وهم الاندثار للمذاهب والأقوال تثبته السنن والتاريخ
هناك أقوام متعصبون ضد مخالفيهم في واقعنا العربي والإسلامي، يسعون إلى السيطرة على المشهد العقلي والعقائدي والسياسي، وهذا ليس غريباً في بني آدم النزاعين دائما إلى ذلك بالطبيعة، ولكن الغريب هو أن هذا النوع يظن أن باستطاعته إزالة كل من خالفه ورميه في هوة من التاريخ ليصبح في حكم المندثر حسا ومعنى وفكرا ومعتقدا
هناك أقوام متعصبون ضد مخالفيهم في واقعنا العربي والإسلامي، يسعون إلى السيطرة على المشهد العقلي والعقائدي والسياسي، وهذا ليس غريباً في بني آدم النزاعين دائما إلى ذلك بالطبيعة، ولكن الغريب هو أن هذا النوع يظن أن باستطاعته إزالة كل من خالفه ورميه في هوة من التاريخ ليصبح في حكم المندثر حسا ومعنى وفكرا ومعتقدا
الثلاثاء - 09 سبتمبر 2014
Tue - 09 Sep 2014
هناك أقوام متعصبون ضد مخالفيهم في واقعنا العربي والإسلامي، يسعون إلى السيطرة على المشهد العقلي والعقائدي والسياسي، وهذا ليس غريباً في بني آدم النزاعين دائما إلى ذلك بالطبيعة، ولكن الغريب هو أن هذا النوع يظن أن باستطاعته إزالة كل من خالفه ورميه في هوة من التاريخ ليصبح في حكم المندثر حسا ومعنى وفكرا ومعتقدا.
إنه وهم يخالف سنة الله في الناس، ويخالف واقع التاريخ، ويدل على نفسيات نزعة الهمجية فيها تغلب نزعة العقل ونزعة الروح والإنسانية.
لا شيء يندثر في حياة الناس من الديانات والمذاهب والأقوال، وعندما عصى إبليس ربه توعد بأن يضل الإنس والجن إلى يوم القيامة، وقابله الله بوعيد له ولمن تبعه إثباتا من الله بأن في الثقلين من سيبقى تابعا لإبليس إلى يوم القيامة.
وعندما قتل ابن آدم أخاه، أظهر سنة القتل إلى يوم القيامة، وقد ورد في الأثر أن عليه نصف وزر كل قاتل.
وفي القرآن الكريم ما يثبت أن هذا الخلاف قائم (ولا يزالون مختلفين إلا من رحم ربك ولذلك خلقهم).
وفي آية أخرى يقول عز وجل: (ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لفسدت الأرض).
كل دين ومذهب يقوم ويظهر يمر بمراحل، فمرة يعلو ويسيطر ثم يخبو ويخسر، وبعضها يظهر في ثوبه الأول وبعضها يظهر في ثوب جديد، وقد يعود ويأخذ مكانا بارزا في حياة الناس وقد يبقى منحسرا لكنه موجود ولا يندثر ويختفي.
حتى الإسلام الذي بدأ غريبا ثم انتشر حتى لم يترك بيت مدر ولا وبر إلا دخله، سيعود يوما غريبا كما بدأ وهذا قول الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم.
هناك استثناءات لهذه القاعدة لا سيما في نهاية التاريخ كما ورد، وهي بداية لاندثار الكل من الديانات والناس والعالم.
في التاريخ كانت الفلسفة اليونانية تسيطر على العقول، ثم مرت بالمراحل التي تمر بها كل المذاهب، فبدأت ضعيفة وقتل كثير من رجالها المشهورين وأحرقوا أحياء، ثم أخذت تنتشر حتى صارت قائدة ومحركة، ثم عادت تتشظى وتنقسم وتضعف، ثم عادت في قرون أخرى تستعيد عافيتها، والعجيب أنها في الفكر الإسلامي والعربي باتت قاعدة من قواعد المعرفة بالإضافة إلى المنطق الأرسطي بأنواعه، حتى باتت الفلسفة تتخذ طابعاً إسلاميا فسميناها الفلسفة الإسلامية، وكذلك المنطق وهو وجه من وجوه الفلسفة رأينا حجة الإسلام الغزالي الذي حارب الفلسفة في بداياته يعود ليجعل من المنطق أحد أساسات الأصول الفقهية والتفكير، برغم أن الغزالي لم يحارب من الفلسفة إلا جوانب دون أخرى، ولم يكفر بها جملة.
بل وأشد من ذلك أن هناك من كفر الفلاسفة وجعل الفلسفة مدخلا إلى الزندقة والإلحاد، يتبنى آراء عقدية من منطلق الفلسفة وليس له مرجعيات فيها سوى الفلاسفة.
والإلحاد وإنكار الألوهية أحد المذاهب التي لم ولن تندثر إلى يوم القيامة وإن كانت ستختفي وقتا وتظهر وقتا، فكان أصحابها الدهريون كثرة كاثرة في زمن النبوة وكثير منهم في مكة، ثم اختفى الإلحاد عن المشهد إلا في أفراد أو أقوام بعيدين، ثم رأينا الإلحاد في وجهه الماركسي الشيوعي يكتسح العالم، وإذا الديانات كلها تنحسر أمامه، ثم أخذ دورته وانحسر من جديد.
وقس على ذلك سائر المذاهب والديانات والفلسفات الشرقية والغربية، وكذلك المذاهب الإسلامية في داخل الواقع الإسلامي سواء في ذلك جميع المذاهب العقيدية والمذاهب الفقهية.
إذن فلا السنة الإلهية تقر فكرة اندثار المذاهب والأفكار والأقوال، ولا الطبيعة الإنسانية تتوقف عن الإنتاج الفكري والاعتقادي بكل أشكاله الراشدة والمنحرفة،ولا الواقع التاريخي أو المعاصر يقران بهذه الفكرة، لأنها سنة الله التي تستعصي على الإنسان أن يغيرها.
وليقرأ كل عاقل تاريخ اكتساح المسلمين لإسبانيا كل تلك القرون، ثم عودة المسيحية إلى إسبانيا وقيامها بالمذابح الشهيرة التي طردت الإسلام والمسلمين من هناك، وبرغم كل ذلك لا المسيحية اندثرت ولا الإسلام اختفى عنها، وكالمذابح الألمانية لليهود، أو الاستئصال الشيوعي للدين، أو غير ذلك في القديم أو الحديث فلن يخرج إلا بقول واحد هو أن الأفكار والعقائد لا تندثر.
ما أريده من كلامي هذا هو إثبات النزق والوهم الذي يعيشه أصحاب فكر الإلغاء ومحاولة استئصال الآخر.
من هنا فليس أمامنا كمجتمع بشري يؤمن بأحقية التفكير والتدين وحقوق الحرية بكل ما تعنيه الكلمة في المتفق عليه إلا التخلي عن هذا الوهم، والإيمان بأن الله لو شاء لجعل الناس أمة واحدة ولكن ليبلوهم فيما آتاه، والتوجه بعد ذلك إلى الحياة المشتركة في ظل المتفق عليه، وإعطاء كل ذي حق حقه في اتخاذ الطريق الذي يريد.
ولقد جهد فرعون في إبادة بني إسرائيل كيلا يظهر منهج الطفل الذي سيزول ملكه على يده، فانتهى الأمر بفرعون إلى أن رباه في الحلية والنعيم داخل قصره، وتمت إرادة الله التي لا غالب لها.
يقول جل في علاه: (وجعلنا بعضكم لبعض فتنة أتصبرون)، والفتنة هي ابتلاء الله لعباده المؤمنين بالصبر على العدو تارة، وبالصبر على العدل معه تارة، وبالصبر على التعايش معه تارة ثالثة، وأشكال أخرى لا يجهلها المتأمل.