الرواية جسر نحو الأنا والآخر

إن الرواية في العالم أصبحت اليوم جسرا للتواصل بين الأمم ولم تعد نظاما لغويا منعزلا عن الحياة والتاريخ. من جهود فكتور هيجو

إن الرواية في العالم أصبحت اليوم جسرا للتواصل بين الأمم ولم تعد نظاما لغويا منعزلا عن الحياة والتاريخ. من جهود فكتور هيجو

الأحد - 02 نوفمبر 2014

Sun - 02 Nov 2014



إن الرواية في العالم أصبحت اليوم جسرا للتواصل بين الأمم ولم تعد نظاما لغويا منعزلا عن الحياة والتاريخ. من جهود فكتور هيجو الفرنسي الروائية، عرفنا معضلات الثورة الفرنسية، ومن روايات نيكوس كزنتزاكي وصلتنا الخصوصية الكريتية واليونانية، ومن غابرييل غارسيا ماركيز توغلنا في عمق أمريكا اللاتينية ودكتاتورياتها المتواترة، ومن شعبية نجيب محفوظ، شممنا عطر الحارات الشعبية المصرية، ومن روحية موراكامي رأينا يابان اليوم بكل تاريخها ومآزقها الحضارية... هذا كله

لا يجعل من الرواية في جوهرها سيارة إطفاء، لأنها في صلب الحقيقة الاجتماعية المرة والقاسية تتعامل معها ولا تعيد إنتاجها لأن رهانها فني بالدرجة الأولى. تدرك تفاصيل الحالة التي تتعامل معها، في تنوعها وتعقدها وتدخل في عمقها لتنتج العالم الموازي الشبيه والمنفصل في الوقت نفسه عن المرجع الموضوعي. تنتفض الرواية حيث يصمت الجميع، لأنها مالكة لحرية القول ولجمالية الوسيط بينها وبين القارئ، وتبحث عن الوصلات الممكنة حتى عندما تعجز العين المجردة عن رؤيتها، وعندما تكون الجسور منقطعة، لأن الرواية تدرك سلفا أنها تملك وسيلة القبض على أكثر اللحظات حياة ونبضا، غير معترفة

لا بالحدود ولا الفيزات ولا الجوازات ولا الموانع. تتوغل بلا خوف في صلب التناقض الذي يعيد تشكيلها، وفي معضلات العصر التي تشغلها. من هنا، ففكرة جدوى الحوار مع الآخر من خلال الفن، والرواية تحديدا بصفتها جسرا صلبا وإنسانيا واسعا، ليست فعلا ثانويا لإرضاء الآخر القوي، ولكنها استراتيجية حية يتقاطع فيها الجمالي بالتاريخي. القراءات المختلفة للنصوص العربية تبين إلى أي حد جعلت الرواية العربية ذلك واحدا من أهم انشغالاتها التاريخية والجمالية للتوصل ومحاورة الأنا المنكسرة عربيا، بصراحة قاسية، ومحاورة الآخر باللغة الفنية التي يجيدها ويتقنها. فهي غير محكومة باتفاقات مسبقة مثل تلك التي تحكم الدول وتدخلها في حسابات مختلفة. قد لا تملك الرواية سلطة القرار، ولكنها تملك قوة التبصر والتنبيه قبل فوات الأوان. لن يخيب ظن حاكم ذكي يسمع لنداءات الرواية الخفية كما كان يفعل تشرشل وميتران وغيرهما. الأدب والرواية تحديدا، توفر هذه الحالة من التفاؤل الحي، وتفتح الأبواب والجسور قبل أن تنغلق نهائيا ويعلوها الصدأ الكبير.

[email protected]