الحلم القطري
الخميس - 15 يونيو 2017
Thu - 15 Jun 2017
دولة قطر جزيرة وادعة ترقد على ضفاف الخليج، ويرتبط مجتمعها بأواصر قربى قوية مع المجتمعات الخليجية الأخرى وخاصة المملكة والإمارات والبحرين.
إلا أن الجزيرة الوادعة برقعتها الجغرافية الصغيرة وتركيبتها السكانية لم ترض طموح ولي العهد آنذاك الشيخ حمد بن خليفة، الذي قرر في 1996 «الانقلاب» على والده الشيخ خليفة بن حمد، الذي كان قد تولى الحكم بعد «انقلابه» على ابن عمه الشيخ أحمد بن علي.
حاولت قطر أن تظهر أنها راعية الحرية والسلام في العالم العربي، وفي عام 2009 التقى أمير قطر السابق الشيخ حمد بالقذافي ودار بينهما حديث طويل سربه لاحقا مدير المخابرات الليبية السابق عبدالله السنوسي أثناء دعم قطر للثورة الليبية ماليا وعسكريا لإسقاط نظام القذافي، وخلال الحديث المسجل من قبل القذافي نفسه (وهذا أمر معروف عنه مع الزعماء) قال الشيخ حمد: إن سياسة قطر حاكما بعد حاكم اتبعت نظاما تبادليا في مهادنة المملكة العربية السعودية ومواجهتها، وحين علق مصطفى الخروبي (الرجل الثالث في نظام القذافي) على حديثه بالقول: «إنكم تتبعون المواجهة والمهادنة» أجاب: لا.. بالنسبة لنا المواجهة مستمرة، مؤكدا أنه يسعى لإنهاء الدولة السعودية خلال 12 عاما.
يبدو أن طموح الشيخ حمد في التوسع خارج الرقعة الجغرافية لبلاده ليس نتيجة موقف سياسي بقدر ما هو موقف شخصي وتاريخي بأن بلاده صغيرة المساحة؛ مما دفعه إلى اتباع سياسات جديدة، تحدوها آماله بأن يعود إلى مهاجر أجداده ملكا متوجا بدعم القبيلة!
ويمكن تشبيه التغير الجذري الذي أحدثه الشيخ حمد في السياسة القطرية بالتغير الجيني الذي أصاب سمكة زينة، حيث كانت تسبح في الحوض المخصص لها كل يوم، تروح وتجيء وتأكل وتنام، وفي يوم من الأيام نمت زعانفها الصغيرة بضخامة إلى درجة أنها لم تستطع التحرك بحرية في حوض الماء نظرا لطولهما.
فالدولة التي كانت في يوم من الأيام هادئة وجدت زعانف الأحلام تنمو بشكل أعاق حركتها، وهما (قناة الجزيرة، وتنظيم الإخوان المسلمين) وهذا التحالف بين «الإخوان» والنظام السياسي القطري المدعوم بشبكة الجزيرة الإعلامية جعل «جماعة» قطر تحل نفسها طوعا في أواخر التسعينيات مما يوضح أن الحكومة والجماعة مستفيدان من بعضهما، ما لم يصلا إلى مرحلة معركة كسر العظم التي ستكون حتمية في نهاية المطاف.
السياسة القطرية آمنت بضرورة أن تؤدي دورا قافزا على التاريخ والجغرافيا والإمكانات والعقل والمنطق؛ مما جعلها تغرد خارج السرب وداخله في الوقت ذاته محاولة جمع كل المتناقضات التي يصعب جمعها في سلة واحدة، في ظل بحث دائم عن زعامة دولية وليس عربية أو إقليمية، متجاوزة بذلك حجمها وتاريخها السياسي الحقيقي ومكوناتها الجغرافية والسكانية والثقافية، وهذا الطموح الجارف المتسرع بدأ مع إنشاء قناة «الجزيرة» التي قامت - بعد حل وزارة الإعلام مباشرة - على أنقاض القسم العربي بهيئة الإذاعة البريطانية، لتصبح فعليا هي وزارة الإعلام القطرية.
استثمرت السياسة القطرية الخلافات العربية العربية والوهن الاقتصادي الخليجي لا من أجل تبني سياسات مخالفة للتوجهات الخليجية فحسب بل للعمل على زعزعة البيت الخليجي من الداخل؛ على أمل أن تكون قطر- بعد تمدد حدودها - الشقيقة الكبرى!
وعملت السياسة القطرية على توظيف المال في استقطاب كل التوجهات والأفكار التي تصنع لها الصيت الذائع الذي يحقق أهدافها.
وأجدني هنا مضطرا للتأكيد على ما كتبته قبل ثلاث سنوات أثناء سحب سفراء الدول الخليجية من قطر، وهو أنني «منذ عشرين عاما أحتفظ بموقف لم يتغير مع الأسف الشديد، وهو أن دولة قطر تحاول القفز على قوانين الطبيعة، حين تلعب لعبة أكبر من قدراتها ومواهبها وتريد الفوز بها بالقوة».
ويتضح هذا الأمر ببساطة من خلال استقواء المنتخبات القطرية في الألعاب الأولمبية بلاعبين من أوروبا الشرقية يمثلون دولة قطر رغم أنهم لا يمتون بصلة لمجتمعها ولا إلى ثقافتها العربية، وهو الأمر الذي أعادت الحكومة القطرية الحالية إنتاجه باستقوائها بالترك والإيرانيين، محاولة تبرير ذلك بأنه من أجل أمن الخليج!
من الواضح أن الموقف السياسي القطري لم ولن يتغير تجاه أشقاء الخليج، إذ إن (الحلم القطري) ما زال جامحا حتى بعد أن تنازل الشيخ حمد عن الحكم لابنه أمير قطر الحالي؛ لأن الأمير الأب يجلس هو وسميه الشيخ حمد بن جاسم خلف الستار ممسكين بخيوط السياسة القطرية ومستمرين بتوجيه بوصلتها نحو أحلام الأمير الأب وآماله وتحالفاته السابقة.
Suodalblwi1@
إلا أن الجزيرة الوادعة برقعتها الجغرافية الصغيرة وتركيبتها السكانية لم ترض طموح ولي العهد آنذاك الشيخ حمد بن خليفة، الذي قرر في 1996 «الانقلاب» على والده الشيخ خليفة بن حمد، الذي كان قد تولى الحكم بعد «انقلابه» على ابن عمه الشيخ أحمد بن علي.
حاولت قطر أن تظهر أنها راعية الحرية والسلام في العالم العربي، وفي عام 2009 التقى أمير قطر السابق الشيخ حمد بالقذافي ودار بينهما حديث طويل سربه لاحقا مدير المخابرات الليبية السابق عبدالله السنوسي أثناء دعم قطر للثورة الليبية ماليا وعسكريا لإسقاط نظام القذافي، وخلال الحديث المسجل من قبل القذافي نفسه (وهذا أمر معروف عنه مع الزعماء) قال الشيخ حمد: إن سياسة قطر حاكما بعد حاكم اتبعت نظاما تبادليا في مهادنة المملكة العربية السعودية ومواجهتها، وحين علق مصطفى الخروبي (الرجل الثالث في نظام القذافي) على حديثه بالقول: «إنكم تتبعون المواجهة والمهادنة» أجاب: لا.. بالنسبة لنا المواجهة مستمرة، مؤكدا أنه يسعى لإنهاء الدولة السعودية خلال 12 عاما.
يبدو أن طموح الشيخ حمد في التوسع خارج الرقعة الجغرافية لبلاده ليس نتيجة موقف سياسي بقدر ما هو موقف شخصي وتاريخي بأن بلاده صغيرة المساحة؛ مما دفعه إلى اتباع سياسات جديدة، تحدوها آماله بأن يعود إلى مهاجر أجداده ملكا متوجا بدعم القبيلة!
ويمكن تشبيه التغير الجذري الذي أحدثه الشيخ حمد في السياسة القطرية بالتغير الجيني الذي أصاب سمكة زينة، حيث كانت تسبح في الحوض المخصص لها كل يوم، تروح وتجيء وتأكل وتنام، وفي يوم من الأيام نمت زعانفها الصغيرة بضخامة إلى درجة أنها لم تستطع التحرك بحرية في حوض الماء نظرا لطولهما.
فالدولة التي كانت في يوم من الأيام هادئة وجدت زعانف الأحلام تنمو بشكل أعاق حركتها، وهما (قناة الجزيرة، وتنظيم الإخوان المسلمين) وهذا التحالف بين «الإخوان» والنظام السياسي القطري المدعوم بشبكة الجزيرة الإعلامية جعل «جماعة» قطر تحل نفسها طوعا في أواخر التسعينيات مما يوضح أن الحكومة والجماعة مستفيدان من بعضهما، ما لم يصلا إلى مرحلة معركة كسر العظم التي ستكون حتمية في نهاية المطاف.
السياسة القطرية آمنت بضرورة أن تؤدي دورا قافزا على التاريخ والجغرافيا والإمكانات والعقل والمنطق؛ مما جعلها تغرد خارج السرب وداخله في الوقت ذاته محاولة جمع كل المتناقضات التي يصعب جمعها في سلة واحدة، في ظل بحث دائم عن زعامة دولية وليس عربية أو إقليمية، متجاوزة بذلك حجمها وتاريخها السياسي الحقيقي ومكوناتها الجغرافية والسكانية والثقافية، وهذا الطموح الجارف المتسرع بدأ مع إنشاء قناة «الجزيرة» التي قامت - بعد حل وزارة الإعلام مباشرة - على أنقاض القسم العربي بهيئة الإذاعة البريطانية، لتصبح فعليا هي وزارة الإعلام القطرية.
استثمرت السياسة القطرية الخلافات العربية العربية والوهن الاقتصادي الخليجي لا من أجل تبني سياسات مخالفة للتوجهات الخليجية فحسب بل للعمل على زعزعة البيت الخليجي من الداخل؛ على أمل أن تكون قطر- بعد تمدد حدودها - الشقيقة الكبرى!
وعملت السياسة القطرية على توظيف المال في استقطاب كل التوجهات والأفكار التي تصنع لها الصيت الذائع الذي يحقق أهدافها.
وأجدني هنا مضطرا للتأكيد على ما كتبته قبل ثلاث سنوات أثناء سحب سفراء الدول الخليجية من قطر، وهو أنني «منذ عشرين عاما أحتفظ بموقف لم يتغير مع الأسف الشديد، وهو أن دولة قطر تحاول القفز على قوانين الطبيعة، حين تلعب لعبة أكبر من قدراتها ومواهبها وتريد الفوز بها بالقوة».
ويتضح هذا الأمر ببساطة من خلال استقواء المنتخبات القطرية في الألعاب الأولمبية بلاعبين من أوروبا الشرقية يمثلون دولة قطر رغم أنهم لا يمتون بصلة لمجتمعها ولا إلى ثقافتها العربية، وهو الأمر الذي أعادت الحكومة القطرية الحالية إنتاجه باستقوائها بالترك والإيرانيين، محاولة تبرير ذلك بأنه من أجل أمن الخليج!
من الواضح أن الموقف السياسي القطري لم ولن يتغير تجاه أشقاء الخليج، إذ إن (الحلم القطري) ما زال جامحا حتى بعد أن تنازل الشيخ حمد عن الحكم لابنه أمير قطر الحالي؛ لأن الأمير الأب يجلس هو وسميه الشيخ حمد بن جاسم خلف الستار ممسكين بخيوط السياسة القطرية ومستمرين بتوجيه بوصلتها نحو أحلام الأمير الأب وآماله وتحالفاته السابقة.
Suodalblwi1@