سلالم الكتابة
الأربعاء - 10 مايو 2017
Wed - 10 May 2017
من عادات مؤلفي الكتب، كتابة إهداء في أول صفحة من الكتاب، موجه إلى أحد ما. الكاتب الفلسطيني أدهم الشرقاوي في كتابه الأول الذي عنونه بـ«كش ملك» كتب في الصفحة الأولى منه الإهداء التالي: «إلى معلم اللغة العربية الذي قذف دفتر التعبير في وجهي، وقال: ستموت قبل أن تكتب جمله مفيدة!».
مثل هذا الموقف من قبل المعلمين المحطمين للمواهب والإبداع يتكرر كثيرا في مؤسسات التعليم العربية، حين يرى المعلم في الطالب مشروعا تعليميا فاشلا، إلا أن البعض يتجاوزون الموقف وفقا لمبدأ «الضربة التي لا تقتلك تزيدك قوة»، ويصبح لهم شأن مستقبلي يتجاوزون به توقعات معلميهم الذين أرادوا أن يصطحبوهم في رحلة (تحطيم المجاديف) هذه، أما البعض الآخر فيتجاوز الموقف - على طريقته - ليصبح إداريا جيدا يستطيع الكتابة بأسلوب جيد بلا أخطاء نحوية أو إملائية، أو موظفا بارعا في إعداد المكاتبات والمخاطبات، وهذا أيضا نجاح ربما لم يخطر على بال ذاك المعلم المحاول لقتل الأمل.
أما بالنسبة لي، ففي عام (1982) في الصف الثاني الابتدائي طلب مني معلمي أن أخرج من الفصل وألحق به إلى مكتب مدير المدرسة، وهناك أشار إلى طاولة حديدية صغيرة طالبا مني أن أكتب مقالات في الصحيفة الحائطية للمدرسة (التي كانت عبارة عن ورق قرطاس مقوى) في مساحات فارغة ذات مربعات ودوائر.
كان المعلم يمليني المقالات من مطويات ومنشورات، ربما وزعتها إدارة التعليم على المدارس، وكان يختصر بعض الجمل والعبارات، لكنه حين يذهب لتدريس زملائي الطلبة، يطلب مني استكمال المقالة أو كتابة المقالة التالية، مع ترك خانة الاسم فارغة حتى يطلب مني لاحقا وضع اسم أحد الطلبة أسفلها.
في اليوم التالي نقل المعلم الطاولة إلى الممر أمام مكتب مدير المدرسة، واصطحبني من قاعة الدرس إليها مجددا لكتابة تلك المقالات التي كانت توعوية في غالبها، كالمحافظة على صحة الفم والأسنان، وقد أخبرني بأن اختياره لي لكتابتها هو بفضل جودة خطي وصحة إملائي رغم كوني في الصف الثاني الابتدائي.
وفي اليوم الثالث، صباح يوم شتائي بارد، نقل المعلم الطاولة إلى فناء المدرسة الذي سطعت عليه أشعة الشمس الدافئة، والذي أتذكره أنه طلب مني كتابة مقالة عن ضرورة حذر الطالب عند صعود السلالم، في حين كانت المدرسة بلا سلالم لأنها كانت عبارة عن مبنى مستأجر صغير يتكون من دور واحد فقط! وحين أنهيت مقالة «السلالم» هذه عاد إلي لاحقا وطلب مني أن أضع اسمي أسفلها.
على مدى يومين أو ثلاثة - لا أتذكر بالضبط - كنت أخرج خلال حصتي «التربية الفنية» و»التربية الرياضية» لكتابة، بل نسخ تلك المقالات، واليوم بعد أن تلاشت 35 سنة بقيت في الذاكرة متعة تدوين تلك المقالات، والغريب في الأمر أنني لم أدونها جالسا بل واقفا بانحناءة، ولا أتذكر اليوم إن كان ظهري قد آلمني حينها أم لا، لكني ما زلت أذكر أنني كتبتها على مدى ثلاثة أيام واقفا بمتعة جعلت مشاهدها تبقى في الذاكرة، أبوح بها لأول مرة عبر زاويتي الصحفية هذه.
وبما أن الشيء بالشيء يذكر، ففي كتابي (الكتابة والحفر في الذاكرة) الذي صدر قبل شهرين، أشرت إلى جملة ذكرها الكاتب الأمريكي (آرنست همينغواي)، يقول فيها: «على الكتّاب أن يكتبوا واقفين، فإنهم حينها سيتقنون كتابة الجمل القصيرة».
لقد كتبت صغيرا تلك المقالات الطويلة واقفا، بفضل معلمي ذاك الذي منحني دون أن يشعر الرغبة في صعود (سلالم الكتابة) فشكرا له على ما فعل.
@Suodalblwi1
مثل هذا الموقف من قبل المعلمين المحطمين للمواهب والإبداع يتكرر كثيرا في مؤسسات التعليم العربية، حين يرى المعلم في الطالب مشروعا تعليميا فاشلا، إلا أن البعض يتجاوزون الموقف وفقا لمبدأ «الضربة التي لا تقتلك تزيدك قوة»، ويصبح لهم شأن مستقبلي يتجاوزون به توقعات معلميهم الذين أرادوا أن يصطحبوهم في رحلة (تحطيم المجاديف) هذه، أما البعض الآخر فيتجاوز الموقف - على طريقته - ليصبح إداريا جيدا يستطيع الكتابة بأسلوب جيد بلا أخطاء نحوية أو إملائية، أو موظفا بارعا في إعداد المكاتبات والمخاطبات، وهذا أيضا نجاح ربما لم يخطر على بال ذاك المعلم المحاول لقتل الأمل.
أما بالنسبة لي، ففي عام (1982) في الصف الثاني الابتدائي طلب مني معلمي أن أخرج من الفصل وألحق به إلى مكتب مدير المدرسة، وهناك أشار إلى طاولة حديدية صغيرة طالبا مني أن أكتب مقالات في الصحيفة الحائطية للمدرسة (التي كانت عبارة عن ورق قرطاس مقوى) في مساحات فارغة ذات مربعات ودوائر.
كان المعلم يمليني المقالات من مطويات ومنشورات، ربما وزعتها إدارة التعليم على المدارس، وكان يختصر بعض الجمل والعبارات، لكنه حين يذهب لتدريس زملائي الطلبة، يطلب مني استكمال المقالة أو كتابة المقالة التالية، مع ترك خانة الاسم فارغة حتى يطلب مني لاحقا وضع اسم أحد الطلبة أسفلها.
في اليوم التالي نقل المعلم الطاولة إلى الممر أمام مكتب مدير المدرسة، واصطحبني من قاعة الدرس إليها مجددا لكتابة تلك المقالات التي كانت توعوية في غالبها، كالمحافظة على صحة الفم والأسنان، وقد أخبرني بأن اختياره لي لكتابتها هو بفضل جودة خطي وصحة إملائي رغم كوني في الصف الثاني الابتدائي.
وفي اليوم الثالث، صباح يوم شتائي بارد، نقل المعلم الطاولة إلى فناء المدرسة الذي سطعت عليه أشعة الشمس الدافئة، والذي أتذكره أنه طلب مني كتابة مقالة عن ضرورة حذر الطالب عند صعود السلالم، في حين كانت المدرسة بلا سلالم لأنها كانت عبارة عن مبنى مستأجر صغير يتكون من دور واحد فقط! وحين أنهيت مقالة «السلالم» هذه عاد إلي لاحقا وطلب مني أن أضع اسمي أسفلها.
على مدى يومين أو ثلاثة - لا أتذكر بالضبط - كنت أخرج خلال حصتي «التربية الفنية» و»التربية الرياضية» لكتابة، بل نسخ تلك المقالات، واليوم بعد أن تلاشت 35 سنة بقيت في الذاكرة متعة تدوين تلك المقالات، والغريب في الأمر أنني لم أدونها جالسا بل واقفا بانحناءة، ولا أتذكر اليوم إن كان ظهري قد آلمني حينها أم لا، لكني ما زلت أذكر أنني كتبتها على مدى ثلاثة أيام واقفا بمتعة جعلت مشاهدها تبقى في الذاكرة، أبوح بها لأول مرة عبر زاويتي الصحفية هذه.
وبما أن الشيء بالشيء يذكر، ففي كتابي (الكتابة والحفر في الذاكرة) الذي صدر قبل شهرين، أشرت إلى جملة ذكرها الكاتب الأمريكي (آرنست همينغواي)، يقول فيها: «على الكتّاب أن يكتبوا واقفين، فإنهم حينها سيتقنون كتابة الجمل القصيرة».
لقد كتبت صغيرا تلك المقالات الطويلة واقفا، بفضل معلمي ذاك الذي منحني دون أن يشعر الرغبة في صعود (سلالم الكتابة) فشكرا له على ما فعل.
@Suodalblwi1