فاتن محمد حسين

عيد الأم.. ونظرية الحب

الجمعة - 07 أبريل 2017

Fri - 07 Apr 2017

تحتفل بعض دول العالم بعيد الأم الذي خصص له يوم 21 مارس ليكون يوما لتكريم الأمهات. وهو تقليد خصصه المفكرون الأوروبيون بعد أن وجدوا إهمالا كبيرا من الأبناء لأمهاتهم، ولإعادتهم -ولو ليوم واحد- لجادة الصواب.



(وعيد الأم) من الأيام الذي يخلق جدلا في المجتمع السعودي بين رافض لهذا اليوم لأن قيم الإسلام تمجد الأم وتبرها طوال العام وليس ليوم واحدا فقط. وأما الفريق المؤيد فيبدأ بإرسال بطاقات المعايدة ومقاطع الفيديو والمقاطع الصوتية لأجمل أغنية (ست الحبايب) والتي يجد المرء أن عبراته سقطت من شدة التأثر بالصوت واللحن والكلمات لزمن الفن الرفيع الذي اندثر بين خضم تفاهة الفن!



وكمسلمين نؤمن إيمانا عميقا بأهمية بر الوالدين الذي قرن الله تعالى طاعته بهما فقال تعالى (وقضىٰ ربك ألا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحسانا إما يبلغن عندك الكبر أحدهما أو كلاهما فلا تقل لهما أف ولا تنهرهما وقل لهما قولا كريما)، ولن أكمل الآية التالية لأن معظمنا يحفظها عن ظهر غيب، ولكن للأسف ما زال التطبيق قاصرا، وهكذا ربما في كثير من شؤون حياتنا، (نحفظ) ونبتعد عن مسار التطبيق القيم! ولا أعجب من ذلك حينما نجد أن تطبيق (قيم الإسلام) في بلد كالسويد تكون في رأس القائمة، وأما في السعودية ففي ذيلها! بالرغم من آلاف المحاضرات وخطب الجمعة والمناهج.



وكثيرا ما أميل إلى الجانب الوسطي في أخذ بعض الأفكار التي توطد صلة القرابة، فتقديم هدية للأم في ذلك اليوم أمر لا بأس به لأنه من قيم ديننا الإسلامي، (تهادوا تحابوا) وكل إنسان يحب الهدية، ولكن حين تكون مرتبطة فعلا بالمشاعر والأحاسيس الصادقة، فإنها خير وسيلة للحب والتقارب، أما إذا كانت الهدية في واد والسلوك والتعامل في واد آخر فهي لا تعني شيئا.



وحتى الأم الكافرة المسلم مأمور بالإحسان إليها، -طبعا ليس طاعتها في الكفر- ولكن الترفق بها ومصاحبتها بالمعروف. فمال أناس يقدمون الهدايا ويتناسون الإحسان الحقيقي بالطاعة وبتلمس احتياجات الأم وتلبية رغباتها قبل أن تطلبها! ولكن للأسف طغت ماديات الحياة علينا فزادتنا قساوة وشغل كل منا: المركز، الوظيفة، الزوجة، الأبناء، وربما الأصدقاء، وصارت هي أولوياتنا، وأما الوالدان ففي ذيل القائمة! قد يزور أحدنا والديه وكأنه واجب مفروض، وليس إقبالا وحبا وبرا، بل إن منا من يتمادى في العصيان فتخاف والدته منه بالنطق بأي كلمة وتحسب له ألف حساب! بل للأسف وصل البعض إلى التمادي برفع الصوت و... وذلك قمة العقوق ونسي التي حملته كرها ووضعته كرها، ونسي التي أرضعته وربته وجعلت منه رجلا وأفنت زهرة حياتها في تعليمه وتزويجه.. و... و...إلخ.



لم يخلق الله كائنا مثل الأم، حتى الدواب فطرها الله على الخوف على وليدها ورعايته وحمايته.. وها هو القرآن الكريم يضرب أمثلة لتصوير روعة وجمال حب الأم: فأم موسى التي وضعته في اليم خوفا عليه من فرعون فقال الله تعالى لها (لا تخافي ولا تحزني إنا رادوه إليك) طمأنة لقلبها، وهاجر عليها السلام التي صعدت تلال مكة وجبالها تبحث عن الماء لولدها إسماعيل خوفا عليه من العطش -بعد أن تركها إبراهيم عليه السلام وابنها في ذلك المكان الأقفر لحكمة إلهية- فتفجر ماء زمزم من تحت أقدامه! وأما عيسى عليه السلام فضرب أروع الأمثلة في البر فقال (وبرا بوالدتي ولم يجعلني جبارا شقيا) فربط بين بر الأم والبعد عن الشقاء.



وأما أولئك الذين يدعون البر بألسنتهم وبهدايا وهمية في يوم واحد، فطريق الشقاء ينتظرهم وعبرة من الأم بعقوق ابنها قد توصله إلى جحيم، ويكفي وصية الرسول عليه الصلاة والسلام للصحابي الذي قال له من أحق الناس بحسن صحابتي؟ فلم يقل لهم زوجتك، ولم يقل له أولادك ولكن قال له: أمك، وكررها ثلاثا ثم قال: ثم أباك.



فهل نعي معنى بر الأم؟ وهل نعي قدرها وقيمتها ومكانتها؟ فأيهما نختار الاحتفال بيوم واحد؟ أم السير في دروب البر والسعادة؟