أخلاق النخبة

حين ألف الكاتب السوري بوعلي ياسين كتابه «بيان الحد بين الهزل والجد»، لامه أحد أصدقائه على نزوله إلى هذا الدركة من الثقافة، وحين نظم الشاعر السعودي حسن السبع شعرا ساخرا، عجب صديقه كيف هوى بالشعر وبالأدب إلى هذا القرار الذي لا يليق بالثقافة الرفيعة

حين ألف الكاتب السوري بوعلي ياسين كتابه «بيان الحد بين الهزل والجد»، لامه أحد أصدقائه على نزوله إلى هذا الدركة من الثقافة، وحين نظم الشاعر السعودي حسن السبع شعرا ساخرا، عجب صديقه كيف هوى بالشعر وبالأدب إلى هذا القرار الذي لا يليق بالثقافة الرفيعة

الثلاثاء - 29 يوليو 2014

Tue - 29 Jul 2014



حين ألف الكاتب السوري بوعلي ياسين كتابه «بيان الحد بين الهزل والجد»، لامه أحد أصدقائه على نزوله إلى هذا الدركة من الثقافة، وحين نظم الشاعر السعودي حسن السبع شعرا ساخرا، عجب صديقه كيف هوى بالشعر وبالأدب إلى هذا القرار الذي لا يليق بالثقافة الرفيعة.

وما ذكره بوعلي ياسين وحسن السبع شائع في حياتنا، فالضحك أمر لا يليق، والفكاهة مما يتوقى منه، والإنسان عليه أن يتكلف الجد في كل أوقاته، وربما ارتسمت على وجوهنا علامات الدهش والعجب إن رأينا إنسانا متزنا يضحك لطرفة رواها أو سمعها، وفي حياة كل منا وصايا وآداب صبها الكبار في أذنه، أنى ذهب: لا تضحك. لا تشغل نفسك بفضول الكلام. يجب أن تخلص للجد، وإن لم تستطع، فأقله أن تتكلف ذلك! وحين يلوذ أحدنا بطبيعته التي فطره الله عليها، فابتسم وضحك، وهش لنكتة سمعها، فكأنما ارتكب خطيئة لا تغتفر، فالضحك مما لا يليق بذوي الأخلاق الرفيعة!

و«الأخلاق الرفيعة» هذه التي لا نعرف من رفعها، هي إن تدبرناها أخلاق «نخبة» تكلفت الحشمة والوقار، لتضع بينها وبين الناس حدودا وسدودا، ولطالما قرأنا طرفا من قوانينها في كتب الأخبار والآداب ومصنفات البلاغة، وعند القوم أن لكل مقام مقالا، وأنه لا ينبغي للشاعر أن ينشئ شعرا يقال في غير الجليل من الكلام، وأن الشعر لا يصلح أن يكون من شأن العامة، بل إن ذوق العصر وثقافته نزلا بالشعر يقوله صاحبه في شأن نفسه، وما نزل ذو الرمة عن شعر الفحول في عصره، إلا لأنه خلص شعره للتغزل بصاحبته مي، ولم يفرغ كما فرغ أقرانه لمديح رب البلاط، فعلا شعر المديح ومن قاله، لأن الواقفين بباب صاحب البلاط، من المؤدبين، رسموا للشاعر ما يليق وما لا يليق، وصاغوا لنا الثقافة «الرفيعة» التي تعلو بمنتحلها، وهي إن تدبرناها إنما تمد بصرها إلى ثقافة صيغت قيمها في بيئة تستعلي على العامة، ولا تود أن تظهر من ألوان الثقافة إلا ما يمجد «بطولاتها»، ويشيد «بأخلاقها»، وما على الناس إلا أن يأتموا بها.