لا تقلقوا من الاختلاف
الاختلاف لا يشكل قلقا في المجتمع الذي يعرف حدود الاتفاق والاختلاف ويعرف كيف يدير حراكه الطبيعي في جو من التسامح والقبول في الحدود
الاختلاف لا يشكل قلقا في المجتمع الذي يعرف حدود الاتفاق والاختلاف ويعرف كيف يدير حراكه الطبيعي في جو من التسامح والقبول في الحدود
الثلاثاء - 12 أغسطس 2014
Tue - 12 Aug 2014
الاختلاف لا يشكل قلقا في المجتمع الذي يعرف حدود الاتفاق والاختلاف ويعرف كيف يدير حراكه الطبيعي في جو من التسامح والقبول في الحدود الممكنة مع احترام الثوابت المتفق عليها بين الجميع، لأن الحياة لا تتوقف، وإن اختلف الناس وتعددت أهواؤهم، بل إن اختلافهم في غالبه رحمة، وصدق الله تعالى: “ولو شاء ربك لجعل الناس أمة واحدة ولا يزالون مختلفين”، وإذا كان الله تعالى لم يشأ أن يجعل الناس أمة واحدة لحكمة يعرفها، فإن الناس لا يستطيعون أن يكونوا صورة واحدة لبعضهم، وكذلك آراؤهم وأفكارهم لا بد أن تختلف وتتباين، وهذا التباين والاختلاف لا يقلق، إنما القلق الكبير والخطر الداهم هو حمل الناس على رأي واحد لا يسمح لغيره أن يعيش معه، ولا يقبل وجهة نظر أخرى.
هذا هو القلق الحقيقي على مستقبل المجتمع وقيمه والتنوع المثمر فيه، حين يحمل المجتمع على النظرة الواحدة والرأي الواحد والكلمة الواحدة التي لا تفسح مجالا لغيرها ولا يتسع المجال إلا لها.
هذه الثقة المطلقة التي لا تريد أن تسمع غير ما ترى سدت طرق الاجتهاد وسببت تحولات كثيرة وتفسيرات غير منضبطة، لأن هناك فرقا كبيرا بين تعدد الآراء في الأمر الواحد وبين تنازع الآراء في أمور شتى، ففي الأمر الواحد لا يكون الجدل والاختلاف سيئا، بل هو مطلوب حيث تطرح وجهات نظر متعددة ومختلفة، وكلها تبحث عن الصواب في الأمر الذي تختلف حوله، يجب أن نسمع الآراء النيرة التي تسمح بالاختلاف والتعدد حتى ينتهي الجميع أو الأغلبية إلى رأي واحد أو حل مناسب لما يهم الناس حله، والوصول إلى نتيجة مرضية يتفق عليها المختلفون أو أكثرهم، من أجل هذا الرأي الجمعي أنشأ الناس البرلمانات في العالم ومجالس الشورى واللجان التي تشكل من أفراد يختلفون في الرأي كما يختلفون في التوجه، كلها تعمل على جمع ما اختلف فيه من الآراء لكي تصل بها إلى التوافق الذي تراه الأغلبية صالحا، وليس هذا مما يعد في الحقيقة حملا على الرأي الواحد أو الأمر الواحد أو النتيجة الواحدة، والمطلوب في حال الاختلاف هو إنضاج الآراء المتعددة وحملها على النتيجة التي يظن أنها مناسبة لها.
أما القلق الذي يهدد سلامة المجتمع ويوقف حراكه الطبيعي ويلغي تنوعه المشروع فهو حمل الناس على رأي لا يكون لغيره مكان معه، هذا هو ما يعاب ويجب أن يمنع.
في إدارة المجتمعات وسياستها لا يصلح إعمال الرأي الواحد أو فرضه مهما كان صوابه ومهما كانت قيمته؛ لأن في ذلك إلغاء غير مشروع يصادر حق الإنسان المشروع بالتفكير الحر، ويضيق أمامه الخيارات الممكنة والمتسع الفكري، وهو تسلط يلغي ما لدى الآخرين من آراء وأفكار، ومجتمعنا يواجه شيئا من الموثوقية عند البعض الذين لا يريدون غير صورة نمطية واحدة رضوها لأنفسهم وأرادوا حمل الناس عليها، فوقع عكس ما أرادوا، فاختلف عليهم الناس وتعددت الاتجاهات، وما يحدث اليوم من تصنيفات وتنازع ومشاكسات في مجتمعنا سببه الصرامة في حمل الناس على الرأي الواحد والموثوقية في سلامة هذا الرأي وصلاحه، وفي ذلك قولان أو أكثر من قولين.