المراعاة تعني الذكاء

الثلاثاء - 23 يناير 2018

Tue - 23 Jan 2018

يطمح كل منا أن يتحلى بمكارم الأخلاق، فيراجع الإنسان نفسه، ويرى ما به من قصور وخلل، فيسعى لإصلاح ذاته والتطبع بالأخلاق الحميدة. ومما يفعله الإنسان في هذا الشأن هو قراءة سير العظماء والاقتداء بمن سبقه من الأخيار، ثم يبحث عن أسباب حفرت أسماء هؤلاء البارزين في صفحات التاريخ، فتخليد الأسماء لا يتطلب قدرات عظيمة فحسب بل يقتضي الاتسام بأخلاق طاهرة رفيعة. ومن هذه الأخلاق التي نتهاون فيها، رغم سهولة التطبع بها إلى أن تصبح طبعا فينا، خلق مراعاة الخواطر.

سأذكر قصة قرأناها في سيرة سيد الخلق العظيم محمد بن عبدالله عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم لعلها توحي عمق هذا الخلق الرفيع الذي لا يتحلى به إلا العظماء الكرام. ذكر النبي صلى الله عليه وسلم لصحابته عن سبعين ألفا من أمته يدخلون الجنة بغير حساب ولا سابق عذاب، فقام عكاشة بن محصن رضي الله عنه فقال: ادع الله لي أن يجعلني منهم، فقال المصطفى الكريم: «أنت منهم» ثم قام رجل آخر فقال: ادع الله لي أن يجعلني منهم، فقال صاحب الخلق العظيم: «سبقك بها عكاشة»، متلطفا بالجواب مع هذا السائل، ولم يقل له ليس لك من الأعمال ما تبلغ به مبلغ السبعين ألفا. وهذا مثال يسير من كمال أدب وعظم خلق الرسول الأسوة صلى الله عليه وسلم. فالفظاظة والخشونة واختيار الكلمات السيئة من المنفرات التي لا ندركها في حياتنا مع الآخرين، ويؤكد ذلك ربنا وخالقنا في كتابه المبين فقال عز من قائل «فبما رحمة من الله لنت لهم ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك».

إني حين أراجع نفسي وتعاملاتي مع الآخرين أراني بعضا من الأحيان ناصحا للمذنب، وموجها للمقصر، ومصححا للمخطئ، وأفعل ذلك وأنا معتقد أني دال للخير ومحب لهم. ولكن هل هذا الشعور يصل لمن أتعامل معهم؟ وهل يتقبلون نصحي وإن كان صحيحا؟

هذه المراجعات جعلتني أتدارك هذا الخلق الذي قد أغفل عنه في تعاملاتي. فمما غفلته أنه من المنازل العظيمة لمن سبقونا وممن نتعلم منهم من الأخيار أنهم يراعون من يخاطبون، وينزلون الناس منازلهم، ويعرفون كيف يختارون الكلمة. فمخاطبة البسيط والضعيف لها أساليب خاصة تجبر فيها خواطرهم، وتطيب فيها نفوسهم، فالكلمة الطيبة لأي جهد يقومون به له درجة عظيمة في نفوسهم. وأما معلموك ووالداك فلهم أساليب مختلفة في التعامل معهم، فمهما حصل منهم ومهما بدر منا يجب علينا أن نعلي مكانتهم ونرفع قدرهم. وكذلك المسؤول والوجيه فلهما طريق أخرى ليستمعا ويتقبلا فيه رسالتنا ووجهات نظرنا. ولا يتحلى بهذا الخلق إلا الرفيع صاحب المكانة العالية، وممن فهموا النفوس وتراهم أكثر الناس ذكاء اجتماعيا.

قفلة: إن من أسماء الله سبحانه وتعالى «الجبار» ومن معاني هذا الاسم أنه يجبر الضعيف، ويجبر الكسير، ويجبر المنكسرة قلوبهم.

RMRasheed@