اللغة ومخططاتها جولة في العقل الإمبريالي (2 ــ 3)
عرضنا في الجزء الأول لأبرز سياقات كتاب «السياسات اللغوية» للويس كالفي وفي هذا الجزء سنتطرق لبعض أهم أفكار الكتاب المتعلقة بأوضاع اللغة والمخطط اللغوي.
عرضنا في الجزء الأول لأبرز سياقات كتاب «السياسات اللغوية» للويس كالفي وفي هذا الجزء سنتطرق لبعض أهم أفكار الكتاب المتعلقة بأوضاع اللغة والمخطط اللغوي.
الأربعاء - 22 أكتوبر 2014
Wed - 22 Oct 2014
عرضنا في الجزء الأول لأبرز سياقات كتاب «السياسات اللغوية» للويس كالفي وفي هذا الجزء سنتطرق لبعض أهم أفكار الكتاب المتعلقة بأوضاع اللغة والمخطط اللغوي.
وفي الفصل الثاني يعرض نماذج مختلفة لأوضاع التعدد اللغوي، فيذكر منها:
1ـ نموذج فرجسون: تصنيف اللغات من حيث الطبقة الاجتماعية إلى رفيعة ووضيعة وذات منزلة خاصة. ومن جهة أخرى قسمها: لهجات ولغة مشتركة نمطية وكلاسيكية وخليط ومزيج، ومن حيث الوظائف: حميمية ورسمية ومشتركة ولغة التعليم ولغة الدين واللغة العالمية واللغة موضوع التعليم. ويحوي النموذج معايير للتمييز بين اللغة الرفيعة والوضيعة، فمثلا: يشترط للرفيعة أن تستعمل من قبل أكثر من 25% من السكان أو من قبل أكثر من مليون شخص، وأن تكون لغة التعليم في 50% من المدارس... إلخ.(33 ـ 36).
2ـ نموذج ستيوارت: عرض هذا التعدد بطريقة مختلفة، فذكر أربع صفات: التقييس والاستقلالية والتاريخية والحيوية. واعتمد الوظائف التي ذكرها فرجسون مضيفا إليها: الداخلية والعاصمية والأدبية، ولم يخل النموذج أيضا من عيوب كاعتماده على صفات ليست بديهية وتعتمد تصورا أيديولوجيا كالاستقلالية مثلا، وبعض الوظائف يتعذر تقويمها بدقة مثل الرسمية (37 ـ 39).
3ـ نموذج فازولد: حاول تقديم نموذج من زاوية مختلفة، فاقترح الصفات التالية: الرسمية والوطنية ولغة الزمرة واللغة المشتركة والعالمية والمدرسية والدينية. ولكنه لم ينج أيضا من مشكلات (39 ـ 41).
ويمكن للمتأمل ملاحظة بعض الرؤى الاستعمارية في طي بعض هذه المفاهيم والصفات، فمثلا تتضح علاقة صفتَي «الرفيعة « و»الوضيعة « بخدمة الإمبريالية، كجعلهم لغة التعليم في إثيوبيا، وهي (الإنجليزية) لغة رفيعة خلافا للغة الشعب وهي الأمهرية فهي وضيعة في نظرهم! مع أن الأولى ضيقة النطاق.
كما يمكن ملاحظة التحيز في مواقف كثير من اللغويين الغربيين تجاه اللغات الأخرى، فالعربية مثلا لغة عالمية إلا أنهم لا يصفونها بذلك، وكأن معيار العالمية ـ كما يقول المؤلف ـ هو اعتماد اللغة وسيلة عمل في منظمة الأمم المتحدة! (41).
وفي الفصل الثالث تناول الأدوات التي يستعملها المخطط اللغوي للتدخل في اللغة بالإصلاح (يسمى إصلاحا من وجهة نظر المتدخل طبعا) أو التغيير أيا كان هدف هذا التغيير، فهو يذكر في أكثر من موضع أن عمل المخطط ينبني على العمل النظري الوصفي الذي يقدمه اللساني (74)، وأن عمله يجب أن يتبع وسائل عمل الاستعمال نفسه، أي آليات الاستعمال التلقائي للغة (63)، وهذه الأدوات هي:
1ـ تجهيز اللغات: عن طريق العمل على إحداث تدخلات أو تغييرات في جوانب عدة من متن اللغة المستهدفة، وهي:
أـ الكتابة/ الأبجدية: كما حصل من تغيير للأبجدية العربية في تركيا الكمالية، وكما حصل من جدل حول الأبجدية المختارة لتدوين بعض اللغات الأفريقية، وبلا شك تتدخل الأيديولوجيا بقوة في هذا الموضوع لاتصاله بهوية الأمة ومقومات الثقافة. (53 ـ 55).
ب ـ المعجم: ويتناول قضايا عدة منها: إدخال مصطلحات العلوم والتقنية الحديثة، ومن ذلك مشروع التعــــــريب ومشـكـلاتــه وعقباته في دول المغرب العربي (57).
ج ـ التقييس: ويقصد به اختيار لغة معينة أو مستوى معين وجعله نمطيا عاما. ويفرق بين نوعين من التنميط، ما يمكن تسميته بالتنميط القسري الذي تفرضه الدولة على المجتمع، والتنميط التوليفي الذي يعتمد على وضع جديد انطلاقا من الصيغ الموجودة (58)، كما يفرق في هذا السياق بين نوعين من «التسيير اللغوي»(التقييس)، تسيير المستعمل، وهو عمل المجتمع التلقائي، وتسيير المخبري، وهو فعل السياسي اللغوي أو المخطط اللغوي وبتنفيذ السلطة المباشرة (60 ـ 61)، ومما يحمد للمؤلف أنه يبدي مخالفة واضحة أحيانا ونقدا لاذعا أحيانا أخرى للتوجهات الإمبريالية الاستبدادية للدول الغربية الكبرى، فهي أحيانا كثيرة تلتزم بالديمقراطية لها ولا تراعيها مع غيرها! واللغويون ـ المخططون خاصة ـ يسايرون دولهم الاستعمارية التي يعملون فيها ولا تحركهم ضمائرهم لإنكار سياسات بلدانهم الجائرة! وهذا النفس الحر لديه نجده في كتابه الآخر عن حرب اللغات بأوضح مما هنا، لكنه سرعان ما ينقلب على موضوعيته البراقة هذه في مواضع أخرى.
2ـ المحيط اللغوي: ويقصد به الإطار الذي يمكن ملاحظة التغيرات اللغوية من خلاله، مثل الدعايات والملصقات واللافتات وبرامج التلفزيون والأغاني... إلخ (62)، وتعد هذه الأمور أماكن مفضلة للتدخل اللغوي من أجل ترقية اللغة (63).
3ـ القوانين اللغوية: وتقسم من جهات عدة، فمن جهة المستوى هناك: المراسيم والقرارات والتوصيات... إلخ، وهي تختلف من حيث قوتها السلطوية.
وهناك: قانون دولي ووطني وعالمي، وهذا من حيث المجال السياسي، ومن جهة طريقة التدخل هناك: القوانين التحريضية التي تكتفي بالتوصية والحث ووضع البرامج المساعدة على ذلك (أسلوب ديمقراطي يرغب فيه المؤلف ويثني على الدول التي تتبعه مثل سويسرا)، وقوانين إجبارية تعتمد أسلوب الفرض.
ويرى أن دولته فرنسا تتبع سياسة غريبة، فهي تعلن الديمقراطية ولكنها تخالفها في الخفاء! (ذكر هذا في مواضع مختلفة من الكتاب).
ومن جهة محتوى التدخل هناك: قوانين تعنى بصيغة اللغات (الكتابة، المفردات، التراكيب)، وقوانين تعنى باستعمال اللغات (كأن تحدد المقام الذي يجب فيه اختيار لغة معينة، في هذا المكان أو ذاك، وهذا الزمان أو ذاك، وكتحديد اللغة الوطنية للبلد أو لغة العمل في مؤسسة معينة.. إلخ) وقوانين تعنى بالدفاع عن اللغة.
ويقول إن اللغات ـ كما علمتنا الألسنية النظرية التي يعارض المؤلف كما سبق فلسفتها المنهجية ـ لا تفرض بقرار وإنما تحكمها طبيعتها الداخلية وسيرورة المجتمع، ولكن التخطيط اللغوي يستطيع التدخل في سيرورة اللغة لأنه جزء من الواقع الاجتماعي المحيط باللغة، ولكنه ليكون ناجحا عليه أن يحاكي طبيعة اللغة وطبيعة سيرورتها، ومن هنا فهو لا يرفض المنهج الوصفي تماما ولكنه يرفض الاكتفاء به ويرى أن المعايير (السياسة والتخطيط والقوانين) لا تعارض الوصف، بل تبنى عليه وتشكل مؤثرا من المؤثرات الاجتماعية الطبيعية بما أنها جزء من المحيط الاجتماعي للغة (74 ـ 75).