لماذا صراعاتنا مغلقة؟
الأحد - 05 مارس 2017
Sun - 05 Mar 2017
ما الفرق بين السؤال المغلق والمفتوح؟ يوجه السؤال المغلق بصيغ مقيدة باختيارات محددة، هل تشرب الشاي أم العصير، ومثله السؤال بـ (هل) الذي تكون إجابته محاصرة بنعم أو لا، في حين أن صيغة ماذا تشرب؟ هو سؤال مفتوح لإجابات كثيرة. مسار سجالاتنا الاجتماعية والفكرية بمرور السنوات تحول إلى نوع مغلق من الجدل العقيم، تحاصر فيه بين مواقف نمطية، يقضى فيه على التعددية في تناول المشكلات وتصورها. يصعب التعبير عن رأيك في مجتمعنا عن القضايا الجدلية التي لا يوجد لها إلا قوالب مسبقة بالوعي تحاصر فيها بين خيارات مشحونة بالخصومة بين أطراف معينة.
ولأننا في مجتمع لا توجد فيه انتماءات واضحة المعالم عبر كيانات أو مؤسسات ينتمي لها الأفراد، تنظم الصراعات الفكرية في إدارة المجتمع، فسيظل الواقع مشوها باستمرار، وحتى في قضايا ثقافية عادية فقدنا التوجهات القديمة، فمثلا في صحف الثمانينات كان يمكن تصنيف الصحف حسب توجهاتها كما في قضية الحداثة، بالمقابل اليوم فقدت الصحف السعودية جانب التنوع لتدير الصراعات التي تظهر بين فترة وأخرى.
كثير من القضايا في أصلها رؤية وليست تصويتا.. بمعنى أنها بحاجة إلى حوارات ونقد فكري وسياسي وديني، أكثر من سؤال أنت مع مين؟ فالمجتمع مثلا بمختلف تياراته يعلن اليوم أنه ضد التشدد والتطرف بصورة عامة، لكن المشكلة.. ما هو مفهوم كل منهم للتطرف، فقد تجد في خطبة جمعة تنديدا بالتطرف والإرهاب لكنها تتضمن مفاهيم متطرفة بالوعي دون أن يشعر المتحدث بذلك، وقد تقرأ أيضا مقالة تنادي بالتسامح والتنوير وهي مشحونة بكل ما يخالفها من مفاهيم، لأن كلا منهم يحمل عداءات تاريخية فردية أثرت على توازنه النفسي في عرض الأمور.
يضطر كثيرون للقبول ومجاملة أحد الآراء السائدة في محيطه الشخصي تجنبا لوجع الرأس، فلا يعترض على رأي جاءه في جروب أو تغريدة مصورة مشحونة بالكراهية، مشوهة للواقع تراكمت عبر أجندة نفعية للبعض، لأن إخراجهم من النماذج التي تشكلت في وعيهم يتطلب جهدا ووقتا كبيرا، وهذا يضطرك لتجنب المشاركة الدائمة بهذه الخصومات التي أصبحت في حقيقتها مغلقة بين فئات محددة. إن أي رأي تقدمه سيلحقك بنماذج مشوهة، وإذا عجز البعض عن وضعك بأحد هذه القوالب في وعيه يقول لك: أنت غريب عجزنا نفهمك.
المسألة في أصلها ليست حيادا أو خوفا من التصنيف كما يتوهم البعض، فهذه مغالطة، فالتصنيف ضرورة معرفية لا بد منها، لأن مجمل ما تطرحه من آراء سيعبر عن شخصيتك وهويتك الفكرية بصورة مستقلة عن أولاوياتهم. يدرك عادة أصحاب هذه القوالب المشوهة وجود آراء أخرى أكثر اعتدالا من رؤيتهم في السياق المحافظ أو المنفتح لكنها لا تعجبهم لأنها لا تخدمهم بصراعهم الحالي، هو يريدك أن تقوم معه بدور الكومبارس، يكون فيها أسلوب تعبيرك عن الرأي مجرد ردح ومغالطات وتشويه لأصل الخلاف ومناكفة لشخصيات معينة.
ومع كل مظاهر هذا الانغلاق إلا أنه يوجد مقدمات انحسار واضح، وتذمر من تكرار الجدل في قضايا أشبعت طرحا، حيث كشفت مرحلة مواقع التواصل حالة من التفتت الكبير في الرأي فلم يعد هناك تيارات ذات كتل كبيرة ووحدة منهجية ورؤى كلية وخطاب له معالم، التمزق الذي حدث أصاب التيار المحافظ وغير المحافظ، وحتى الصحوة التي يكثر انتقادها فقد تمزقت كتيار متماسك مقارنة بما قبل عقدين، بالرغم من وجود محاولات إسلامية لاستعادة هذا التماسك بالاستفادة من استفزاز بعض الكتابات. ما يحدث الآن هو انقسامات تحالفات الكترونية وصداقات وشلل وعلاقات وتبادل منافع ولو على مستوى الرتويت كأضعف الإيمان، وهي التي تحاول إحياء الجدل اليومي المكرر في تويتر وغيره.
كسر هذه الدائرة المغلقة ضرورة لإنجاز حراك إعلامي وثقافي وتطور فكري حقيقي، والقضية هنا ليست دعوة رخوة للحوار على طريقة « حبوا بعض.. « فالسجال والنقد الصارم أحد متطلبات أي نهضة حضارية وصناعة التغيير الاجتماعي. يجب التفريق بين قوة الطرح الذي يتضمن أفكارا نقدية جيدة، ورؤى واضحة وبين اجترار خصومات مشخصنة. من الأفضل ألا يحتكر المحافظة طيف واحد يتكلم باسمه واسم المجتمع، يجب ألا يحتكر التنوير والانفتاح طيف واحد، فهذا له أضرار كثيرة حتى على مستوى اتخاذ القرارات الإدارية، لإحداث نقلات نوعية في تجربتنا التنموية.
[email protected]
ولأننا في مجتمع لا توجد فيه انتماءات واضحة المعالم عبر كيانات أو مؤسسات ينتمي لها الأفراد، تنظم الصراعات الفكرية في إدارة المجتمع، فسيظل الواقع مشوها باستمرار، وحتى في قضايا ثقافية عادية فقدنا التوجهات القديمة، فمثلا في صحف الثمانينات كان يمكن تصنيف الصحف حسب توجهاتها كما في قضية الحداثة، بالمقابل اليوم فقدت الصحف السعودية جانب التنوع لتدير الصراعات التي تظهر بين فترة وأخرى.
كثير من القضايا في أصلها رؤية وليست تصويتا.. بمعنى أنها بحاجة إلى حوارات ونقد فكري وسياسي وديني، أكثر من سؤال أنت مع مين؟ فالمجتمع مثلا بمختلف تياراته يعلن اليوم أنه ضد التشدد والتطرف بصورة عامة، لكن المشكلة.. ما هو مفهوم كل منهم للتطرف، فقد تجد في خطبة جمعة تنديدا بالتطرف والإرهاب لكنها تتضمن مفاهيم متطرفة بالوعي دون أن يشعر المتحدث بذلك، وقد تقرأ أيضا مقالة تنادي بالتسامح والتنوير وهي مشحونة بكل ما يخالفها من مفاهيم، لأن كلا منهم يحمل عداءات تاريخية فردية أثرت على توازنه النفسي في عرض الأمور.
يضطر كثيرون للقبول ومجاملة أحد الآراء السائدة في محيطه الشخصي تجنبا لوجع الرأس، فلا يعترض على رأي جاءه في جروب أو تغريدة مصورة مشحونة بالكراهية، مشوهة للواقع تراكمت عبر أجندة نفعية للبعض، لأن إخراجهم من النماذج التي تشكلت في وعيهم يتطلب جهدا ووقتا كبيرا، وهذا يضطرك لتجنب المشاركة الدائمة بهذه الخصومات التي أصبحت في حقيقتها مغلقة بين فئات محددة. إن أي رأي تقدمه سيلحقك بنماذج مشوهة، وإذا عجز البعض عن وضعك بأحد هذه القوالب في وعيه يقول لك: أنت غريب عجزنا نفهمك.
المسألة في أصلها ليست حيادا أو خوفا من التصنيف كما يتوهم البعض، فهذه مغالطة، فالتصنيف ضرورة معرفية لا بد منها، لأن مجمل ما تطرحه من آراء سيعبر عن شخصيتك وهويتك الفكرية بصورة مستقلة عن أولاوياتهم. يدرك عادة أصحاب هذه القوالب المشوهة وجود آراء أخرى أكثر اعتدالا من رؤيتهم في السياق المحافظ أو المنفتح لكنها لا تعجبهم لأنها لا تخدمهم بصراعهم الحالي، هو يريدك أن تقوم معه بدور الكومبارس، يكون فيها أسلوب تعبيرك عن الرأي مجرد ردح ومغالطات وتشويه لأصل الخلاف ومناكفة لشخصيات معينة.
ومع كل مظاهر هذا الانغلاق إلا أنه يوجد مقدمات انحسار واضح، وتذمر من تكرار الجدل في قضايا أشبعت طرحا، حيث كشفت مرحلة مواقع التواصل حالة من التفتت الكبير في الرأي فلم يعد هناك تيارات ذات كتل كبيرة ووحدة منهجية ورؤى كلية وخطاب له معالم، التمزق الذي حدث أصاب التيار المحافظ وغير المحافظ، وحتى الصحوة التي يكثر انتقادها فقد تمزقت كتيار متماسك مقارنة بما قبل عقدين، بالرغم من وجود محاولات إسلامية لاستعادة هذا التماسك بالاستفادة من استفزاز بعض الكتابات. ما يحدث الآن هو انقسامات تحالفات الكترونية وصداقات وشلل وعلاقات وتبادل منافع ولو على مستوى الرتويت كأضعف الإيمان، وهي التي تحاول إحياء الجدل اليومي المكرر في تويتر وغيره.
كسر هذه الدائرة المغلقة ضرورة لإنجاز حراك إعلامي وثقافي وتطور فكري حقيقي، والقضية هنا ليست دعوة رخوة للحوار على طريقة « حبوا بعض.. « فالسجال والنقد الصارم أحد متطلبات أي نهضة حضارية وصناعة التغيير الاجتماعي. يجب التفريق بين قوة الطرح الذي يتضمن أفكارا نقدية جيدة، ورؤى واضحة وبين اجترار خصومات مشخصنة. من الأفضل ألا يحتكر المحافظة طيف واحد يتكلم باسمه واسم المجتمع، يجب ألا يحتكر التنوير والانفتاح طيف واحد، فهذا له أضرار كثيرة حتى على مستوى اتخاذ القرارات الإدارية، لإحداث نقلات نوعية في تجربتنا التنموية.
[email protected]