قبائل اليمن في صراع البقاء والنفوذ

 

 

الاثنين - 03 نوفمبر 2014

Mon - 03 Nov 2014



القبيلة والدولة في اليمن: صراع النفوذ والثورة المقبلة على الحوثي



صادق هزبر - صنعاء



أينما تكون الغنيمة في اليمن تكون القبيلة. وما يحصل اليوم من سيطرة واجتياح للمحافظات من قبل جماعة عبدالملك الحوثي المسلحة ومن يدور في فلكها من النظام السابق الذي يتزعمه الرئيس السابق صالح، هو صراع للوصول إلى السلطة أو محاولة العودة مجددا إليها.

فالقبيلة تعد الركيزة الأساسية في التركيبة الاجتماعية والسياسية في اليمن، وتلعب الانتماءات القبلية والمناطقية والمذهبية أيضا دورا كبيرا في رسم الخارطة السياسية لهذا البلد.

وظلت القبيلة في اليمن متواجدة في جميع مفاصل الدولة المدنية والعسكرية، إذ ظلت السلطة تستقوي بالقبيلة في أوقات الكرب والشدة والمشاكل، حتى أضحت وسيلة لقمع المجتمع وأداة للحرمان.

بل وصل الحال إلى أن عملت الدولة على تمييز قبيلة عن أخرى، مما أفرز صراعات سيئة وحالات ثأر مزمنة.

ورغم هذا المشكل القبلي، إلا أن هناك فرقا بين القبيلة كمكون أساسي من مكونات الشعب اليمني لها دور في عملية البناء، وتوظيف النظام السياسي للقبيلة، للمصلحة السياسية واقتسام الغنائم والمناصب بناء على الثقافة السائدة للقبيلة في اليمن التي تقوم دوما على الغنيمة.



 



خريطة الصراع



ولعل خريطة الصراع الدائر حاليا في اليمن، خصوصا بعد تمدد الحوثيين إلى معظم المحافظات الشمالية مثل الحديدة والبيضاء وإب وسط اليمن، والتي تعد معقل الشافعية، وأحداث العنف والاقتتال بين مليشيات الحوثي المسلحة والجماعات القبلية والدينية في تلك المحافظات، هي رسالة واضحة لإحياء خارطة الصراع التاريخي على السلطة، وتعيد إلى الأذهان تاريخا من الصراع المذهبي والطائفي الجغرافي في اليمن الشمالي قبل ثورة 26 سبتمبر 1962، حين ألب الإمام أحمد القبائل على هذه المحافظات بحجة الفساد بقوله للقبائل “عشاكم البلاد المفسدات”.

واليوم التاريخ يعيد نفسه متدثرا هذه المرة بغطاء الحوثي.

وكشف هذا المشهد الصادم للأجيال، انحسار أداء الدولة اليمنية بل غاب أو غيب دورها بعد سقوط العاصمة بيد ميليشيات الحوثي والجماعات القبلية الموالية لصالح والمساندة له في 21 سبتمبر الماضي، دون مقاومة.

وهذا السيناريو المخيف كشف حقيقة الوضع الذي كان قائما والنظام السابق الذي عمل على توظيف القبيلة سياسيا كغطاء لاستعادة السلطة التي فقدها في 2011 وتكرار سيناريو حرب صيف 1994، في إطار سلسلة من الخطوات التي ترسم من قبائل بعينها تحالفت هذه المرة مع الحوثي وصالح رغبة في الانتقام من الخصوم ووسيلة لتأبط مقدرات الوطن شماله وجنوبه، في استغلال واضح للانتماءات القبلية والمناطقية، ورفضا عمليا لمخرجات الحوار الهادفة لبناء الدولة والخروج من عتبة شبح الاقتتال والعنف.



 



لقاء الحكماء



ويرى المراقبون أن اللقاء القبلي لجماعة الحوثي والمسمى لقاء الحكماء الذي انعقد في صنعاء الجمعة الماضي بناء على دعوة من زعيم الحوثيين عبدالملك الحوثي ورفضته الوجاهات القبلية الكبيرة من الشمال والجنوب، هو تعبير حقيقي عن صراع قبلي يحتدم تحت لافتة الحوثي الذي يسعى بعد سيطرته على البلاد إلى السيطرة على المشيخيات واستنساخ مشايخ للقبائل من الموالين له، وهذا بحد ذاته سيولد مشاكل عديدة داخل القبائل اليمنية الأخرى الرئيسة البالغ عددها 5 قبائل حظيت بتوزيع عادل في خطة الـ 6 أقاليم التي خرج بها مؤتمر الحوار الوطني.



 



خطورة الأوضاع



وخطورة الأوضاع في اليمن جراء الصراع الدائر، سببها أن الخارطة الجغرافية للصراع على السلطة تغيرت بشكل كبير ولم تعد على حالها قبل 50 عاما من عمر ثورة سبتمبر التي أطاحت بنظام الأئمة، وبعد 24عاما من عمر الوحدة اليمنية التي أعطت معادلة أخرى.

وهناك تداخل كبير لحجم المشاكل التي يعاني منها اليمن ابتداء بالوضع الاقتصادي المتدهور، مرورا بأعمال العنف وتواجد تنظيم القاعدة في جزيرة العرب وحركات الحراك الجنوبي، مضافا إليها اليوم حركات احتجاجية جديدة ضد الحوثي مثل الحراك التهامي وحراك إب وتعز والبيضاء وكل أماكن سيطرة الحوثي، وكل هذا سيعمل على إنتاج دورة أخرى من الصراع التاريخي والمذهبي والجغرافي قد تكون الأسوأ على الإطلاق، وقد لا يستطيع أحد التكهن بنهايتها أو الخروج من هذا المأزق بسهولة، هذا إن احتفظ (اليمن السعيد) بوجوده السياسي موحدا.



 



 



200 قبيلة أبرزها 5 تتصارع على السلطة



على الرغم من وجود تقسيمات عديدة للقبائل اليمنية، إلا أنّ هناك 5 مجموعات متعارف عليها، ولكل قبيلة أعرافها وتقاليدها ومسلحوها.

وهذا ما ألقى بظلاله على الواقع السياسي ومفهوم الدولة المعاصرة في اليمن، بل إن بعض المناصب الحكومية يتولاها قبليون حسب ثقلهم العشائري، ويتبع كل من هذه التقسيمات الرئيسة تقسيمات فرعية، بعضها كبيرة والأخرى متوسطة أو صغيرة، وهي تعد بالمئات.

وتقدر الإحصاءات عدد القبائل اليمنية بنحو 200 قبيلة، 168 منها في الشمال، والباقي في الجنوب.

وتسكن غالبيتها المناطق الجبلية، وتعود جميعها في النسب أو الأعراف القبلية إلى واحدة من التقسيمات الخمس الكبرى الرئيسة في اليمن والمتمثلة في التالي:



 



قبيلة حاشد



تمتد أراضي قبيلة حاشد من شمال صنعاء إلى صعدة، وتشمل جبال الأهنوم، ظليمة، لاعة، عذر، العصيمات، خارف، العمشية، وغيرها من المناطق التي تعد ضمن حدود محافظة عمران.

وعلى مدى عصور عديدة، كانت حاشد هي المهيمنة على الحكم، وفي الآونة الأخيرة كان من أبرز مشايخها الراحل الشيخ عبدالله بن حسين الأحمر.

ولهذا لم تجد جماعة الحوثي صعوبة في السيطرة على تلك المحافظات ذات الانتماء التاريخي للمذهب الزيدي، وهي المحافظات الممتدة على الهضبة الداخلية لليمن من صعدة، حتى ذمار مرورا بعمران وصنعاء وبعض المناطق الداخلية لمحافظتي المحويت وحجة ومثلت حاضنة شعبية لهذه الجماعة وتضم هذه المناطق إقليم ازال.



 



قبيلة بكيل



تمتد أراضي قبيلة بكيل على المساحة الممتدة بين شمال صنعاء حتى صعدة، وما بين الجوف شرقا وتهامة غربا، وهي تضم عدة قبائل منها: نهم، أرحب، الحداء، انس، الحيمتين، بني مطر، دهم، برط، ذو محمد، وذو حسين.

وهي منقسمة بين زيود وشوافع، وتعيش قبائلها مع الغلبة، وتضم جزءا من أقلي مازال وسباء.



 



قبيلة مذحج



تعد قبيلة مذحج من أقدم وأعرق القبائل اليمنية العربية، وتسكن المناطق الوسطى في اليمن وتضم إب، ويريم، والعدين، وتعز، وجزءا من الحديدة، ومأرب، والجوف، والبيضاء، وريمة، وأبين، والضالع، وجزءا كبيرا من المحافظات الجنوبية التي ينتمي إليها الرئيس اليمني الحالي عبد ربه منصور هادي.

وهي حلف قبلي واسع يضم عددا من القبائل داخل اليمن وخارجه، وأشهرها: مراد، والحدا بنو الريان، بنو عبيده، زُبَيد، والعدين، والرضمة، والسدة، وأريان.

ولهذا كان لتمدد ميليشيات الحوثي في محافظات إب والبيضاء والجوف، ردود فعل مضادة من قبل القبائل وأثار حساسية المحافظات ذات الانتماء التاريخي للمذهب الشافعي.

ووصف بعضهم هذا التمدد بأنه يعيد إلى الناس مشاعر تاريخ من الصراع الماضوي بين أسلافهم وأسلاف الحوثي، وهي المحافظات التي تطوق الهضبة الداخلية للمذهب الزيدي من الغرب والجنوب والشرق مما كان يعرف باليمن الشمالي.

وقبائل هذه المحافظات تنخرط الآن ضمن تحالف لقبائل مذحج التي ترفض توسع ميليشيات الحوثي في مناطقها، والتي أعلن عنها أيضا في مخرجات الحوار الوطني كإقليم واحد تحت اسم إقليم سبأ التاريخي، وإقليم الجند الذي يضم إب وتعز.



 



قبيلة حمير



يتواجد الحميريون في المناطق الجنوبية من اليمن، بدءا من مشارف صنعاء وصولا إلى ذمار وحضرموت وظفار.

ومن أبرز قبائل حمير: قضاعة، وجهينة، وتتوزع بين الأقاليم.



 



قبيلة كندة



تعد قبيلة كندة إحدى القبائل العربية العريقة، وهي من العصر الجاهلي، وإليها ينتسب الشاعر المشهور امرؤ القيس الكندي.

وتنتشر في منطقة حضرموت والهجرة والقطن وشبوة وتنقسم إلى فرعين رئيسين هما: بنو معاوية (معاوية الأكبر)، وبنو أشرس الأكبر.



 



 



التحالفات القبلية دليل ضعف الدولة




  • "القبيلة هي المحور الرئيس في الصراع الدائر في اليمن وتحولت من مراكز النفوذ في النظام السابق إلى مراكز أخرى، أي أن هناك قبائل كانت تميل للإخوان المسلمين وخصوصا قبيلة حاشد، وتحولت إلى دعم الحوثيين.


  • وهذه هي ثقافة القبيلة التي تقوم دوما على الغنيمة، فأينما تكون الغنيمة تكون القبيلة.


  • وما يحصل اليوم من سيطرة واجتياح للمحافظات هو صراع على السلطة وانتظار لدور قادم للقبيلة.


  • فقبيلة حاشد كانت تسيطر على الحكم في عهد الرئيس السابق علي عبدالله صالح وبالمشاركة مع الشيخ عبدالله بن حسين الأحمر واللواء علي محسن الأحمر، وبعد سقوط السلطة في ٢٠١١، سقطت السلطة من يدها فتعددت رؤوسها ولم تعد اليوم في اليمن قبيلة واحدة بل تداخلت القبائل.


  • إذا لم يكن هناك مشروع دولة يستوعب القبيلة ويعمل على مأسستها فإن القبيلة ستظل مصدرا للصراعات والاستقطابات وعائقا للتحولات التنموية والسياسية والديمقراطية.


  • ولا شك في أن التحالفات القبلية القائمة دليل على ضعف الدولة التي لم تستطع حماية القبائل الأخرى أو حماية كيانها العسكري مما حدا ببعض القبائل للعودة لأحلافها السابقة حفاظا على كينونتها مثل قبائل محافظتي الجوف ومأرب التي تنحدر من قبائل بكيل ومذحج، إذ عندما شعرت بخطورة جماعة الحوثي أنجزت وثيقة تحالفاتها القبلية سمتها "عهد وميثاق" ووقعتها قبائل عبيدة والأشراف بمحافظتي مأرب والجوف، وهي تفرض على جميع أبناء القبائل مساندة بعضهم بعضا وأن يكونوا يدا واحدة ضد أي اعتداء أو محاولة بث الفرقة أو فرض الهيمنة داخل أراضي القبيلة، إضافة إلى وجوب التصدي لأي اعتداء على المحافظة من أي جهة، وتجريم مَنْ يُسهّل عمليات دخول الغزاة والمخربين، وهي إشارة إلى جماعة الحوثيين".



الدكتور عادل الشجاع - أستاذ علم الاجتماع بجامعة صنعاء



 



 



صف واحد في وجه الحوثي




  • «التوجه القبلي نابع من حرص القبيلة في مأرب والجوف على تماسكها وعدم الإخلال بالسلم الاجتماعي داخلها أو السماح لجماعة الحوثي باستدراج أبناء القبيلة وبث الفرقة والتعصب المناطقي أو المذهبي، خصوصا أن تحركات جماعة الحوثي المشبوهة هدفها الاقتتال ونشر حالات الثأر القبلي والخصومة بين الأهل والقبائل، ومن هذا المنطلق عقد أيضا بمحافظة مأرب في سبتمبر الماضي اجتماع موسع ضم أبناء محافظتي مأرب والجوف بكل أطيافهم وانتمائهم الحزبي والقبلي وضم عددا من كبار المشايخ للتشاور حول العدوان الحوثي على المحافظتين وتنسيق الجهود، ووقع الحاضرون في الاجتماع الذي عقد في منطقة السحيل بمحافظة مأرب على وثيقة تنص على التعاهد على مقاتلة المتمردين الحوثيين أينما تمركزوا في مأرب أوالجوف، واعتبار العرض والأرض فيما بين أبناء المحافظتين وإقليم سبأ واحدة وأنهم صف واحد في وجه الحوثي وغيره».



مصدر قبلي في الجوف



 



 



 وقود الصراعات




  • “القبيلة جزء من تركيبة المجتمع اليمني وتظهر عندما تضعف سلطة الدولة ويتلاشى تأثيرها بنفوذ الدولة. ونتيجة لممارسة النظام السابق في تغذية الصراعات والثارات القبلية وخلق نزاعات، عاد نفوذ القبيلة. وما يحصل في المناطق الوسطى والبيضاء ورداع، هو عمل منظم وقوده القبائل وتشرف عليه جهات رسمية، والدليل على ذلك توزيع أفراد الأسرة الواحدة بين المتقاتلين من الطرفين وما يحصل هو التنازع العام على السلطة”.



الدكتور مقبل التام الأحمدي



 



 



البقاء للأسوأ




  • “القبيلة في اليمن في الوقت الراهن لم تعد تتحلى بتلك الصفات التي كانت عليها منذ القدم التي مكنتها من السيطرة على مجريات الأمور واحتكم الناس لقوانينها وأعرافها، بل أضحى بعضها شيئا آخر، ويمكن القول إنه لم يبق إلا الصفات السيئة عند بعض وجهاء القبيلة الذين يستخدمون مناصبهم القبلية للابتزاز والاسترزاق وإعاقة كل محاولة للتحديث والتمدن”.



نبيل نعمان كاتب ومحلل سياسي