أوربا تبحث عن قلب سليمان القانوني
في صيف عام 1566، كانت مدينة سيكتوار في هنغاريا موقعا لحصار دام، أطلق عليه الدبلوماسي الفرنسي الكاردينال ريشيليو “المعركة
في صيف عام 1566، كانت مدينة سيكتوار في هنغاريا موقعا لحصار دام، أطلق عليه الدبلوماسي الفرنسي الكاردينال ريشيليو “المعركة
الأحد - 03 أغسطس 2014
Sun - 03 Aug 2014
في صيف عام 1566، كانت مدينة سيكتوار في هنغاريا موقعا لحصار دام، أطلق عليه الدبلوماسي الفرنسي الكاردينال ريشيليو “المعركة التي أنقذت الحضارة”.
وبحسب موقع “ناشيونال جيوجرافيك”، صدت قلعة سيكتوار، الموقع العسكري لقوات الإمبراطورية النمساوية اليائسة، الجيش العثماني المتقدم 100 ألف فرقة عثمانية يقودها السلطان سليمان العظيم (القانوني)، الداهية الأشيب المحنك في حملته العسكرية الـ13.
كانت مدينة فيينا هي هدف السلطان الأساسي، الذي سيعد أسره لعاصمة هاسبورج المعروفة آنذاك بـ” التفاحة الذهبية”، تتويجا لعهده الطويل والمتألق، لكن ذلك لم يكن مقدراً.
فلقد وجد السلطان طريقه محجوبا خلال مسيرته عبر هنغاريا الجنوبية من قبل رجل كرواتي نبيل، لا يقهر يدعى نيكولا زيرنسكي الذي أقام حصناً في سيكتوار رافضاً الاستسلام.
مهمة انتحارية
قاتل زيرنسكي ورجاله قتالا بطوليا، وعندما لم يستطيعوا الصمود، انطلقوا خارج القلعة بهمة انتحارية في صباح 8 سبتمبر في أحد أكثر مهمات الفرسان مجداً.
لم ينج أحد منهم، لكن صمودهم المرير لأسابيع كلف الأتراك أكثر من 20 ألف رجل وأوقف مسيرتهم نحو فيينا.
وسيمر أكثر من قرن، قبل أن يفكر العثمانيون بمحاولة أسر فيينا مجدداً.
في الليلة التي سبقت سقوط القلعة، توفي السلطان المتوعك في خيمته قبل شهرين من ميلاده الـ72.
وعلى الرغم من أن جثة السلطان حُملت إلى القسطنطينية لدفنها، إلا أن قلبه لا يزال في هنغاريا كما يشاع، مدفونا مع بقية أعضائه في صندوق ذهبي تحت الخيمة التي توفي فيها.
وقام البروفيسور في الجغرافيا السياسية في جامعة بيكس نوربرت باب على مدى السنوات المنصرمة بتتبع الضريح الضائع لقلب السلطان سليمان.
وكأغلب الهنغاريين ترعرع باب وهو يسمع قصة حصار سيكتوار وأسطورة ضريح سليمان المفقود.
ويقول باب: بدأت بذلك لأنني ببساطة كنت أبحث عن تحد، أردت أن أرى إذا كان بإمكاننا حل هذا اللغز القديم عبر استخدام منهج متعدد التخصصات والعلم الثابت.
أطلق اقتراح باب لإيجاد الضريح المفقود مخيلة السلطات التركية، إذ سيحمل اكتشاف المكان الذي دُفن فيه قلب سليمان أهمية رمزية هائلة في وقت يعيد فيه الأتراك اكتشاف إرثهم العثماني، لذا مولت السلطات التركية هذا البحث بكل حماس مع اقتراب حلول الذكرى الـ450 لوفاة السلطان سليمان في عام 2016.
نهاية العصر الذهبي
إن كان حصار سيكتوار قد حدد نقطة تحول في التاريخ الأوروبي، فهو بذات الأهمية الجوهرية لأقدار الأتراك، إذ أدت وفاته بعد نحو نصف قرن من فترة عهده المذهل، إلى إسدال الستار على ما يعدّه المؤرخون العصر الذهبي للإمبراطورية العثمانية.
كما مهدت الطريق أمام لغز مثير ما زال صامداً حتى اليوم.
وخوفا مما سيثيره خبر وفاة السلطان على الجنود وانضباطهم و معنوياتهم، أبقى الوزير الأعظم وفاته سرا حتى يتم تبليغ سليم الثاني ابن السلطان وخليفته ليتمكن من قيادة الأمور.
ولم يكن ذلك سرا يسهل الاحتفاظ به.
فلم يعودوا قريبين من خصوصية القصر، إذ لم تكن هناك طرق ووسائل لإخفاء جثة ما بعيدا عن الأنظار.
لقد كانوا في خيمة على أرض معركة في هنغاريا، ومحاطين بالمستنقعات.
كما كان الوقت في أواخر فصل الصيف دافئا وهناك كثير من الحشرات، ولا يمكن الاحتفاظ بالجثث جيدا في مثل هذه الظروف.
وبالنسبة لولي العهد حاكم ولاية الأناضول، فهو على مسيرة تفوق آلاف الأميال، ويتطلب إيصال رسالة إليه أسابيع، وأسابيع أخرى ليسافر ويأخذ مقاليد الحكم على جيش والده المتوفى.
أسطورة التحنيط
وتقول الأسطورة، بأن الوزير الأعظم أجبرته الظروف على الانفصال عن التقاليد الإسلامية حيث قام بتحنيط جثة السلطان، كما قام بإعدام طبيبه والمحنطين شنقا لإغلاق أفواههم.
ومع حفظ كل من السر وجثة السلطان، أمضى الوزير الأعظم الأسابيع السبع التالية في الحفاظ على المظاهر من خلال إطلاقه للأوامر نيابة عن السلطان سليمان، وإخبار كل الزوار بأن جلالته متوعك ولن يستقبلهم.
تم نقل جثة السلطان سليمان في نهاية الأمر إلى القسطنطينية ليرتاح رفاته في الضريح بجانب مسجد سليمان، في حين قد يكون قلبه مدفونا في أرض المعركة.
وفي وقت ما خلال سبعينات القرن الـ16، اُنشئ مزار على موقع الدفن المفترض.
وأصبح هذا المزار رائجا بين الزوار على مر القرن التالي مع إنشاء مستوطنة صغيرة، ولكن مزدهرة لتخدم حاجات المسافرين المتدفقين إليها.
حُدّدت هذه المستوطنة على خرائط قديمة من ورق تحت اسم توربك، وهو اسم مشتق من الكلمة التركية “توربيه” والتي تعني ضريح.
صمدت هذه المستوطنة لقرابة 120عاما قبل أن يدمرها جيش منتقم من هاسبورج في عام 1693 عندما طُرد الأتراك خارج هنغاريا، ومحوا المستوطنة تماما، ولا يزال كل من موقع البلدة الضائعة توربك والقبر الذي يحوي رفات السلطان سليمان العظيم لغزا حتى يومنا هذا.
تنقيب الأدلة
قام باب وفريقه بالاستغراق في سجلات المحاصيل والمناخ التي تعود إلى قرون من الزمن في أثناء سعيهم، ونقبوا في الخرائط العسكرية القديمة، وقرؤوا مئات من الرسائل القديمة المتعفنة، واستقوا معلومات عن المعركة ووصفا لبلدة توربك في كل من اللغة التركية واللاتينية والكرواتية والهنغارية والألمانية.
كما جمعوا عينات من التربة، ودرسوا علم تشكل الأرض المحلي، واستخدموا التصميم الحاسوبي لإعادة الزمن وإعادة تشكيل مناظر القرن الـ16 في محاولة لتحديد مكان بعض المعالم التي يمكن أن تشير إلى موقع الخيمة الإمبراطورية والمكان الذي قد بني فيه المزار إن صحت الأساطير.
وقادتهم شهور من العمل المضني، إلى التحقيق في تلة على بعد 3 أميال شمال سيكتوار، وهو المكان الذي لم يبحث فيه الباحثون السابقون عن الضريح قط.
وهنالك وجدوا آثارا مدفونة تحت قطعة أرض من كروم العنب وأشجار الفاكهة المتشابكة وتبدو كأنها تعود إلى مستوطنة عثمانية قديمة، وقد تكون توربك.
إن كانت هذه الآثار حقا تعود إلى توربك، فقد لا يكون ضريح سليمان المفقود بعيدا عن هذا المكان.
خرافة رومانسية
من غير المفاجئ، أن يجذب هذا الاكتشاف لما قد يكون آثار بلدة عثمانية من القرن الـ16 والضريح المفقود للسلطان العظيم كثيرا من الاهتمام من جميع الأرجاء.
كما أثار الاكتشاف الحديث لما قد يكون توربك، تصورات جديدة حول الصندوق الذهبي المدفون والذي يحوي قلب السلطان.
وتقول عالمة الآثار في الفريق ايريكا هانز التي قادت الحفريات في كروم العنب الصيف الماضي: ليس هنالك صندوق ذهبي، ذلك الجزء من القصة هو بالتأكيد خرافة، شيء تم ابتكاره خلال القرن الـ18 لإضافة بعض الإثارة إلى القصة.
إن كان قلب سليمان مدفونا هنا، فسوف يكون ملفوفا بقطعة قماش وموضوعا في صندوق خشبي.
وفيما يخص القلب، قد لا يتبقى لنا شيء لإيجاده.
أدلة محيرة
لإيجاد المزيد من الأدلة حول هذا الموقع، قام باب وفريقه بالعمل على كومة كبيرة من المستندات والرسائل والخرائط واللوحات بالإضافة إلى مضاعفة جهودهم في البحث من خلال استخدام العلم الثابت والعمل الميداني التقليدي.
الدليل الذي وجدوه حتى الآن هو بالفعل محير.
فتذكر رسائل اكتُشفت حديثا بقلم جاسوس ألماني في سبعينات القرن الـ16، أن قلب السلطان قد دُفن في الموقع - وذلك أقدم ذكر لهذه القصة حتى الآن.
كما تصف التقارير المعاصرة لتوربك بأنها مكان مليء بكروم العنب وأشجار الفاكهة وحقول الذرة - وذلك متوافق مع التصميم الحاسوبي لأنماط الحقول في القرن الـ16 واستخدام الأراضي في أعلى التلة التي وُجدت بها الآثار.
وتأتي المزيد من الأدلة المحيرة حول الآثار التي وُجدت أعلى هذه التلة، والتي قد تكون آثار توربك المفقودة، من التقارير الأصلية التي تصف حصار سيكتوار، إذ تقول: كان بإمكان سليمان رؤية القلعة من خيمته - لذا إن كان أحدهم يقف اليوم بجانب المزار الذي بُني مكان خيمة سليمان فينبغي أن يرى المنظر نفسه.
وبالطبع، إذا واجهت الجنوب أعلى التلة ونظرت عبر أشجار الفاكهة سترى قلعة سيكتوار بكل سهولة.
كما يذكر باب بأن المسافة التي تبلغ 3 أميال صحيحة تماما، حيث يتفق العلماء جميعا على أن خيمة السلطان كانت على مسيرة ساعة من القلعة بعيدا عن مجال المدافع، ودائما ما يأخذ الطريق من أعلى التلة ساعة واحدة.
لكن الكنيسة القديمة من جهة أخرى، وهي الموقع الذي تفضله الحكومة، تبعد مسيرة 35 دقيقة من القلعة، ولا يمكن رؤيتها من هناك.
وأخيرا، هناك حس منطقي في اختيار أعلى التلة لتكون موقعا لمخيم سليمان، إذ كان صيف عام 1566 أحد أكثر مواسم الأمطار منذ سنين.
وفي أراض مسطحة ووحلة كهذه تملؤها المستنقعات، بالطبع سيختار السلطان قطعة الأرض المرتفعة هذه بعيدا عن الوحل والبعوض، كما أن هذه المنطقة تطل على كل من البلدة والقلعة التي كان يخطط لغزوها.
كانت أعلى التلة هي أفضل منطقة، فلما لا يستغلها؟إلا أن مسألة تركه لقلبه هناك لا تزال لغزا.
والطريقة الوحيدة لإثبات وجوده من عدمه هي بفتح الضريح الإمبراطوري في إسطنبول وتشريح جثة السلطان سليمان لمعرفة إن كان القلب مكانه أم لا.
لكن جثث السلاطين لا يجرأ أحد على لمسها.
هل أزيل قلبه حقا؟
لكن هل حقا أزيل قلبه ودفن؟ العديد من العلماء لا يظنون ذلك. مع أن المزار الذي أقيم في ذكرى السلطان قد يكون حقيقيا، إلا أن قصة قلبه المدفون في الأرض مجرد خرافة مرحة ابتكرت بعد ذلك بسنوات. ويقول نيكولاس فاتين، وهو عالم شهير بالعثمانية في المركز الوطني للأبحاث العلمية بباريس: هل من المفترض أن نصدق أن الوزير الأعظم قد سمح لجثة السلطان بأن تعامل بطريقة مهينة وغير مسموحة في الإسلام؟
وكان فاتين حقق في القصص القديمة واستنتج بأنها مجرد جزء من الفولكلور المحلي. وأضاف: كل ما كان ينبغي أن يفعلوه هو دفن الجثة -سليمة- ونبشها لاحقا، لقد حدث ذلك من قبل في جثة سليم الأول في 1520، كما كان الإبقاء على موت السلطان سرا حتى يصل خليفته أمرا اعتياديا في السياسة العثمانية في القرن السادس عشر. ويؤسفني القول بأن قصة دفن قلب السلطان سليمان الرومانسية في هنغاريا، ما هي إلا خرافة.
الحنين إلى الإمبراطورية
بالتأكيد فإن اسم السلطان سليمان مربح هذه الأيام.
فهو -أو خالد ارغنش، الممثل البالغ من العمر 44 عاما والذي يلعب دوره- من بين العديد من الأمور نجم مسلسل تلفزيوني تركي شهير يدعى “حريم السلطان”.
لقيت هذه الدراما التي جرى تصويرها في القرن السادس عشر نجاحا منذ إطلاقها في 2011، حيث جمعت أكثر من 200 مليون مشاهد كل أسبوع من 52 دولة.
في غضون ذلك، تنفق الحكومة مبالغ طائلة على الحفريات الأثرية وعلى استعادة البنيان العثماني والنصب التذكارية في الخارج: حيث تجري سبعة مشاريع ترميم في هنغاريا لوحدها، بالإضافة إلى منحة بقيمة 2 مليون يورو (3 ملايين دولار) لترميم مسجد القرن السادس عشر داخل أسوار قلعة سيكتوار.
لماذا القانوني؟
سليمان خان الأول بن سليم خان الأول (بالتركية العثمانية: سليمان بن سليم؛ بالتركية: Süleyman).
كان عاشر السلاطين العثمانيين وخليفة المسلمين الثمانين، وثاني من حمل لقب “أمير المؤمنين” من آل عثمان، بحسب ويكيبيديا.
بلغت الدولة الإسلامية في عهده أقصى اتساع لها حتى أصبحت أقوى دولة في العالم في ذلك الوقت.
وهو صاحب أطول فترة حكم من 6 نوفمبر 1520 حتى وفاته في 5/6/7 سبتمبر سنة 1566 خلفاً لأبيه السلطان سليم خان الأول وخلفه ابنه السلطان سليم الثاني.
عُرف عند الغرب باسم سليمان العظيم، وفي الشرق باسم سليمان القانوني (في التركية Kanuni) لما قام به من إصلاح في النظام القضائي العثماني.
أصبح سليمان حاكمًا بارزًا في أوروبا في القرن السادس عشر، يتزعم قمة سلطة الدولة الإسلامية العسكرية والسياسية والاقتصادية.
قاد سليمان الجيوش العثمانية لغزو المعاقل والحصون المسيحية في بلغراد ورودوس وأغلب أراضي مملكة المجر (هنجاريا) قبل أن يتوقف في حصار فيينا في 1529.
ضم أغلب مناطق الشرق الأوسط في صراعه مع الصفويين ومناطق شاسعة من شمال أفريقيا حتى الجزائر.
تحت حكمه، سيطرت الأساطيل العثمانية على بحار المنطقة من البحر المتوسط إلى البحر الأحمر حتى الخليج.
في خضم توسيع الإمبراطورية، أدخل سليمان إصلاحات قضائية تهم المجتمع والتعليم والجباية والقانون الجنائي.
حدد قانونه شكل الإمبراطورية لقرون عدة بعد وفاته.
لم يكن سليمان شاعراً وصائغاً فقط بل أصبح أيضاً راعياً كبيراً للثقافة ومشرفاً على تطور الفنون والأدب والعمارة في العصر الذهبي للإمبراطورية العثمانية.
تكلم الخليفة أربع لغات: العربية والفارسية والصربية الجغائية (لغة من مجموعة اللغات التركية مرتبطة بالأوزبكية والأويغورية).
بعد خرقه لتقليد عثماني، تزوج سليمان فتاة حريم وهي خُرَّم سلطان (بالتركية: Hürrem Sultan) والتي حققت شهرة تاريخية نظير افتتان السلطان بها وتأثيرها البالغ عليه.
تولى ابنهما سليم الثاني خلافة سليمان بعد وفاته في 1566 بعد 46 سنة من الحكم.
يعد بعض المؤرخين هذا السلطان أحد أعظم الملوك لأن نطاق حكمه ضم كثيرا من عواصم الحضارات الأخرى كأثينا وصوفيا وبغداد ودمشق وإسطنبول وبودابست وبلغراد والقاهرة وبوخارست وتبريز وغيرها.
