الموقف من التنظيمات المسلحة

بعد عشر سنوات من الصراعات شهدت صنعاء في 21 سبتمبر من هذا الشهر تحولا تاريخيا بعد سقوطها بيد تنظيم مسلح، لينضم إلى ذاكرة اليمنيين السبتمبرية! استطاع هذا التنظيم الذي أسسه حسين بدر الحوثي أن يحقق نجاحا مبكرا في مدة قصيرة جدا لتحقيق طموح أي حركة مسلحة

بعد عشر سنوات من الصراعات شهدت صنعاء في 21 سبتمبر من هذا الشهر تحولا تاريخيا بعد سقوطها بيد تنظيم مسلح، لينضم إلى ذاكرة اليمنيين السبتمبرية! استطاع هذا التنظيم الذي أسسه حسين بدر الحوثي أن يحقق نجاحا مبكرا في مدة قصيرة جدا لتحقيق طموح أي حركة مسلحة

السبت - 27 سبتمبر 2014

Sat - 27 Sep 2014



بعد عشر سنوات من الصراعات شهدت صنعاء في 21 سبتمبر من هذا الشهر تحولا تاريخيا بعد سقوطها بيد تنظيم مسلح، لينضم إلى ذاكرة اليمنيين السبتمبرية! استطاع هذا التنظيم الذي أسسه حسين بدر الحوثي أن يحقق نجاحا مبكرا في مدة قصيرة جدا لتحقيق طموح أي حركة مسلحة.

أسهمت عوامل عديدة في الوصول إلى هذه المرحلة كما بدت في الأشهر الأخيرة.

أخذت هذه التطورات تفسيرات متعددة، تداخلت فيها الحقائق بالأوهام والتوقعات.

ما حدث هو جزء من مشهد تآكل بعض الدول العربية.

في لحظات السقوط السريعة للعاصمة صنعاء، يبدو مثيرا ارتخاء الوعي السياسي عند بعض المثقفين في تعليقاتهم، لتمرير نوع من التسامح مع ما حدث، بحجج تؤثر في عمق احترام مفهوم الدولة الحديثة.

فأي محاولة لعقلنة وجود أي تنظيم مسلح في المجتمع، هي هدم مباشر لمفهوم الدولة مهما كانت الذريعة التي يلتمسها البعض.

فكيف يقبل مثقف عقلاني التغيير السياسي عبر تنظيم مسلح مهما كان مذهبه وفكره؟ وبعيدا عن المواقف أو ظروف الواقعية السياسية لدى الأنظمة والحكومات..فهناك أسس صارمة وعقلانية في مفاهيمنا السياسية يجب أن لا تتعرض لأي اهتزاز بحيل متنوعة، ودور المثقف هو حماية هذه المفاهيم السياسية للدولة الحديثة مهما كانت طبيعة الصراعات اللحظية وظروفها.

قارن هؤلاء التنظيم الحوثي المسلح بداعش والقاعدة..لتمرير وتجميل فكرتهم! والواقع أن فكرة استحضار داعش والقاعدة وغيرها تبدو مغالطة وتذاكيا مكشوفا في استعمال تاريخهم الأسود، فالإشكال في الأصل هو خطورة التنظيم المسلح..وليس درجة اعتداله ونوعية مذهبه، وهل قام بالتفجير هنا أو هناك أم لم يقم.

فالرفض لهذه التنظيمات يجب أن يكون مبدئيا وشاملا للجميع ولكل التيارات والمذاهب باعتباره مسارا لتدمير الدولة ذاتها.

لم يقارن هؤلاء التنظيم الحوثي ..بما فعله «حزب الله» في لبنان، وكيف أصبح التنظيم دولة داخل دولة.

فمجرد معاكسة الرؤى المتطرفة السلفية والحركية في رغباتها ومواقفها..ليست معيارا للاستنارة الفكرية.

من المثير أن يكتب بعضهم كثيرا في نقد الإسلام السياسي إلا الإسلام الحوثي هنا، وكأنه ليس إسلاما سياسيا.

فالموقف من كل تنظيم مسلح يجب أن يكون مبدئيا، بدون ولكن..وليس له علاقة بأي حسابات سياسية ومذهبية، أو بأن هذا التنظيم أفضل من الآخر..أو أن هذا يتزين باسم المقاومة، أو أن أفراده من أبناء البلد نفسه.

التنظيم المسلح داخل أي دولة..هو تنظيم إرهابي حتى لو لم يستعمله، أو يدعي أن لن يستعمله إلا ضد الأعداء..فالقوة التي تقف في الظاهر فوق المجتمع، سلطة تهدئ الصراع وتبقيه في حدود النظام هي الدولة كما يرى إنجلز.

قبل أيام صدر «نداء إلى المثقفين العرب لمناهضة الفاشية الدينية» في جريدة السفير مع قائمة من الموقعين أكثرهم من لبنان، والبيان جاء بصيغة انفعالية ومشحون بالخطابية، وحاول تحديد أسباب هذا التدهور ووجود هذه الفاشية الدينية، ولوم المال النفطي.

لكن تبدو ظاهرة حصانة تنظيم «حزب الله» من أي نقد ولوم مثيرة فعلا، ومستثنى في ذاكرة بعض النخب العربية، فهي لم تر أن وجوده الطويل في المشهد العربي، كتنظيم مسلح خارج الدولة جزء من أزمة الدولة العربية، وأن الوضع الخاص بهذا التنظيم لأكثر ربع قرن خلق تشوهات عربية كبرى في الوعي بالدولة عبر شعارات المقاومة والممانعة.

عنوان هذه اللحظة السياسية العالمية هو التصدي للتنظيمات المسلحة التي تتكاثر وتنتشر في أماكن عديدة..هذا التصدي يجب أن يكون على أكثر من مستوى، بعيدا عن اختلاف القراءات السياسية لروايات الإرهاب وأسبابه، فالأنظمة لها رواياتها..والنخب المثقفة لها رؤيتها.

هناك خطورة كبرى على الوعي العام لأي محاولة لتبرير وجود أي تنظيم مسلح..مهما كانت الظروف في بعض الدول والمناطق.

ويجب التأكيد على أن هذه التنظيمات بكل ألوانها المذهبية ومبرراتها ستقود إلى مزيد من التدهور في الدولة والمجتمع العربي.

تجربة «حزب الله» التي كانت موجودة في ظروف أحسن من هذه الظروف العربية، هي أفضل درس لتأكيد خطورة السماح والتبرير لمثل هذه التنظيمات داخل الدول، وبقاء السلاح معها، وكيف تحولت مع مرور الوقت إلى أداة لمصالح سياسية محددةلا علاقة لها بالمقاومة ضد إسرائيل.

أعلن الحزب الآن أنه ضد التحالف الدولي سواء المستهدف داعش أو غيره، وأن «أمريكا ليست في موقع أخلاقي يؤهلها لقيادة تحالف على الإرهاب»..لقد رأينا الموقع الأخلاقي..للحزب في تدخله في الحالة السورية، وكيف كان سببا في تكاثر مثل هذه التنظيمات برؤية مذهبية.