السلم الأهلي.. وشبكة التواصل التحريضية
يستقبل عبر جواله الذكي العشرات من المقاطع بين فترة وأخرى، تتداول بين قروبات متنوعة، كل مقطع من دقائق معدودة.. مختار بعناية حول السنة والشيعة، لمتحدث ينتمي لرؤيته الدينية يهاجم فيه آخرين بحماسة شديدة، ويتحدث عن مؤامراتهم، ومقاطع أخرى مختارة من كلام الخصوم وهم يهاجمون مذهبه وشخصياتهم. المئات والآلاف من المقاطع الموبوءة تتجول بين الملايين من العقول بوعيها التقليدي منذ سنوات،
يستقبل عبر جواله الذكي العشرات من المقاطع بين فترة وأخرى، تتداول بين قروبات متنوعة، كل مقطع من دقائق معدودة.. مختار بعناية حول السنة والشيعة، لمتحدث ينتمي لرؤيته الدينية يهاجم فيه آخرين بحماسة شديدة، ويتحدث عن مؤامراتهم، ومقاطع أخرى مختارة من كلام الخصوم وهم يهاجمون مذهبه وشخصياتهم. المئات والآلاف من المقاطع الموبوءة تتجول بين الملايين من العقول بوعيها التقليدي منذ سنوات،
السبت - 08 نوفمبر 2014
Sat - 08 Nov 2014
يستقبل عبر جواله الذكي العشرات من المقاطع بين فترة وأخرى، تتداول بين قروبات متنوعة، كل مقطع من دقائق معدودة.. مختار بعناية حول السنة والشيعة، لمتحدث ينتمي لرؤيته الدينية يهاجم فيه آخرين بحماسة شديدة، ويتحدث عن مؤامراتهم، ومقاطع أخرى مختارة من كلام الخصوم وهم يهاجمون مذهبه وشخصياتهم. المئات والآلاف من المقاطع الموبوءة تتجول بين الملايين من العقول بوعيها التقليدي منذ سنوات، وتقتحم هذه المقاطع ذهنيتهم، وتشحنهم بأفكار ومعارك تاريخية، وسجالات ليسوا من المؤهلين لها. الحقيقة الواقعية أن كثيرا من أفراد المجتمع لا يجلسون الساعات الطوال لمتابعة قنوات التحريض هنا أو هناك، وليست جذابة لهم، ولا ملاحقتها في الإنترنت واليوتيوب، فلا تتابعها إلا نوعية محددة، وقليل من الجمهور من كل فريق. إذا تأملت حولك من الأفراد العاديين ستجد الكثيرين اهتماماتهم بأشياء أخرى، بعيدة عن هذه القضايا. لا يلاحقون هذه الفضائيات الشعبوية الموجهة لصناعة خطابات متوترة ضد الآخر، وهم في الحقيقة لا تعنيهم حتى الفضائيات القوية ذات النفوذ والحضور.
تبدأ المشكلة من خدمات التوصيل التلقائية.. لهذه المقاطع التي يرسلها للأسف الكثيرون بدون وعي وتفكير بخطورتها، وأحيانا من أشخاص يفترض فيهم الإحساس بالمسؤولية الاجتماعية. هذه المقاطع هي الأخطر في التأثير على السلم الأهلي. فهي لا تقدم معرفة أو علما.. وإنما كبسولات لشحن أذهان فارغة. هذه المقاطع المعلبة والمشحونة بخطابات غوغائية تقتحم هدوءهم.. بنغمة “واتس ابية” بدون إذن ولا فائدة، فلا تقدم علما شرعيا مفيدا لأحد، يقال فيها ما يرى أنه صواب في العقائد والمفاهيم الإسلامية بهدوء دون شتائم وتحريض على الآخرين، وإذا تأملت محتواها.. ستجدها مجرد تكثيف متراكم للأحقاد بلا وعي. ومما يساعد على تناقل بعضها بصورة أكثر وأسرع انتشارا أن يكون المقطع متضمنا ما هو مثير للسخرية والضحك.. من أحد الحمقى من أي طرف، لفضح الآخر وجهله.
حادثة الأحساء في الأسبوع الماضي.. مثيرة لقلق من نوع خاص، فهذا النوع من العمليات من أخطر أنواع الإرهاب، فهي قد تبدو عشوائية، لكنها تستهدف بدقة فتح مسار آخر من المواجهة، تصعب السيطرة عليه، حيث تصبح فيه الأهداف المدنية متاحة في أي مكان وأي شارع. في العقدين الأخيرين أصبحت قطع الخرسانة التي تحيط بالكثير من المنشآت والمؤسسات لحمايتها جزءا من تصميم هذه المباني، وأحد علامات المرحلة الماضية. في حماية السلم الأهلي أين ستضع هذه الخرسانة.. هل سيكون لكل مواطن قطع من هذه الخرسانة لحمايته.
ولهذا يبدو رعب الدول والمجتمعات من الحروب الأهلية في تدمير مجتمعاتهم، ومن أهم مقومات الحفاظ على السلم الأهلي رفض كل أشكال التحريض في المجتمع، وعدم صناعة مبررات لها داخلية أو خارجية. وهذا لا يعني عدم وجود اختلافات بالآراء والأفكار.. وليس مطلوبا منك ألا تحافظ على مفاهيمك الدينية التي تراها صوابا، وتدافع عنها وتدعو إليها، فهناك فارق كبير بين الخطاب الفقهي والفكري والدعوة إلى “سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة”، وهذه الأصوات الغوغائية التي تشحن جزءا من أفراد المجتمع ضد بعضه، عبر أدوات سميت بـ”وسائط التواصل الاجتماعي”!