هدايا من أجل الروح
تستحق الروح أجمل الهدايا، فمن خلالها تصبح البوصلة الإنسانية باتجاهها الصحيح نحو الأعلى (التسامي) وتتخلص من علائق النفس وعوائق العقل وارتباطات الجسد
تستحق الروح أجمل الهدايا، فمن خلالها تصبح البوصلة الإنسانية باتجاهها الصحيح نحو الأعلى (التسامي) وتتخلص من علائق النفس وعوائق العقل وارتباطات الجسد
الخميس - 18 ديسمبر 2014
Thu - 18 Dec 2014
تستحق الروح أجمل الهدايا، فمن خلالها تصبح البوصلة الإنسانية باتجاهها الصحيح نحو الأعلى (التسامي) وتتخلص من علائق النفس وعوائق العقل وارتباطات الجسد.
أي إن الإنسان يصبح خالصاً مخلصاً تتحقق فيه أعلى مراتب المعرفة الإلهية، وتتجلى من خلاله حكمة الله في خلقه وتدبيره لأمره.
وحين نتحدث عن هدايا من أجل الروح فليكن حاضراً في يقظتنا حالة الدهشة والشغف والابتهاج والفرح، الذي نعبر عنه في حالة من الاحتفاء بالسكون وتنزلات السكينة (فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنزَلَ السَّكِينَةَ) ذلك أن قلب الإنسان هو المركز الذي تتكون فيه حركة أفعاله الروحية المتصلة بالسماء (إِن يَعْلَمِ اللّهُ فِي قُلُوبِكُمْ خَيْرًا يُؤْتِكُمْ خَيْرًا) وهو محل النظر الإلهي المقدس كما في الحديث عن سيدي صلى الله عليه وسلم (إِنَّ الله لا يَنْظُرُ إِلى أَجْسامِكْم، وَلا إِلى صُوَرِكُمْ، وَلَكِنْ يَنْظُرُ إِلَى قُلُوبِكُمْ) وهذه أولى الهدايا من أجل روحك، إذ تبتهج بمقام قربك عند ربك ومحبة جلاله لك (فَسَوْفَ يَأْتِي اللّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ) وينالهم الرضا هبة منه، ويقبل منهم الرضا عنه (رَّضِيَ اللّهُ عَنْهُمْ وَرَضُواْ عَنْهُ) لتقوم أنت أيها الإنسان ومن خلال إيمانك وإشراقتك المستنيرة بالتعبير عن هذا الحب المقدس (وَالَّذِينَ آمَنُواْ أَشَدُّ حُبًّا لِّلّهِ) ولهذه الهدية قاعدة تضبط الوعي بها، تقول هذه القاعدة (سرّع حركة المركز وأبطئ حركة السلوك) وفي الحديث عَنْ عَائِشَةَ - رضي الله عنها - «أَنَّ النبي - صلى الله عليه وسلم - دَخَلَ عَلَيْهَا وَعِنْدَهَا امْرَأَةٌ قَالَ «مَنْ هَذِهِ».
قَالَتْ فُلاَنَةُ.
تَذْكُرُ مِنْ صَلاَتِهَا.
قَالَ «مَهْ، عَلَيْكُمْ بِمَا تُطِيقُونَ، فَوَاللَّهِ لاَ يَمَلُّ اللَّهُ حَتَّى تَمَلُّوا».
وَكَانَ أَحَبَّ الدِّينِ إِلَيْهِ مَا دَامَ عَلَيْهِ صَاحِبُهُ» رواه البخاري ومسلم في الصحيح واللفظ للبخاري.
وتوضح ذلك الهدية الثانية من أجل روحك: وهي أن الروح غير النفس.
فالروح فردية التكوين، بينما النفس منقسمة، كما قال الله الخالق المبدع (وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا.
فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا.
قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا.
وَقَدْ خَابَ مَن دَسَّاهَا) فالروح لا تمل، بينما يحدث الملل للنفس فتنقطع، وعند الانقطاع يتوقف المدد الروحي.
لكن قليل العمل المستمر يجعل الإنسان في ديمومة الحركة، وديمومة الحركة تعني الدخول في ديمومة الخلق الإلهي العظيم كما الليل والنهار، والشمس والقمر (وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ) وحين يكون الإنسان في هذه الديمومة للخلق المحكم المُدبّر يمكنه أن يفهم الهدية الثالثة من أجل روحه.
وهي: أن أسرار القدر لا تقف على عالمك المدرك، وأسبابك المقدور عليها علماً أو عملاً.
فالأمر أكبر (والله أكبر كبيراً) فـ (كبِّرْهُ تَكْبِيرًا) وتطلع إلى أسرار أمره وفواتح جلاله وجماله، وتأمل كيف يتحدث هو عن نفسه (إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ.
فَسُبْحَانَ الَّذِي بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ) وللعلاقة مع الأمر الإلهي سر إذا فهمته نلتَ أثره عليك.
وهي الهدية الرابعة من أجل روحك: ذلك أن الأمر لله وحده (قُلْ إِنَّ الأَمْرَ كُلَّهُ لِلَّهِ) فلا يصح من أحد أن يتدخل في الأمر الإلهي، حتى النبي صلى الله عليه وسلم! يقول الله له (لَيْسَ لَكَ مِنَ الأَمْرِ شَيْءٌ) وعند ذلك ما العمل!؟ إن الفعل هو (ترك التدبير لصاحب التدبير) فالحقيقة أن كل أمر له أول لا نعلمه، وآخر لا ندركه، وظاهر وباطن يغيب عنا حقيقته ومنتهاه.
أما الله فهو (الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ) وإليه تنتهي الأمور كلها (وَأَنَّ إِلَى رَبِّكَ الْمُنتَهَى) وحين يترك الإنسان التدبير وتتحقق لا درائيته فإن الله يحدث الأمر (لَا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْرًا) بقي أن الإنسان مسؤول عما يدري ومن خلال حريته واختياراته التي منحه الله إياه وأن يعمل ما بوسعه وتحت قدرته العلمية والعملية.
وأما ما ليس كذلك فإنه يتحرك من خلال قوة التسليم وانتظار الحكمة بشغف وحب.
وهو ما يحدثك به سكونك ويفتيك به قلبك.