البُعد الروحي في العلاقات الإنسانية

يقف الإنسان اليوم أمام أزمة الإنسان نفسه، وفي ثنائية عجيبة ربما لم تحدث له من قبل

يقف الإنسان اليوم أمام أزمة الإنسان نفسه، وفي ثنائية عجيبة ربما لم تحدث له من قبل

الخميس - 19 فبراير 2015

Thu - 19 Feb 2015

يقف الإنسان اليوم أمام أزمة الإنسان نفسه، وفي ثنائية عجيبة ربما لم تحدث له من قبل.
فهو من جهة يجد نفسه أمام فرصة هائلة لتحقيق وجوده الكريم من خلال فتوحات العلم وتقنياته، وآليات التواصل العالمي بين الثقافات المتعددة والمتنوعة، وأمام فرص العمل التي نتجت من خلال التسارع والتقارب العالمي والحركة الكونية.
ومن جهة أخرى يجد الإنسان نفسه أمام حالة من الدمار والهلاك والحرب والقتل التي يفعلها الإنسان به أيا كانت سياسته ودوافعه، وفي وحشية منزوعة الرحمة عديمة الضمير.
إن الله تعالى خلق البشرية من نفس واحدة، كما هو صريح القرآن (يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالا كثيرا ونساء واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيبا)، وفي قوله تعالى (وهو الذي أنشأكم من نفس واحدة)، وقوله سبحانه (هو الذي خلقكم من نفس واحدة)، وقوله جل شأنه (خلقكم من نفس واحدة)، وكل ذلك يؤكد أن بقاء الإنسانية وازدهارها ونموها وصلاح شأنها في الاجتماع والتآلف والتقارب، وليس في ضد ذلك من الحروب والدمار والقتل والاستبداد، والتفرق والاختلاف والنزاعات الآثمة.
كل البشرية وليس لديانة دون الأخرى أو عرق دون الآخر.
إنها إرادة الخالق للخلق.
وحين يحدث الشر والفرقة فإن المؤمن بالله ليس له يد في ذلك، وليس له مشاركة نفسية أو فكرية أو مالية.
وفي القرآن (إن الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعا لست منهم في شيء إنما أمرهم إلى الله ثم ينبئهم بما كانوا يفعلون)، وفيه أيضا (ولا تكونوا كالذين تفرقوا واختلفوا من بعد ما جاءهم البينات)، وفي محاولات الحل التي قدمها الإنسان لفك رموز الأزمة ومواجهتها كان يستخدم أبعاده المادية والفكرية والنفسية، والتي كانت محاولات آتت بعض الثمار الوقتية.
لكن ما يواجه الإنسان اليوم أكبر مما تنتجه النفسيات والأفكار، وما يترجمه العلم والإعلام.
إن الإنسان اليوم يجني ثمار التهميش الطويل والعابث للبعد الروحاني فيه، حيث غاب عنه (سر الوجود) بعبارة ابن القيم، و(سر كل حركة) بعبارة ابن تيمية.
هذا السر هو (الحب) الكوني المقدس الذي يعيد العلاقة (إنسانية) بانسياب كما هي (نفس واحدة) وإن اختلفت في رؤاها وأفكارها، وتعددت مصالحها وآليات معاشها.
المهم أن (لا يبغي أحد على أحد) كما في الحديث الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم.
لقد كان عالمنا العربي والإسلامي زاخرا متألقا بوجدانياته الروحانية، وكان ينعم بخيرات الأرض وبركات السماء.
كان ذلك وإلى عهد قريب.
فما الذي حدث!؟ وما الذي أبدل تلك الحالة بثقافة التفرق والاختلاف والتضاد والإقصاء، وتجاوز ذلك إلى الظلم والقتل والتدمير! إنها حالة مطروحة للبحث والدراسة من أجل العودة إلى الإنسان الأول قبل أن تتشكل فيه مشاعر الخوف وأفكار الانتقام.
يجب أن تأخذ الأفكار دورها، وأن يأخذ التعبير مساحته، في عدالة ترضي الخالق وتنصف المخلوق.
لينتهي التصنيف والتحزيب.
وتتوقف فتاوى التكفير والتجريم، فالطريق إلى الله بعدد أنفاس البشر.
وكل الطرق ستكون جميلة ما لم يكن فيها عدوان وظلم وتعد على المقدسات والإنسان ومقدراته والأوطان ومكتسباتها.
فمساحات الخير تتسع، ومساحة الشر تضيق وتختنق.
وكل ذلك يعود إلى الإنسان نفسه حين يتسع أفقه وتتعدد مصادره وموارده.
ولا يبقى سجين أفكاره المبرمجة، ومعلوماته المحدودة، وعلاقاته الضيقة والمصنفة.
لا بد من عودة الخطاب الروحاني في مناهج التعليم وفي خطبة الجمعة وخطاب المسجد، وفي الخطاب الثقافي والأدبي.
وفي لغة المؤتمرات والندوات، وفي حديث الإعلام وبرامجه.
أما الجفاف الروحي في كل ذلك فسوف ينعكس على مشاعر الإنسان وأفكاره وسلوكه.
نحن أمام حتمية التفكير الجاد للخلاص من الشر القائم والقادم.
ومن الإنسانية تبدأ الخطوة الأولى فعلى الإنسان تعلق آمال الانفراج لأزمة الإنسان نفسه.
(ما أصابك من حسنة فمن الله وما أصابك من سيئة فمن نفسك).