الغوص في وجوه المدن
الأربعاء - 01 مارس 2017
Wed - 01 Mar 2017
المدن لها روحها، ولا شيء يشهوه روح المدن القديمة أكثر من الفقر والجهل وسوء توزيع الثروات الظاهر في «العشوائيات» وأزقتها وطرقاتها، ولا شيء يجعل الشوارع الضيقة قبيحة لا سبيل لتلمّس مظاهر الجمال فيها وإن كانت شوارعها الفسيحة تغصّ بالسيارات الفارهة.
المدن كائنات مؤنثة، منها الصغيرة الجميلة، ومنها الكهلة الحكيمة، منها المجنونة والعاقلة والساقطة، ومنها الصباحية والمسائية الساهرة. وفي الصباح تحديدا تشبه وجوه المدن وجوه النساء في إفاقتها بلا رتوش وإضافات، في حيويتها أو تثاقلها، في تفاؤلها أو تشاؤمها، في ابتسامها أو عبوسها.
وينبثق جمال المدن من الانطباع الأول عنها، عند الشعور الأول ببهجتها أوكآبتها، ففي هذه اللحظة يكون كل ما فيها يكون مبتهجا أو كئيبا، فرحا أو سعيدا، على الرغم من أن المدن لا ترى من زاوية واحدة، بل من زواياها المتعددة، فلكل إنسان زاويته الخاصة التي من رؤيتها العامة، فشعور الإنسان ببهجة أو كآبة مدينة ما هو إلا شعوره الداخلي يسقطه عليها.
على المستوى الشخصي، لم أر أجمل من المدن في الصباح بكل ما فيها من البساطة أو الفخامة، فحين تكون المدن في الساعات الأولى لولادة الضياء، ولم تبدأ الشمس بعد لسعاتها على شوارعها المتشحة بالجمال، في هذه الحالة تكون المدن أكثر دفئا وحنانا، وقبولا واحتفاء بالغرباء.
مدينة جنيف المنصبة على بحيرة (ليمان) هي أنموذج للمدينة الصغرى المفعمة بالجمال، مذهلة صباحاتها الزاخرة بالعابرين والغرباء الذين لا يمثلون إزعاجا لسكانها، مدينة مفعمة بابتسامات الصباح الممتزجة بنكهة تنوع الثقافات والشعوب.
أما في مدينة فرانكفورت الراقدة على نهر (الماين) تصنع صباحاتها أنموذجا للمدينة الأم التي تكتظ بالعابرين لتمنحهم الأمل، بما فيها من زخم وصخب وارتداد إلى ماضيها الأوروبي المفعم بالحضارة والفلسفة والتاريخ، حيث تنتصب قامات مبانيها مؤكدة على ماضيها العريق، وحاضرها الجديد.
وفي (سيدني) العالقة في ماضيها الأوروبي لا بد أن تروي صباحات مبانيها ذات الرتوش من العصر الفيكتوري لزوارها ألف حكاية وحكاية للهجرة والإبحار في محيط العالم البعيد، بتأكيد على الإصرار على البقاء والتثاقف واستعادة الهوية القديمة للعالم الجديد.
إن المدن هي الوجه الآخر للإنسان الذي شيدها عبر العصور، فهي مليئة بمختلف الأشياء والكائنات، ولذلك تبرز هويتها عبر طاقتها، فالمدن ذات الطاقة السالبة محكومة بالفشل، وإن تمت هندستها لتجسد حداثة العالم، فالمدن ذات الآفاق الضيقة يعيش ساكنوها مرتابين خائفين عديمي الثقة في المكان الذي يتجولون فيه.
من يزور مدينة القاهرة المبتهجة دائما وأبدا، رغم أوجاعها وآلامها، لا بد أن يعانقه تاريخها في وجوه العابرين صباحا إلى غايات متعددة تشبه لعبة الشطرنج، وتصل الغاية بالعابر إلى «وسط البلد» حيث المدينة الخديوية ذات الطراز الباريسي التي تجتمع فيها اليوم عدة متناقضات مكونة أقصر مسافة عربية حديثة بين الشرق والغرب.
الغوص في وجوه المدن هو غوص في تفاصيل الذاكرة الإنسانية؛ إذ تحمل المدن طاقات البشر الذين شيدوها وسكنوها وكذلك الذين عبروها ومضوا خلال عصور، ولذا فوجوه المدن هي أول ما يلفت نظر الزائر من زواياه التي تبعث فيه عمق التأمل والارتواء.
المدن كائنات مؤنثة، منها الصغيرة الجميلة، ومنها الكهلة الحكيمة، منها المجنونة والعاقلة والساقطة، ومنها الصباحية والمسائية الساهرة. وفي الصباح تحديدا تشبه وجوه المدن وجوه النساء في إفاقتها بلا رتوش وإضافات، في حيويتها أو تثاقلها، في تفاؤلها أو تشاؤمها، في ابتسامها أو عبوسها.
وينبثق جمال المدن من الانطباع الأول عنها، عند الشعور الأول ببهجتها أوكآبتها، ففي هذه اللحظة يكون كل ما فيها يكون مبتهجا أو كئيبا، فرحا أو سعيدا، على الرغم من أن المدن لا ترى من زاوية واحدة، بل من زواياها المتعددة، فلكل إنسان زاويته الخاصة التي من رؤيتها العامة، فشعور الإنسان ببهجة أو كآبة مدينة ما هو إلا شعوره الداخلي يسقطه عليها.
على المستوى الشخصي، لم أر أجمل من المدن في الصباح بكل ما فيها من البساطة أو الفخامة، فحين تكون المدن في الساعات الأولى لولادة الضياء، ولم تبدأ الشمس بعد لسعاتها على شوارعها المتشحة بالجمال، في هذه الحالة تكون المدن أكثر دفئا وحنانا، وقبولا واحتفاء بالغرباء.
مدينة جنيف المنصبة على بحيرة (ليمان) هي أنموذج للمدينة الصغرى المفعمة بالجمال، مذهلة صباحاتها الزاخرة بالعابرين والغرباء الذين لا يمثلون إزعاجا لسكانها، مدينة مفعمة بابتسامات الصباح الممتزجة بنكهة تنوع الثقافات والشعوب.
أما في مدينة فرانكفورت الراقدة على نهر (الماين) تصنع صباحاتها أنموذجا للمدينة الأم التي تكتظ بالعابرين لتمنحهم الأمل، بما فيها من زخم وصخب وارتداد إلى ماضيها الأوروبي المفعم بالحضارة والفلسفة والتاريخ، حيث تنتصب قامات مبانيها مؤكدة على ماضيها العريق، وحاضرها الجديد.
وفي (سيدني) العالقة في ماضيها الأوروبي لا بد أن تروي صباحات مبانيها ذات الرتوش من العصر الفيكتوري لزوارها ألف حكاية وحكاية للهجرة والإبحار في محيط العالم البعيد، بتأكيد على الإصرار على البقاء والتثاقف واستعادة الهوية القديمة للعالم الجديد.
إن المدن هي الوجه الآخر للإنسان الذي شيدها عبر العصور، فهي مليئة بمختلف الأشياء والكائنات، ولذلك تبرز هويتها عبر طاقتها، فالمدن ذات الطاقة السالبة محكومة بالفشل، وإن تمت هندستها لتجسد حداثة العالم، فالمدن ذات الآفاق الضيقة يعيش ساكنوها مرتابين خائفين عديمي الثقة في المكان الذي يتجولون فيه.
من يزور مدينة القاهرة المبتهجة دائما وأبدا، رغم أوجاعها وآلامها، لا بد أن يعانقه تاريخها في وجوه العابرين صباحا إلى غايات متعددة تشبه لعبة الشطرنج، وتصل الغاية بالعابر إلى «وسط البلد» حيث المدينة الخديوية ذات الطراز الباريسي التي تجتمع فيها اليوم عدة متناقضات مكونة أقصر مسافة عربية حديثة بين الشرق والغرب.
الغوص في وجوه المدن هو غوص في تفاصيل الذاكرة الإنسانية؛ إذ تحمل المدن طاقات البشر الذين شيدوها وسكنوها وكذلك الذين عبروها ومضوا خلال عصور، ولذا فوجوه المدن هي أول ما يلفت نظر الزائر من زواياه التي تبعث فيه عمق التأمل والارتواء.