هل نلبي نداء ولي الأمر؟ (4)

“إن الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعا لست منهم في شيء ..”

“إن الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعا لست منهم في شيء ..”

الأحد - 24 أغسطس 2014

Sun - 24 Aug 2014



“إن الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعا لست منهم في شيء ..”

بالعودة إلى بعض كتب التفاسير لمعاني القرآن الكريم، وجدتُ أن معظمها يرد معنى هذه الآية الكريمة إلى غير المسلمين من يهود أو نصارى ..

وكأن البعض قد نسي، في زحمة الحياة وتقادم العهود، أن كلَّ ما ورد عن الملل والأديان الأخرى في القرآن الكريم، وهو كثير .. ورد على شكل قصص كريم ليحاج به رسول الإسلام الخاتم أصحاب الديانات الأخرى .. ليعلموا أنه رسول ُ الله وخاتم النبيين .. الذى وجدوه مكتوبا في كتبهم بزمانه ووصفه، صلى الله عليه وسلم.

وجاء أيضا ذلك الذي ورد عن القوم الكافرين من باب العظة والاعتبار للتذكر والتدبر والتفكير ..وتركت منازل بعض من هذه الأقوام عبرة لمن يعتبر إلى يومنا هذا .. “وَكَمْ أَهْلَكْنَا مِن قَرْيَةٍ بَطِرَتْ مَعِيشَتَهَا فَتِلْكَ مَسَاكِنُهُمْ لَمْ تُسْكَن مِّن بَعْدِهِمْ إِلَّا قَلِيلا وَكُنَّا نَحْنُ الْوَارِثِينَ” (58)( القصص)، “فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَة وَإِنَّ كَثِيرا مِّنَ النَّاسِ عَنْ آيَاتِنَا لَغَافِلُونَ” (92)(يونس). وجاء كل ذلك القصص ليؤكد عظمة الله وهو القادر على أخذ الظالمين دون تحذير أو أن يبعث رسولا .. “وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَىٰ وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّىٰ نَبْعَثَ رَسُولا”

(15( (الإسراء).

وليعلم المسلمون أهمية الحوار والجدال حين يكون بالحكمة والموعظة الحسنة ..

“ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ” (النحل 125).

ولا ننسى ما نردده في ختام سورة الفاتحة أكثر من سبع عشرة مرة في اليوم على الأقل (غير المغضوب عليهم ولا الضالين) معتقدين أن المغضوب عليهم هم اليهود وأن الضالين هم النصارى.

وهل نحن معشر المسلمين خلو من الضالين والمغضوب عليهم؟!

أليس غضيب الوالدين العاق لهما يدخل في تصنيف المغضوب عليهم؟!

أليس من الضالين من أوقدوا للفتنة نارا أشعلت الحريق في عالمنا العربي والإسلامي؟!

فليس صحيحا إذاً في رأيي أن نُسقط كلَّ هذه الآيات على غيرنا فقط دون أن يكون لنا فيها نصيب من العبرة والحكمة والموعظة. ولولا أنها توافقُ أمورنا في بعض الأحوال لما حفظها لنا القرآن نصا وتفصيلا .. “إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ” (9) (الحجر).

ولقد أردت من هذا المدخل أن أؤكد أهمية العودة إلى القرآن الكريم مَرجعا، أولا وأخيرا، في كل أمر، بالإضافة إلى ما لا يتعارضُ مع آياته من حديث رسول الله، صلى الله عليه وسلم.

ولو عدنا إلى كتاب الله في تفسير معنى الآية الكريمة: “إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعا لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ” (159)(الأنعام)، فتفسير معناها الأقرب، والذين فرقوا دينهم .. أي نسوا أن الدين إنما جاء ليجمع لا ليفرق، وجاء ليوحد مصدر الأمر والنهي في الأفعال الأساسية التي لا يجب أن يحدث فيها خلاف بيننا وبين بعضنا .. كما يقول الإمام الشعراوي، وهو ما كنت أعتقدُ طوال حياتي في مفهومي الشخصي لهذه الآية الكريمة منذ أن وعيت القرآن الكريم قراءة وفهما بفضل الله تعالى.

ويقول الشيخ الإمام الشعراوي، يرحمه الله: “الخلاف بيننا يكون في المباحات فقط، إن فعلتها فأهلا وسهلا، وإن لم تفعلها فأهلا وسهلا، وما لم يرد فيه افعل ولا تفعل، فهو مباح”.

ومن هنا يكون إثم الذين يفرقون في الدين، لأنهم بهذا يخالفون ويناقضون منهج الإسلام الذي أراده الله دينا يجمع الناس على هدف واحد.

وكأنما الله يقول لمصطفاه وحبيبه محمد، صلى الله عليه وسلم، إن هؤلاء الذين يفرقون هذا الدين، لا يجب أن ينسبوا إليك أو أن تكون منهم في شيء.

ذلك أن الإسلام لو أخذ أشكالا متعددة وألوانا مختلفة، لفقد هوية الوحدة الواحدة التي اتصفت بها الأمة المحمدية.

“إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّة وَاحِدَة وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ” (الأنبياء: 92).

وهى آيةٌ جامعةٌ حاكمة .. ترفض مبدأ الطائفية والمذهبية المفرقة الضيقة.. التي تجعل الأمةَ الواحدةَ أمما شتى .. فتقضي على أسرار قوتها وتمزق أوصال وحدتها .. وتجعل من عداتها همُ الغالبون.

ويروُّج دعاةُ الفرقة والانقسام لحديث رواه، كما يقال، أبو داود، ولم يروه البخاري ومسلم، على الأقل، ومع هذا يتردد كثيرا .. وقد يكون الهدف منه، والله أعلم، التبشير بهذا الانقسام حتى يرتكز دعاتُه مستقبلا إلى ما يريدون إيهام الناس به عبر حديث لا يتوافق، في رأيي، مع الفهم الصحيح للدين وآيات القرآن الكريم ..

وهو حديث “تتفرق أمتي ثلاثا وسبعين فرقة، كلها في النار إلاَّ واحدة”.

فيدعي كل قسم أو كل فرقة أنها هي الناجية، وتربي كلُّ فرقةٍ أتباعها على أنها المقصودة والباقين في النار.

فيفتحُ بابٌ للفتنةِ والتناحر بين كل هؤلاء، وهو باب لا تغلقهُ إلاَّ العودة إلى صحيح فهم القرآن الكريم كما أُنزل.

ولو عدنا إلى كتاب الله تبارك وتعالى، لوجدنا تصنيفا منطقيا لثلاتٍ ثلاث فقط متدرجة زمنيا بحكم بدء الرسالة في مكة المكرمة ثم المدينة المنورة ثم العالم كله بعد ذلك حتى يوم الدين.

الثُّلةُ الأولى: المهاجرون: وقد ورد ذلك في الآية الكريمة الثامنة من سورة الحشر: “لِلْفُقَرَاء الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِن دِيارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلا مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَانا وَيَنصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ”.

الثلةُ الثانية: الأنصار: وجاؤوا في الآية التالية مباشرة: “وَالَّذِينَ تَبَوَّءُو الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَة مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَىٰ أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ”.

الثلةُ الثالثة: الذين اتبعوهم بإحسان. وردوا في الآية التالية أيضا: “وَالَّذِينَ جَاؤُوا مِن بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلّا لِّلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ” (10) (الحشر). ولننظر هنا في تسلسل الآيات في سورة واحدة .. ثم لنتدبر كيف استطاع الإسلام أن يصهر هذه الأنماط الثلاثة التي فرقتها الجاهلية في كل شيء، فجعل منها الإسلام أمة واحدة .. منزوعة الغِلّ، غزيرة الإيمان.. وسبحان الله، فقد جاء هذا الترتيب نفسه في سورة التوبة: في الآية المئة منها: (وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ).

وفى القرآن ذكر وأنباء الأمم السابقة واللاحقة .. ولكن القرآن أثبت أن الطوائف أو الثلات الثلاث التي ذكرها في محكم التنزيل هم المؤمنون حقا، وهم من لهم مغفرة ورزق كريم، وهم الصادقون وهم المفلحون.

إننا أمةٌ واحدةٌ ولسنا أمما متنافرة وطوائف متناحرة، ديننا واحد وهو الإسلام، وشرعنا هو القرآن ورسولنا ورسول الناس كافة هو محمد، صلى الله عليه وسلم، سيد الأنبياء وخير الأنام.

“رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ” إنه القرآن الكريم “لا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ”. فمجموع آيات القرآن الكريم يكملُ بعضُها بعضا ويفسره .. ولقد جاءت الآية الرابعةُ والسبعون من سورة الأنفال لتؤكد ما هو مؤكد “وَالَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ آوَوا وَّنَصَرُوا أُولَٰئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقّا لَّهُم مَّغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ” (74.    



 





 هل نلبي نداء ولي الأمر؟



هل نلبي نداء ولي الأمر؟ (2)



هل نلبي نداء ولي الأمر؟ (3)



هل نلبي نداء ولي الأمر؟ (4)



هل نلبي نداء ولي الأمر (5)