المطاف المرصوف وقباب الحرم المكي قديما (2-5)
ينقل ابن جبير من خلال توثيقه وصف لمقام إبراهيم آنذاك، والذي كان محفوظا داخل الكعبة الشريفة حسبما جرت العادة أحيانا، حيث يتم نقله إلى داخل الكعبة خوفا عليه من السرقة أو العبث في مواسم الحج
ينقل ابن جبير من خلال توثيقه وصف لمقام إبراهيم آنذاك، والذي كان محفوظا داخل الكعبة الشريفة حسبما جرت العادة أحيانا، حيث يتم نقله إلى داخل الكعبة خوفا عليه من السرقة أو العبث في مواسم الحج
الأحد - 22 فبراير 2015
Sun - 22 Feb 2015
ينقل ابن جبير من خلال توثيقه وصف لمقام إبراهيم آنذاك، والذي كان محفوظا داخل الكعبة الشريفة حسبما جرت العادة أحيانا، حيث يتم نقله إلى داخل الكعبة خوفا عليه من السرقة أو العبث في مواسم الحج.
ويصف الحفرة أو الحوض التي كانت تقع بين باب الكعبة والركن العراقي، بأنها موضع المقام في فترة وجود الخليل إبراهيم عليه السلام، وكانت في زمانه مصبا لماء غسل البيت، وقد فند الشيخ حسين باسلامة رواية ابن جبير بخصوص هذه الحفرة في كتابه عن الكعبة، وعلق عليها وأورد الروايات التي قيلت فيها.
وعن المطاف كتب واصفا "وموضع المطاف مفروش بحجارة مبسوطة منها سود وسمر وبيض، قد ألصق بعضها إلى بعض، واتسعت عن البيت بمقدار تسع خطا إلا في الجهة التي تقابل المقام، فإنها امتدت إليه حتى أحاطت به، وسائر الحرم – أي بعد المساحة المفروشة بالأحجار – مفروش برمل أبيض".
ويلاحظ أن المطاف المرصوف والذي ذكر في النص السابق، يشير إلى حدوده في صدر الإسلام كما أشار بعض المؤرخين، أما ما أشار إليه بالحصوات فهي المنطقة التي كانت تشغلها مساكن القرشيين ومن جاورهم، قبل أن تتم التوسعات المتتالية للمسجد الحرام.
وقد ظلت منطقة الحصوات الرملية على حالها الذي وصفها به ابن جبير حتى أزيلت في عهد الملك خالد بن عبدالعزيز ـ رحمه الله تعالى ـ.
ثم ينتقل ابن جبير لوصف الحجر، ويستوقفنا هنا بروعة وصفه له بما فيه من نقش وزخارف، وصفا يجعل القارئ يشعر بجمال القطعة الفنية التي يصفها، وهو الخبير بالجمال في البناء بعد أن رآه في أصقاع الأرض، كما أنه ربيب البقاع الأندلسية التي تشتهر بجمال قصورها ودقة زخارفها وبنائها، لذلك ومن المسلم به منطقيا ألا يستوقف مثل ابن جبير إلا لوحة رائعة بفنها، وهذا ما نجده حين يقول عن فرش رخام الحجر "ثم ألصق بانتظام بديع وتأليف معجز الصنعة، غريب الإتقان رائق الترصيع والتجزيع رائع التركيب والرصف، يبصر الناظر فيه من التعاريج والتقاطيع والخواتم والأشكال الشطرنجية وسواها على اختلاف أنواعها وصفاتها ما يقيد بصره حسنا، فكأنه يجيله في أزهار مفروشة مختلفات الألوان إلى محاريب".
.
إلى أن يقول "والرخامتان المتصلتان بجدار الحجر المقابل للميزاب، أحدث الصانع فيهما من التوريق الرقيق والتشجير والتقضيب ما يحدثه الماهر اليدين في الورق قطعا بالمقص ومرآهما عجيب، وأمر بصنعهما على هذه الصفة إمام المشرق أبوالعباس أحمد الناصر بن المستضيء بالله أبي محمد الحسن العباسي"، والحقيقة أن ما ذكره ابن جبير من دقة الصنعة وروعة البناء غير مستغرب، وإن كان يؤكد الحس الفني عند المكيين من قرون عدة.
فقد عرف عدد من الفنانين المكيين ممن امتهنوا النقش والزخرفة، بل لم يكن يخلو مبنى مكي من طراز منقوش بزخرفة أو كتابة، أو روشان محلى بخشب محفور أو مخروط، وقد أسهمت مثل هذه اللوحات والكتابات التي كانت موجودة في الحرم والمباني المحيطة به في الارتقاء بالذوق العام، وتحسس الجمال من العامة قبل الخاصة في المجتمع، كما هو معروف وملاحظ حتى اليوم.
ثم ينتقل بعد ذلك إلى وصف القباب التي كانت موجودة في صحن المطاف، والواقع أن هذه القباب لم تكن قبابا مجردة بل هي مباني اعتلتها قباب فعرفت باسمها، وأولها القبة التي تعتلي بئر زمزم، ثم قبة العباس والتي يقال إنها بنيت مكان جلوس العباس بن عبدالمطلب رضي الله عنه، وأخرى ذكرها ابن جبير وقال أن القبتان تستخدمان لخزن أوقاف الحرم من مصاحف وكتب وشموع وحوامل للشموع، كما أن القبة العباسية تستخدم إضافة لذلك لوضع أواني تبريد المياه المعروفة بالدوارق، وحسب وصف ابن جبير، فإن الدوارق عند زيارته لمكة المكرمة هي ذاتها الدوارق التي كانت معروفة إلى وقت قريب، وتستخدم من قبل الزمازمة لتسبيل ماء زمزم على الحجاج أو الطائفين، وذلك قبل أن تعرف الأساليب الحديثة في تبريد وتوزيع ماء زمزم، كما يشير في موضع آخر من الرحلة إلى أنه يوجد داخل القبة العباسية صندوق أو تابوت وضع به المصحف المنسوب للخليفة عثمان بن عفان رضي الله عنه، المنسوخ سنة ثماني عشرة من الهجرة وهو بخط الصحابي الجليل زيد بن ثابت رضي الله عنه.
*باحث في تاريخ مكة المكرمة
makkawi@makkahnp.
com