دلالات قص شعر المرأة من العبودية إلى التحرر
تغزل الشعراء العرب وغيرهم بشَعر المرأة باعتباره تاج جمالها، فأحبوه طويلا كثيفا، وقبل ذلك كان شعر الزّباء ملكة تدمُر أسطوريا حتى دارت حوله حكايات أسطورية تشير إلى استخدامها لشعرها في حصار الحصون والإيقاع بالخصوم
تغزل الشعراء العرب وغيرهم بشَعر المرأة باعتباره تاج جمالها، فأحبوه طويلا كثيفا، وقبل ذلك كان شعر الزّباء ملكة تدمُر أسطوريا حتى دارت حوله حكايات أسطورية تشير إلى استخدامها لشعرها في حصار الحصون والإيقاع بالخصوم
السبت - 16 أغسطس 2014
Sat - 16 Aug 2014
تغزل الشعراء العرب وغيرهم بشَعر المرأة باعتباره تاج جمالها، فأحبوه طويلا كثيفا، وقبل ذلك كان شعر الزّباء ملكة تدمُر أسطوريا حتى دارت حوله حكايات أسطورية تشير إلى استخدامها لشعرها في حصار الحصون والإيقاع بالخصوم.
وفي الحكايات العالمية كانت رافونزل تستخدم شعرها الطويل لتمده عبر شرفتها سلما لحبيبها إلى أن اكتشفت أمرها المرأة الشريرة التي كانت تحبسها في القلعة فجزت شعرها الطويل الذي لا يرمز للأنوثة والجمال فحسب، بل قد يكون رمزا للحيلة الأنثوية.
وبالتالي فقد كان كشف الشعر أو جزه دلالة على أمور نقيضة تماما لشعور الرخاء والحماية والحب والأنوثة، فقد كانت المرأة في الجاهلية تكشف شعرها أو تشده تعبيرا عن الخطب الجلل وتحريكا لحمية الذكور، وفي حال وقعت المصيبة فإنهن يبالغن فيحلقن شعورهن ويحثين وجوههن بالتراب وكأن في هذا الفعل تشويها لجمالهن الأنثوي الذي فشل الرجال في صيانته، وفي المقابل كان إجراء قص شعور السبايا والإماء إجراء مهينا لا يشير إلى فقدان المرأة للحماية فحسب، بل فقدانها لحريتها أيضا...فلم تكن الأمة تطيل شعرها كما تفعل الحُرة.
وإذا انتقلنا إلى عالم تفسير الأحلام والكتب المعنية به ككتاب ابن سيرين – مثلا- نجد دلالات رؤيا الشعر للمرأة ترتبط غالبا بالزوج، وكأن الشَعر الذي يرمز لكمال زينة المرأة هو رمز أيضا لكمال حياتها مع الزوج، فسواد شعر المرأة في الحلم هو محبة زوجها لها، وانكشاف شعرها هو غياب زوجها عنها.
وقد ظل قص الشعر دليلا على العبودية والهوان حتى العصر الحديث حيث ظهرت عادة موضة القصات القصيرة والغلامية للنساء، ولم يعد قص شعر المرأة مرتبطا بالحزن والهوان بقدر ما أصبح مرتبطا بحرية الاختيار واتباع الموضة.
وقد ظل الشعر العربي الحديث يذكر شعر المرأة باعتباره تاج جمالها، ويظهر صورتي شعر المرأة طويلا وقصيرا.
فيقول نزار قباني:
قولي لهم: أنا قصصت شعري
لأن من يحبني يحبه قصيرا
وفي موضع آخر:
لمن صباي لمن،
شال الحرير لمن جدائلي منذ أعوام أُربيها
وفي الموضعين يبدو الأمر تلبية لرغبة الرجل ورؤيته الجمالية، لكن في بعض الكتابات النسائية يبدو الأمر مغايرا؛ فقد سجلت ليلى بعلبكي في بداية روايتها «أنا أحيا» موقفا مختلفا لبطلة الرواية يعكس رغبة التمرد والتحرر على نمطية القالب؛ حيث تبدأ الرواية بقولها «فكرت وأنا أجتاز الرصيف بين بيتنا ومحطة الترام لمن الشعر الدافئ المنثور على كتفي؟ أليس هو لي كما لكل حي شعره يتصرف به على هواه؟ ألست حرة في أن أسخط على هذا الشعر الذي يلفت إليه الأنظار حتى أمسى وجودي سببا من وجوده؟ ألست حرة في أن أمنح حامل الموس لذة تقطيع خصلاته وبعثرتها بين قدميه؛ ليرميها حامل المكنسة في تنكة صدئة؟».
وبهذا انتقلت دلالة قص الشعر إلى تلبية رغبات المرأة الخاصة غير اتباع الموضة، فكثيرا ما أصبحت النساء تقص شعورهن بعد الخروج من علاقات حب فاشلة وكأنها بهذا ترمي جزءا منها خلف ذاكرتها، وترمز بهذا إلى رغبة التغيير.
وكذلك في حال تغير الحال من وضع إلى وضع ويظهر هذا أحيانا عند النساء المثليات وقد صورت السينما هذه الصورة كثيرا حيث تقص المرأة شعرها حال انغماسها في العلاقات المثلية وكأنها بهذا تقطع صلتها مع عالمها السابق، حيث كان شعرها الطويل جاذبا للرجال فأنهت موضع الجذب هذا.
فدلالة قص شعر المرأة لم تكن نفسها على مر العصور، فقد انتقلت من التعبير عن الحزن، والمصائب إلى الرغبة في الخروج من حالات الضعف والحزن والتغيير النفسي، ومن التعبير عن الإهانة والعبودية إلى صورة ترمز للتحرر والتمرد.