اللسان في الفتنة أخطر من حمل السلاح

إنّ أول ما ينبغي على كلّ مسلمٍ، أن يفقهه في أيّ فتنةٍ؛ هو أنّ يحفظ عليه: «لسانه» وما كان بمعناه كالقلم وسواه، ذلك أنّ اللسان يسبق: «السيف»، إذ هو الذي يُشعل أوار الفتن ويؤججها،

إنّ أول ما ينبغي على كلّ مسلمٍ، أن يفقهه في أيّ فتنةٍ؛ هو أنّ يحفظ عليه: «لسانه» وما كان بمعناه كالقلم وسواه، ذلك أنّ اللسان يسبق: «السيف»، إذ هو الذي يُشعل أوار الفتن ويؤججها،

السبت - 19 يوليو 2014

Sat - 19 Jul 2014



إنّ أول ما ينبغي على كلّ مسلمٍ، أن يفقهه في أيّ فتنةٍ؛ هو أنّ يحفظ عليه: «لسانه» وما كان بمعناه كالقلم وسواه، ذلك أنّ اللسان يسبق: «السيف»، إذ هو الذي يُشعل أوار الفتن ويؤججها، ثم لا يلبث أن يشتغل في إذكاء القتل، وتهوين شأنه حدّ الاستمراء.! وعلى النحو الذي نشهده أيامنا هذه. وليس بخافٍ: أنّه ما ثَمّ استباحة دم مسلمٍ - على امتداد تاريخنا كلّه - إلا وقد كان مسبوقاً بأقوالٍ تُجترح بأصوات مرتفعة، ابتغاء أن تمهد الطريق لاستحلال الدم الحرام، لتجعله سالكاً دون تأثيم، وتدفع تالياً باتجاه شأن التخوّض في الدماء حتى يصبح سفكها تديناً/ وعقيدة، جرّاء دعاوى باطلةٍ ليس فيها من فقهٍ راشد بالمرّة، بحسبانها في منأىً عن استصحاب النصوص وتناولها وَفق فهوم من سلف، وإنما يستنطقونها بفقهٍ منقوص وعقلٍ مضروب، وذلك بالعمل على خلطِ القليل من الحق بكثير من الباطل المزوّق، فيروج بالتالي على سفهاء الأحلام - وإن تجاوزا الأربعين- بوصفه نصرةً لدين الله تعالى وسعياً حثيثاً في انتزاع: «الخلافة الراشدة» من بين فكّي الملك العضوض..!!.. على أي حال .. فإنّ البيان عن أنّ وقع اللسان في الفتن؛ لهو أشدّ وقعاً من السيف، يُمكن الاستدلال عليه بما يلي:

*أخرج أبو داود - واللفظ له - وأحمد والحاكم بإسنادٍ صحيحٍ عن عبدالله بن عمرو قال: بينما نحن حول رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إذ ذكروا الفتنة، أو ذُكرت عنده، فقال: «إذا رأيتم الناس قد مرجت عهودهم، وخفّت أماناتهم، وكانوا هكذا» - وشبّك بين أصابعه - قال: فقمت إليه، فقلت: كيف أفعل عند ذلك، جعلني الله فداك؟ قال: «الزم بيتك، واملك عليك لسانك، وخذ بما تعرف، ودع ما تُنكر، وعليك بأمر خاصة نفسك، ودع عنك أمر العامة».

*وكذا عند أبي داود - وهو بلفظه - وابن ماجة وأحمد - وصححه أحمد شاكر - عن عبدالله بن عمرو، أنّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: «تكون فتنة تستَنْظِفُ العرب، قتلاها في النار، اللسان فيها أشدُّ من وقع السيف».

- وفي معنى: تستنظف العرب: جاء في النهاية في غريب الحديث: أي تستوعبهم هلاكاً. فيما قال القاري في تحفة الأحوذي: أي تطهرهم من الأرذال وأهل الفتن.

- كثيرون إذن، مَن يحسبون أنفسهم في حلٍّ من الدماء التي تراق في: «مواقع الفتن» على اعتبارهم لم يحملوا: «سلاحاً»، على حين أنهم قد أغفلوا تبعات: «ألسنتهم/ وما تخطّه أيديهم» على النحو الذي نسمعه هنا أو نقرؤه هناك، من غير أن يكترثوا لفاعليّة «أقوالهم» والتي هي عند التحقيق أشدّ من حمل السلاح نفسه، وإلى هذا أشار أبو بكر ابن العربي بقوله: «وجه كونه أشد: أنّ السيف إذا ضرب ضربة واحدة مضت واللسان يضرب به في تلك الحالة الواحدة ألف نسمة..».

ونستطيع أن نضيف إلى هذا السياق ما كان من أبي هريرة رضي الله عنه حين كتم الوعاء الآخر الذي حفظه عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم - كما في الصحيحين - ولم يبثه - مع أنه علم لا يصحّ تأخير بيانه - بل حفظه خشيةً من أن يستثمر توظيفاً في غير محلّه فيشيع في زمن الفتنة فآثر درء ما يمكن أن ينشأ عن ذلك من مفسدة.! وفي مسلمٍ قال ابن مسعود: «ما أنت بمحدّث قوماً حديثاً لا تبلغه عقولهم إلا كان لبعضهم فتنة».

بقي الإشارة إلى أنّ ثمّة فريقاً أخطر من هؤلاء وهم أولئك الذين يظهرون بزي من ينكر: «القتل» فيجرّمه أمام الملأ وما إن يجدوا أنفسهم في مكانٍ آخر حتى ينخلعوا عن زيّهم السابق..!