عندما يكون المعلم مربيا

الاثنين - 20 نوفمبر 2017

Mon - 20 Nov 2017

زارت والدة الطالب «جيمس» مدرسة ابنها للتأكد من مستواه الدراسي، وأثناء زيارتها قابلت معلمة الرياضيات فسألتها عن سر أسئلة نهاية الأسبوع التي تقدمها المعلمة لطلابها في الصف الخامس، وما علاقة هذه الأسئلة بمادة الرياضيات.

ابتسمت المعلمة وشرحت لها أن دورها لا ينحصر في تقديم المادة العلمية، ولكنه يتجاوز ذلك بكثير، فالطلاب - كما تعتقد المعلمة - مسؤولية عظيمة وتعليمها القراءة والكتابة والحساب من أقل الضرورات التي على المعلمة القيام بها. فكما أن الطالب عقل وجسد، فهو روح وقلب، وعلى المعلم الاهتمام بهذا الجانب المهم. فهي كمعلمة تسعى لبناء قلوب رحيمة وأرواح محبة قبل بناء عقول تعرف الجمع والطرح والضرب والقسمة، ومن هذا المنطلق أعدت هذه الأسئلة التي تقدمها كل يوم جمعة لطلابها الصغار.

تشرح المعلمة عملها بأنها كل نهاية أسبوع تطلب من طلابها كتابة أسماء زملائهم الذين يودون الجلوس معهم في الأسبوع القادم، وأيضا ترشيح أفضل طالب لهذا الأسبوع على ورقة خارجية، ثم تأخذها منهم مؤكدة أنه لا أحد سيقرؤها سواها، وتوضح لهم أن طلباتهم ليس بالضرورة ستنفذ. وبعد أن تأخذ الأوراق، تقوم بتحليلها لتجيب على الأسئلة التالية: من من الطلاب لم يتم اختياره؟ من من الطلاب لا يعرف من يختار؟ من من الطلاب الذين لم يرشحوا للقب أفضل طالب في الأسبوع؟ من من الطلاب الذين اختيروا في السابق ثم لم يختاروا لهذا الأسبوع؟ تسأل المعلمة هذه الأسئلة لكي تعرف من من طلابها وحيد وغير مرغوب من البقية. إن ما تقوم به المعلمة هو أشبه بعمل «أشعة» قلبية لطلابها، فتحاول أن تعالجها قبل أن تكسر هذه القلوب بأسباب كالتنمر أو الشعور بالعزلة عن المجتمع. وبناء على نتائج هذه الأشعة، تفعل المعلمة برامج لتعزز من ثقة الذي لم يختر وتخلق بيئة تسود فيها المحبة بين الطلاب المستثنين من قائمة الأصدقاء.

انبهرت والدة «جيمس» مما تقوم به المعلمة وحيتها على ذلك، وسألتها منذ متى وهي تقوم بهذا الروتين؟ فأجابت «المربية» أنه بعد حادثة مجزرة ثانوية «كولمباين»، والتي كان سببها طلاب شعروا بكره عميق تجاه المدرسة والطلاب، فأطلقوا النار عليهم وقتلوا أكثر من عشرين بريئا، قررت أن يكون لها دور في إنقاذ الطلاب من أي حوادث مشابهة من خلال تربيتهم على الحب والرحمة.

حين سمعت قصة معلمة «جيمس» من زميلي، شعرت بقشعريرة غريبة! فأي عطاء وإخلاص تمتلكه هذه المربية العظيمة؟ لم تكتف بأداء عملها المطلوب، بل تجاوزت الواجب بكثير لأنها مؤمنة بأن الإنسان صاحب رسالة ومساهم في بناء الأرض وإعمارها قبل أن يكون موظفا

أو معلما. فما أجمل هذا الإنسان إن أدى الأمانة وأخلص لها وترك بصمة في هذه الحياة حتى لو لم يرها أحد فيكفي أن يرضي ضميره. متأكد أن لدينا في وطننا مثل هؤلاء المخلصين خلف الأضواء يعملون بصمت ويتركون أكبر وأهم الأثر، وأعرف أنهم يقومون بذلك غير باحثين عن الشكر أو الثناء. فلهم أدعو الله وأقول، الله يكتب لكم الأجر والثواب في الدنيا والآخرة ويرزقكم الرضى حيث كنتم.

قفلة:

إن من صفات الأبرار التي ذكرها الله سبحانه وتعالى في سورة الإنسان أنهم يفعلون الخير لوجه الله لا ابتغاء للجزاء ولا الشكر.

RMRasheed@