن الرئاسة العامة للأرصاد وحماية البيئة بحاجة إلى قوة تمكنها من فعل ذلك”.



رصاص وكروم وكادميوم



وكانت دراسة حديثة أجرتها جامعة الملك عبدالعزيز بجدة- انفردت بنشرها “مكة”- أكدت تلوث مياه البحر الأحمر بعناصر ثقيلة من ضمنها الرصاص والكروم والكادميوم. وأجريت الدراسة على موقعين، الأول شمال جدة ويسمى البحيرات، والثاني جنوبها لتحديد مستويات التلوث بالمعادن الثقيلة، حيث أخذت عينات من المحار والتربة والماء من المنطقة البحرية القريبة من ميناء جدة، وظهر تلوثها بعناصر ثقيلة.

وقد أثبتت نتائج التحاليل الفيزيوكيميائية وجود مؤشرات للتلوث، مثل زيادة محتوى الأوكسجين الحيوي، ودرجة التوصيل الكهربائي في منطقة جنوب جدة، نظرا لاختلاط المياه الملوثة بمياه البحر، إلى جانب قلة التنقية الذاتية الطبيعية التي تسبب تأكسد المواد العضوية المحتوية على المخلفات.

وتوصلت تلك الدراسة إلى أن جنوب جدة يشهد أعلى مستوى لتركيز المعادن الثقيلة على خلفية الملوثات النفطية لمصفاة جدة لتكرير البترول ومخلفات المدينة الصناعية، إذ شددت الدراسة على ضرورة وضع حد لرمي المخلفات الصناعية في البحر باعتبارها أدت إلى انخفاض ملوحة المياه عن المستوى الطبيعي، مع احتمالية انتقال العناصر الثقيلة إلى الكائنات البحرية التي تنقلها بدورها إلى الإنسان.



جدة الأكثر تلوثا



يؤكد أستاذ كيمياء وخصوبة الأراضي بقسم زراعة المناطق الجافة في جامعة الملك عبدالعزيز بجدة الدكتور سمير السليماني، أن محافظة جدة تعد من أكثر مناطق السعودية تلوثاً بالصرف الصناعي.

ويقول لـ”مكة”: اكتشفنا خلال إجرائنا للعديد من الدراسات المتعلقة بالصرف الصناعي، وجود مصانع مخالفة لا تلتزم بتصريف مخلفاتها نظامياً، ما يسبب أضراراً جسيمة للبيئة والإنسان.

ولفت إلى أن محطات تحلية المياه والكهرباء تستخدم في معظم مناطق السعودية الديزل خلال عملياتها، ما عدا محافظة جدة كونها تستغل الزيوت الثقيلة في إنتاج الطاقة، وهو ما ينتج مادة الرماد المتطاير الذي يحوي كميات كبيرة جداً من المعادن الثقيلة ويتم ردمه بمنطقة الشعيبة وبالتالي يلوث المياه الجوفية.

وانتقد عدم استفادة الجهات المعنية من الدراسات والبحوث الجامعية المتعلقة بالصرف الصناعي، وأضاف: “لدينا طلاب في درجة الدكتوراه يعملون أساساً في جهات خدمية ذات علاقة بالبيئة، إلا أنهم لا يجدون من يتبنى بحوثهم”.

وأبان بأن المخلفات الصناعية الصلبة لا تجد مكاناً لها سوى مرادم النفايات، حيث تتخلص منها المصانع في براميل معدنية تصدأ مع مرور الوقت فتخرج منها المخلفات ومع انكشافها للهواء تصدر غازات وانبعاثات سامة.



محطات المعالجة والتدوير



ووصف عشقي محطات معالجة الصرف الصحي بـ”الهيكلية”، لا سيما وأن إمكاناتها موضوعة لمعالجة الصرف الصحي وليس المخلفات الصناعية السائلة، وتابع: معالجة الصرف الصحي مرتبطة بطرق مختلفة تماماً عن الصرف الصحي.

وأفاد بأن معالجة الصرف الصناعي السائل بالشكل الصحيح يجنّب البيئة العديد من المشكلات، خصوصاً وأنه يتيح التخلص من كميات كبيرة من الملوثات الصناعية أو تحويلها إلى صور أخرى أكثر أماناً على البيئة.

وأشار إلى أهمية اتخاذ خطوات جدّية في تقنيات إعادة تدوير النفايات الصناعية الصلبة، مرجعاً سبب عدم الاهتمام بها في الوقت الحالي إلى وجود سيولة مادية تجعل أصحاب المصانع يغفلون عن الهدر في تلك المخلفات الصلبة.

من جهته، دافع مدير وحدة شركة المياه الوطنية بجدة المهندس محمد الزهراني، عن عدم كفاءة محطات معالجة الصرف الصناعي في جدة باعتبارها الأكثر تضرراً، بتأكيده على وجود محطة في الخمرة بالجنوب تبلغ سعتها 50 ألف متر مكعب. وقال لـ”مكة”: “يتم تشغيل تلك المحطة من قبل شركة المياه الوطنية حسب متطلبات ومعايير الرئاسة العامة للأرصاد وحماية البيئة، حيث تعالج يومياً 30 ألف متر مكعب من المياه التي تصب من المكب الصناعي وجزء من المدينة الصناعية”. وأبان بوجود محطة أخرى لمعالجة الصرف الصناعي في المدينة الصناعية بجدة تخضع تشغيلياً للمدينة الصناعية، موضحاً أن سعتها التشغيلية التقريبية تصل إلى 50 ألف متر مكعب.



إفرازات الصناع محفز للسرطان



وفي هذا الشأن، ذكر استشاري أورام الثدي بمدينة الملك عبدالعزيز الطبية للحرس الوطني والأستاذ المساعد بجامعة الملك سعود في الرياض للعلوم الصحية الدكتور متعب الفهيدي، أن منتجات العمليات الصناعية تم تحديدها كمسرطنات كيميائية، لافتاً إلى أن 1% من الإصابة بالسرطان تكون عن طريق الملوثات الكيميائية.

وقال لـ”مكة”: “سرطان الخصية مرتبط ارتباطاً وثيقاً بسواد الدخان المسمى بـ”القار”، إضافة إلى أن التعرض المكثف للإشعاعات المؤينة والانبعاثات الإشعاعية يتسبب في حدوث سرطان الجلد”.

وأوضح أن المسرطن الكيميائي يعتمد على ثلاثة مراحل تتمثل في الاستهلال والإنشاء والتطور، إذ تصاب خلية واحدة بفعل المسرطنات الكيميائية وتتداخل مع الحمض النووي، مشيراً إلى أن الإصابة بالأورام السرطانية تأتي بعد سنوات عديدة من التعرض للمسرطنات.



التربة تئن



ولفت الدكتور الفهيدي، إلى وجود صعوبات في تحديد المسرطنات الكيميائية نتيجة طول المدة بين التعرض إلى المسرطن وتشخيص المرض، حيث تتراوح تلك المدة ما بين 10 و 20 عاماً، إضافة إلى صعوبة تحديد كمية المادة المسرطنة خاصة عند حدوثها في فترات زمنية سابقة.

وأضاف معظم المواد المسرطنة تبقى لأسابيع أو شهور فقط بعد نهاية التعرض لها، فضلاً عن أن الإنسان معرض إلى كمية وافرة من المسرطنات، ما يزيد من صعوبة تحديد مسرطن بعينه”.

واستطرد بالقول: أظهرت دراسات كثيرة أن تناول الفواكه والخضراوات بكميات مناسبة يقلل من حدوث السرطان، ما يحتم على الفرد ضرورة الإكثار منها عوضاً عن الأدوية الوقائية”.

من جانبه يؤكد الأستاذ الدكتور في قسم زراعة المناطق الجافة بجامعة الملك عبدالعزيز في جدة بهجت حموة، أن الصرف الصناعي طال التربة وأحدث فيها أضراراً كبيرة من التلوث، والتي ينتقل أثرها إلى المحاصيل الزراعية، وبات من الصعب جداً اتخاذ الوقاية السليمة لتفادي الإصابة بالسرطان الناجم من المواد الكيميائية.



شرطة بيئية للحد من عبث أصحاب المصانع



تعتزم الرئاسة العامة للأرصاد وحماية البيئة، رفع مقترح إلى المقام السامي بشأن استحداث شرطة بيئية للحد من عبث أصحاب المصانع في أنظمة وقوانين التخلص من الصرف الصناعي السائل والمخلفات الصلبة.

وأوضح مدير فرع الرئاسة العامة للأرصاد وحماية البيئة في منطقة مكة المكرمة، أن هذا المقترح في طور الإعدادات الأولية تمهيدا للرفع به إلى الجهات العليا، مؤكدا أنه سيتم إقراره لتكون تلك الشرطة ذراعا ورافدا للحفاظ على البيئة.

وقال لـ”مكة”: “تم عقد اجتماع قبل أسبوعين مع الهيئة السعودية للحياة الفطرية والأرصاد ووزارات الداخلية والمالية والخدمة المدنية والزراعة لإقرار الشرطة البيئية، وتم التوصل إلى محضر مشترك يفيد بضرورتها في ظل احتياج المفتشين البيئيين إلى شخصية اعتبارية كافية من أجل تغطية كل جوانب البيئة في المملكة”.

وأكد وجود توجه من قبل إمارات المناطق والمحافظات في التشديد على تنفيذ العقوبات بحق الجهات المخالفة للأنظمة البيئية، مضيفا: “لتلك الجهات قوة اعتبارية تساعد مفتشي البيئة في الضبط ضمن لجان مشتركة ما بين الأرصاد والإمارة والأمانات ووزارة البترول والثروة المعدنية”.

وأضاف: “تسعى الرئاسة العامة للأرصاد وحماية البيئة إلى عدم الترخيص لأي منشأة صناعية إلا بعد التأكد من تعاقدها مع شركات متخصصة ومؤهلة في التخلص من الصرف الصناعي بالطرق النظامية”.

وبين وجود لجان مشتركة للمصانع ما بين الأرصاد والدفاع المدني والأمانات ووزارة التجارة والصناعة لتتبع المنشآت الصناعية الموجودة خارج المناطق المخصصة لها، مع إلزام المصانع ذات الخطورة الكبيرة بالخروج من النطاق العمراني وإدخالها في المناطق الصناعية.