نحن على الهواء مباشرة!

الخميس - 09 فبراير 2017

Thu - 09 Feb 2017

غزت وسائل وقنوات التواصل الاجتماعي حياتنا اليومية لدرجة اندماج العديد منا في استخدامها كثيرا. من الطبيعي أن يكون لهذا الاندماج آثار إيجابية وأخرى سلبية مثل أي اختراع أو منتج جديد يغزو حياتنا.

لكن من المؤكد أن هذا التأثير والاندماج والتفاعل مع الآخرين جعلنا أكثر وضوحا ومرئيين من قبل نظرائنا. أحد الإيجابيات الآنية أنها جعلت الناس يهتمون بإظهار أنفسهم بمظهر حسن سواء كمظهر خارجي أو محتوى فكري. في البداية، هذا التوجه ينجح كثيرا، حيث إن أي شخص يستطيع أن ينشر انطباعا إيجابيا حوله كيفما يريد مع قليل من الجهد. ولكن الصعوبة تكمن في المحافظة على نفس النسق بدون الإخلال بمستوى الانطباع الجيد والصورة الحسنة الأولية.

يتطلب هذا الأمر الكثير والكثير من الجهد والوقت. هذه المتطلبات جعلت الحريصين من مستخدمي قنوات التواصل الاجتماعي على المضي قدما لتطوير أنفسهم من جميع الجوانب التي تخص هكذا انتشار ومتابعة. هذا الحرص له عدة أسباب جوهرية منها المادي ومنها المعنوي، وكذلك إرضاء لمتابعيهم من باب المسؤولية لهم. إحساس المرء أنه متابع ومراقب يجعله يقدم الأفضل، درء للمحاسبة ومن ثم الخسارة الكبيرة.

بعض مما استخلصته من قنوات التواصل الاجتماعي هو إقبال الناس لكل ما هو واقعي ومباشر. لما لا نمارس «لايف» بعض الأشياء البسيطة مثل: التبسم، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (تبسمك في وجه أخيك صدقة). أيضا لنكثر من استعمال كلمة لو سمحت عند طلب المساعدة، لنفسح المجال للكبير ونأخذ بيد الصغير. ديننا السمح لم يغفل حتى أدب السلام ومراتبه، قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- «يسلم الراكب على الماشي، والماشي على القاعد، والقليل على الكثير». تخيل عزيزي القارئ أنك على البث المباشر 24/‏7 (لايف live). ما هي ردة فعلك وكيف ستتصرف وتواجه من حولك على طبيعتك وبدون تصنع أو ترتيب مسبق. من المتوقع والمسلم به أننا سنحرص على ألا نتجاوز الإشارة الحمراء، أو نرمي شيئا من نافذة السيارة، أو حتى أن نرفع أصواتنا بدون سبب ظاهر، وقس على ذلك الكثير من المشاهد والتصرفات الفردية التي تندرج تحت بند الذوق العام.

قال الفيلسوف الصيني لا وتسو «راقب أفكارك لأنها ستصبح كلمات، راقب كلماتك لأنها ستصبح أفعال، راقب أفعالك لأنها ستتحول إلى عادات، راقب عاداتك لأنها تكون شخصيتك، راقب شخصيتك لأنها ستحدد مصيرك». يحز في نفوسنا جميعا عندما نقرأ ما قاله الشيخ محمد عبده حين عاد من أوروبا، فقد قال «ذهبت للغرب فوجدت إسلاما بلا مسلمين ولما عدت للشرق وجدت مسلمين بلا إسلام».

ختاما، لا نطلب ما طلبه أفلاطون «المدينة الفاضلة» بالوصول إلى المثالية في جميع التصرفات التي تتطلب التعامل مع الآخر، لكن نتمنى أن نتدبر ونستشعر المقارنة في لحظات كثيرة للوصول إلى الأفضل من الجميع. كل ما قيل يلخصه لنا الإسلام في «الإحسان» فتعريفه لغة (فعل ما هو حسن، مع الإجادة في الصنع).