الساخطون اليوم راضون غدا

الجمعة - 13 أكتوبر 2017

Fri - 13 Oct 2017

كل عملية تغيير اجتماعي تطرأ على مجتمعنا تولد نقاشا محتدما في مواقع التواصل الاجتماعي، وفي مجالسنا وبيوتنا، وبين مؤيد لهذا التغيير ورافض له قد تصل نتيجة النقاش إلى انكسار العلاقة بين الطرفين، فكل فريق يريد إلزام الآخر بوجهة نظره. الفريق الرافض للتغيير عادة ما يكون الأشرس في نقاشه لكنها فترة بسيطة حتى يصبح «الساخطون اليوم راضون غدا»، هذه العبارة التي كتبها أحدهم ليست مجرد تغريدة رميت في غياهب تويتر، بل هي تغريدة تدل على معرفة بأحوال المجتمعات، ويفهمها جيدا من يقرؤون في هذا المجال. هذا المقال الذي أكتبه، أرجو أن يقرأه «الساخطون اليوم»، لعلهم يستوعبون ما سيأتي فيه، ويصبحون من «الراضين غدا»، يهدف إلى مناقشة حالة الرفض التي تصاحب كل قضية اجتماعية، كقيادة المرأة للسيارة التي انتصر لها خادم الحرمين الشريفين بقرار تاريخي، وافتتاح دور السينما التي أصبحت واقعا وسينفذ قريبا، ودخول المرأة للملاعب الذي كانت أول بوادره في احتفال اليوم الوطني 87 للمملكة، وكل قضية اجتماعية ينتج عنها صخب في مواقع التواصل الاجتماعي ومجالس الناس.

شئنا أم أبينا، المجتمعات تتغير والأفراد يتغيرون والأفكار تتطور والقرارات تواكب هذا التطور. إذا رجعنا للخلف عددا قليلا من السنوات سنجد أننا كنا في يوم من الأيام نناقش قضية سروال الجينز ومشروعية لبسه، والجوال لدى المرأة وخطره عليها و»البلوتوث هاتك الأستار» و»الإجهاز على التلفاز» و»آلو، احذري التليفون يا فتاة الإسلام» وغيرها من القضايا. ومن الظريف أن كل هذه القضايا تخص المرأة في حين أن من يناقشها ويفرض الآراء فيها هو الرجل، وكأن ليس للمرأة رأي أو عقل أو لسان تتحدث به. لكن هذه الأمور التي كان الرافضون لها يستميتون في إقناع المجتمع بخطرها عبر تأليف الكتب ونشر القصص والمقاطع الدعوية التي صرف المحتسبون المدافعون عن «الفضيلة» وخصوصية «المرأة السعودية» عليها أموالا طائلة، أصبحت اليوم واقعا نعيشه ونحبه ونرفض تغييره، بل إن الغالبية العظمى من الرافضين لها بالأمس – إن لم يكن جميعهم - أصبحوا يستغربون مما كانوا يكتبونه عن هذه القضايا ومحاولاتهم الحثيثة لإيقاف أي تغيير يلوح في الأفق.

إن عملية رفض التغييرات الاجتماعية تمر بمجموعة من المراحل حتى يستقر صاحبها عند نتيجتين لا ثالث لهما، إما قبول التغيير والتعايش معه، أو الانحراف نحو مسار خطير. فتبدأ ردة فعل الرافض عادة بالصدمة ثم الغضب داخليا ثم إعلان الرفض ثم مرحلة التشويش الذهني والشعور بالغربة (غربة الدين) يتبعها الإحباط، وهنا إذا لم يبدأ الشخص بتقبل التغيير سينحرف نحو مسارات خطيرة قد تشمل الانكفاء على الذات والانعزال عن المجتمع أو اللجوء للعنف (لفظيا كان أو جسديا) لإيقاف التغيير، أو في أسوأ الأحوال قد ينتج عن شدة الرفض الانتماء لجماعات متطرفة، في حين أن الشخص الذي يبدأ في استيعاب الجوانب الإيجابية للتغيير وتقبل الأمر سيصل تلقائيا إلى مرحلة يصبح هذا التغيير جزءا لا يتجزأ من حياته، حتى لو أن شخصا أراد في المستقبل تغييره سيحارب للحفاظ عليه، برغم أنه كان رافضا له في البداية. لنأخذ على سبيل المثال تعليم البنات، فقد كان حجم الرفض في بعض المناطق بنفس مستوى رفض قيادة المرأة والسينما وغيرها من التغييرات التي حدثت مؤخرا أو ستحدث قريبا، لكن تعليم البنات اليوم قرار لا يقبل الآباء والأمهات النقاش فيه، فكيف حدث ذلك؟ فكر بينك وبين نفسك.

طبيعي جدا ما نراه من نقاش محتدم في مواقع التواصل الاجتماعي، لكن الذي ليس طبيعيا هو أن يصل هذا النقاش إلى تأليب الرأي العام ومحاولة إثارة البلبلة والمشاكل مع كل قضية اجتماعية. دعونا نثق في قيادتنا الرشيدة وبعد نظرها ونلتف حولها في قبول كل قرار يخدم المصلحة العامة لنضمن مستقبلا أفضل لنا وللأجيال القادمة.