اجلد ذاتك

الاثنين - 15 يناير 2018

Mon - 15 Jan 2018

إنا عادة - كمجتمع - ننتقد من يجلد الذات لما في ذلك من دعوة للإحباط، ومن مبالغة في تحميل الذات أخطاء لا يمكن احتمالها، وأيضا هي وسيلة لبث روح الانهزامية. فانتقاد هذه الظاهرة أمر مفهوم، أما ما لا أفهمه هو انتقادنا لشيء غير موجود في مجتمعنا ولا أراه بين كتابنا ولا أسمعه في برامجنا ومجالسنا. إن ما نظنه جلدا للذات ما هو إلا جلد للمحيط الذي نحن فيه. فعندما نتهم الحكومات بالتقصير، وعندما ننكر على التجار غلاء الأسعار، وعندما نلوم المثقفين على الانعزال عن المجتمع، وعندما نذم أصحاب الرأي على ابتعادهم عن هموم المجتمع، وعندما نعيب بعض ثقافاتنا التي ورثناها من آبائنا، ونشتكي من تناقض عاداتنا وتقاليدنا التي فرضت علينا، إننا بذلك لا نجلد الذات بل نهرب من الحقيقة ونتهم محيطنا وكأننا لسنا جزءا منه.

إن جلد الذات مرحلة متقدمة من مراجعة النفس وتحليل تصرفاتها، ومحاولة لتهذيبها، وهذا ما نحن أحوج إليه في هذا الزمن، لا انتقاد المحيط وكأن المجتمع شيء ونحن كأفراد أشياء أخرى. إننا إن راجعنا مبادئنا وراقبنا أعمالنا وأقوالنا ودورنا في تصحيح واقعنا لكان أنجع وأسلم الطرق للإصلاح والتصحيح بدلا من جلد الآخرين ظانين أننا نجلد ذواتنا. فمثلا، هذا المقال هو أحد الأمثلة لما نعتقده جلدا للذات، فكلامي موجه للقراء وكأني لست جزءا منهم، وكأن الخطأ الذي يقع فيه المجتمع لا أقع فيه. فليتني قبلكم ركزت على أفعالي وأقوالي قبل الالتفات لمن حولي.

فليس من المعقول ألا أؤدي عملي البسيط في دائرتي الصغيرة على أكمل وجه ثم أنتقد غيري من المسؤولين. وليس منطقيا أن أسهر الليل وأنام النهار ثم ألوم رجال الأعمال على ضعف دورهم في تحسين الوضع الاجتماعي. ومن الظلم أن أكتب مقالة في دقائق أسخر فيها من فريق وصل الليل بالنهار لإنجاز عمل معين.

طبعا، أنا هنا لست مدافعا عن أحد، ولا أصادر حق الانتقاد من أحد، ولكن أعتقد أنه إن كان بنا خلل وضعف، فهما من جهل أدوارنا كأفراد في تصحيح الخلل، وأننا استسهلنا انتقاد المحيط، فقليل منا راجع ذاته وحاول إصلاحها إصلاحا يفيد المجتمع.

يرشدنا الله تعالى إلى أساليب الإصلاح والتغيير والتطوير وذلك في سورة الرعد فقال - عز وجل «إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم»، وهنا دلالة على أن تغيير القوم (المجتمع) لن يتم إلا بتغيير النفس (الفرد). فلو نعي ذلك ونلتفت إلى أنفسنا ونراجعها ونحلل تصرفاتنا لما كنا في صراع دائم مع أفراد المجتمع في توجيه أصابع الاتهام إلى بعض. فكلنا خطاؤون، وكلنا لم يصل للكمال، فليتنا نراجع أنفسنا أو حتى نجلد ذواتنا للوصول إلى مرحلة قريبة من ذلك الكمال بدلا من جلد من لا نملك سلطة على تغييرهم.

قفلة: يقول المفكر الحكيم جلال الدين الرومي «فيما مضى كنت أحاول أن أغير العالم، أما الآن وقد لامستني الحكمة، فلا أحاول أن أغير شيئا سوى نفسي».

RMRasheed@