سر النجاح

الاثنين - 25 ديسمبر 2017

Mon - 25 Dec 2017

الجميع يبحث عن النجاح لنفسه ولعمله ولوطنه، وللوصول إلى النجاح نسعى دوما للاستفادة من تجارب الآخرين الذين سبقونا لقمم النجاح. هنا، لن أتحدث عن النجاح أو طرقه، ولكن سأتحدث عن محاولاتنا في الاستفادة من تجارب الآخرين. فبعضنا يفتقد للفهم الحقيقي والتحليل العميق لتجارب الآخرين فتراه يختزل النجاح في خطوات صغيرة وبسيطة لا يمكن الاستفادة منها استفادة ناجعة.

فمثلا، رائد الأعمال الناشئ يقرأ بعض الاقتباسات ويسمع بعض الخطب الحماسية عن نجاح رجال الأعمال الكبار، ويرى أنهم كانوا أهل مخاطرة ويمضون ساعات كثيرة في أعمالهم ولا ينامون إلا ساعات قليلة في يومهم، فيظن أن هذه العناصر فقط هي أسباب النجاح. وأؤكد على كلمة فقط. فلا تحليل عميقا أجراه عن كل حالة نجاح ليفهم أن الأمر يتطلب أكثر من بعض الممارسات الحياتية، فالنجاح ليس له وصفة بسيطة تختزل في نصيحة تقتبس.

وهذا الفهم الخاطئ ينطبق على أمور أخرى، ففي أحد النقاشات مع ولي أمر طالب صادفته في لقاء ودي تحدث عن انزعاجه من كثرة الواجبات المنزلية التي يقوم بحلها ابنه، ويؤكد أن تعليمنا لن يرتقي ما دامت الواجبات جزءا من نظامنا التعليمي. وحجة ولي الأمر أن الطالب المدرسي في فنلندا - المصنفة أفضل نظام تعليمي عالميا - لا يحل أي واجب منزلي. ومثل هذا الاختزال البسيط في تخلف التعليم وتميزه مدعاة للاستنكار، وبعض الأحيان الغضب. فكيف يصنف التعليم بممارسة بسيطة مثل حل الواجبات؟ لا شك أن الواجبات المنزلية محل نقاش في أهميتها في التعليم من عدمه، لكن من الجهل والسطحية أن نحكم على نظام تعليمي كامل بممارسة بسيطة مثل الواجبات المنزلية.

أما ما جعلني أكتب هذا المقال فهو حين كثر النقاش حول رؤية المملكة لعام 2030 في مجالسنا الخاصة وفي وسائل إعلامنا المرئية والمقروءة، وأسمع من يقارن حالنا بحال دول آسيوية وأوروبية سبقونا في التقدم الاقتصادي والصناعي والبشري. في هذه النقاشات أسمع اختزالات كبيرة لتجارب الدول الأخرى وتبسيط أسباب نجاحهم جعلتني أقرأ أكثر عن هذه الدول ومحاولة فهم ما مروا به من تغيرات وتحولات ونجاحات وفشل. إن تجاربهم معقدة جدا ويتطلب الأمر لجهود أصحاب فكر وخبرة للاستفادة من تلك التجارب. أما أن نقرأ مقالا أو نشاهد فيلما وثائقيا مدته ساعتان ثم نقترح مواءمة ما استوعبناه لتحقيق رؤيتنا الخاصة فهو الجهل بعينه.

خلاصة ما أود قوله، لكل تجربة نجاح معطيات مختلفة ومحاولات خاصة ببيئات متباعدة وإمكانيات متفاوتة، لذلك لا يمكن لأي تجربة أن تتكرر. نعم نستفيد منها ولكن لا يمكننا استنساخها.

وللاستفادة من تلك التجارب، يتطلب الأمر تدخل الجامعات لإقامة دراسات حالات (case studies) ومراكز أبحاث مستقلة (Think Tanks) لتقييم كل تجربة وتدوينها في أبحاث علمية يمكن للدارس قراءتها لفهمها الفهم الصحيح والاستفادة منها في تجاربه العملية. أما الاقتباسات والنصائح التي تكتب في قروبات الواتس اب وتويتر والخطب التحفيزية التي نشاهدها في اليوتيوب ما هي إلا أدوات بسيطة تحفيزية داعمة، وليست سببا رئيسيا في فهم طريق النجاح.

قفلة: هناك فرق كبير بين معرفة تجارب الآخرين وفهم نجاحهم.

@RMRasheed