تهمة الخرافة وخرافة التهمة... أيهما خرافة!

هل كل شيء لا يصدق خرافة؟ وهل كل ما يصادم مفاهيمنا العامة أو الخاصة خرافة؟أم حين لا نرضى عن أمر ونرفض فكرة أو ظاهرة نتذرع بالخرافة؟ من أين ينطلق مصطلح الخرافة في منهجنا الديني وفي مذهبنا الفكري؟ ما الذي يستحق أن نسميه خرافة، أو نسميه حقيقة؟وهل الخرافة لا تكون إلا خارج العقل أم إنها قد تأتي باسم العقلانية والتجربة والمادة؟والإجابة على هذه الأسئلة وغيرها مما يدور في هذا المحور من آرائنا وأفكارنا وتصوراتنا؛ حكما وتصديقا وتكذيبا

هل كل شيء لا يصدق خرافة؟ وهل كل ما يصادم مفاهيمنا العامة أو الخاصة خرافة؟أم حين لا نرضى عن أمر ونرفض فكرة أو ظاهرة نتذرع بالخرافة؟ من أين ينطلق مصطلح الخرافة في منهجنا الديني وفي مذهبنا الفكري؟ ما الذي يستحق أن نسميه خرافة، أو نسميه حقيقة؟وهل الخرافة لا تكون إلا خارج العقل أم إنها قد تأتي باسم العقلانية والتجربة والمادة؟والإجابة على هذه الأسئلة وغيرها مما يدور في هذا المحور من آرائنا وأفكارنا وتصوراتنا؛ حكما وتصديقا وتكذيبا

الجمعة - 02 يناير 2015

Fri - 02 Jan 2015

هل كل شيء لا يصدق خرافة؟ وهل كل ما يصادم مفاهيمنا العامة أو الخاصة خرافة؟أم حين لا نرضى عن أمر ونرفض فكرة أو ظاهرة نتذرع بالخرافة؟ من أين ينطلق مصطلح الخرافة في منهجنا الديني وفي مذهبنا الفكري؟ ما الذي يستحق أن نسميه خرافة، أو نسميه حقيقة؟وهل الخرافة لا تكون إلا خارج العقل أم إنها قد تأتي باسم العقلانية والتجربة والمادة؟والإجابة على هذه الأسئلة وغيرها مما يدور في هذا المحور من آرائنا وأفكارنا وتصوراتنا؛ حكما وتصديقا وتكذيبا.
ومن أهم الخطوات في بحث هذه المفردة أن نحرر المصطلح ونوضح حقيقته ومعناه وعلاقته بتصورنا.
مصطلح الخرافة يطلق عادة على القضايا التي لا تصدقها الأفهام أو تشعر أنها مستحيلة أو تبدو عليها مظاهر الخيال، وقد يفاجأ القارئ إذا قلت له: إن هذا المنهج والطريقة في الحكم على الأفكار والتصورات بأنها خرافة، طريقة خاطئة ومنهج فاسد، ذلك لأن ما لا تدركه الأفهام أو لا تصدقه أو لا تتصوره لا يلزم من ذلك أن يكون خرافة، فالأفهام قاصرة عن إدراك كثير من الأمور والحقائق.
لقد كانت فكرة الطائرة مثلا خرافة عند أهل القرن ما قبل الماضي، وكان الهاتف والتلفاز والراديو وأمثالها كذلك.
وعندما ظهر الراديو اعتبره عدد من الوجهاء والعلماء والعقلاء شياطين تتحدث، وحرموا الاستماع إليه، ولم يصدق الناس أن هناك كتلة هائلة من حديد ومواد أخرى تحمل الناس بالمئات وتذهب مسيرة ثلاثة أشهر أو أكثر في ساعات معدودة.
وحصل في بعض المناطق الريفية أن ظنوا السيارات عندما رأوها نوعا من الدواب، وفي إحدى القرى يحدثني صديق أن رجلا من قبيلتهم كان يضع البرسيم والعلف في صندوق السيارة ظنا منه أنها تأكل فيأتي رجل آخر مارا بهذه السيارة فيطعم حماره مما في الصندوق، فيظن صاحب السيارة أنها أكلته ويفعل ذلك في كل يوم! بل قال لي إن عددا من أفراد هذه القبيلة كانوا يختبئون إذا رأوها، فإذا اقتربت هجموا عليها كي تهرب وتخاف، وهؤلاء أشخاص حدثت بأسمائهم كيلا يظن أحد أنها قصة مختلقة، لأن الناس لاسيما الذين أغرقوا في التخلف عن الحضارة لا يستغرب منهم مثل ذلك وإني لأراه أمرا طبيعيا.
وعندما دخل التلفاز مدينة الرياض قبل أربعة عقود تقريبا جاء به شخص أعرفه، فلما ظهرت صورة المذيع تغطت النساء وظنن أنه يراهن، والمواقف في هذه الأمور لا تعد ولا تحصى، فالخرافة بهذا التعريف والحدّ لا تستقيم فما هي الخرافة إذن؟لا أجد شيئا يصح أن نسميه خرافة إلا إذا كان كذبا، فالخرافة هي ما لم تثبت صحته ثبوتا حقيقيا.
فما يسميه أناس خرافة، يسميه غيرهم حقيقة، والفصل في ذلك هو الثبوت والوقوع حقيقة، وإذا لم يقع وهو في دائرة الممكن ثبت أنه لا يكون خرافة حتى نثبت استحالة الوقوع، وفي تحديد الاستحالات إشكالية أيضا، فأهل العقل المجرد يحددون المستحيلات في إطارهم الخاص، في الوقت الذي نرى أهل الروحانيات يدّعون خرق بعض هذه المستحيلات، على سبيل المثال ما يقوله أهل العقل من أن الإنسان يستحيل أن يكون في مكانين في وقت واحد، في الوقت الذي امتلأت كتب أهل الشرق والغرب من أهل الروحانيات عن حدوث ذلك، وفي كتب علم الكلام خلافات طويلة بين أهل العقول حول البديهيات والحسيات والمعقولات، يستطيع أن يرجع إليها من أراد.
إن تعريف الخرافة لا يمكن أن يضبط بهذه السهولة حتى يحصل اليقين بعدم إمكانية الصحة والوقوع.
كنت في حوار مع أحد الأصدقاء الليبراليين حول شخصية المسيح الدجال، هل هي حقيقة أم لا، فتحدثت معه عن دلائل صحة ذلك وإيماني بحدوثه في آخر الزمان، فما كان منه إلا أن صرخ ضاحكا: كيف أتعامل مع هذه العقلية الأسطورية، فقلت: ما الذي يمنع أن يكون حقا وقد صح عندنا كما صح عند النصارى، وصح عند اليهود، الذين يقودون التطور المادي والحضاري الآن، فهل أنا أسطوري حين أؤمن بأحداث تقع في آخر الزمان، وليس أسطوريا ذلك اليهودي الذي يسعى إلى بناء الهيكل انتظارا لملكهم القادم، أو ذلك المسيحي بكل حضارته وتطوره وهو يعمل جاهدا لتمهيد الأرض لنزول المسيح؟إن الملحد الذي لا يؤمن بالله يرى أن دعوى الألوهية خرافة، وفي كتاب الله عز وجل ورد الحديث عنهم فيقول عز وجل: (ولقد صرفنا للناس في هذا القرآن من كل مثل ولئن جئتهم بآية ليقولن الذين كفروا إن أنتم إلا مبطلون، كذلك يطبع الله على قلوب الذين لا يعلمون، فاصبر إن وعد الله حق ولا يستخفنك الذي لا يوقنون).
ويقول عنهم: (وقالوا ما هي إلا حياتنا الدنيا نموت ونحيا وما يهلكنا إلا الدهر)، وقال سبحانه عن المشركين من قوم صالح عليه السلام: (أتنهانا أن نعبد ما يعبد آباؤنا وإننا لفي شك مما تدعونا إليه مريب).
وقال عاد لهود عليه السلام: (قالوا يا هود ما جئتنا ببينة وما نحن بتاركي آلهتنا عن قولك وما نحن لك بمؤمنين، إن نقول إلا اعتراك بعض آلهتنا بسوء).
وقال فرعون وقومه لموسى عليه الصلاة والسلام: (وقالوا مهما تأتنا به من آية لتسحرنا بها فما نحن لك بمؤمنين)، وقال الله عز وجل: (أكان للناس عجبا أن أوحينا إلى رجل منهم أن أنذر الناس وبشر الذين آمنوا أن لهم قدم صدق عند ربهم قال الكافرون إن هذا لساحر مبين)، (وقالوا أساطير الأولين اكتتبها فهي تملى عليه).
وأهل الإلحاد لا يصدقون بيوم البعث ويعدون ذلك خرافة، ورد ذلك في آيات كثيرة من كتاب الله تعالى كقوله سبحانه: (وضرب لنا مثلا ونسي خلقه قال من يحيي العظام وهي رميم).
وقوله عز وجل: (وإذا قيل إن وعد الله حق والساعة لا ريب فيها قلتم ما ندري ما الساعة إن نظن إلا ظنا وما نحن بمستيقنين)، وكل شيء لا يؤمنون به أو لا يصدقونه أو لا يريدون ابتداء الإيمان به هوى واستكبارا، عدوه خرافة وهزئوا به وكذبوه.
والعقلية الأسطورية التي يتهم بها المؤمنون بما جاء به الخبر سواء كان ظنيا أو قطعيا إنما يعزيهم في ذلك أن نفس التهمة وجهت إلى الأنبياء، فالكفار يقولون كما أخبر الله عنهم: (وإذا تتلى عليهم آياتنا قالوا قد سمعنا لو نشاء لقلنا مثل هذا إن هذا إلا أساطير الأولين) فهي تهمة الأسطورية دون وجه حق، وإن خبرا كخبر المسيح بن مريم أو المسيح الدجال لهو خبر تصدق به الديانات الثلاث وكلها كتابية، كما أن في القرآن أخبارا شبيهة بهذا كخبر يأجوج ومأجوج وخبر الدابة والدخان، وهي علامات كبرى لا يشك فيها مسلم يقرأ القرآن.