التشيّع المتأخر لعشائر العراق وآثاره السياسية!

من الفصول المهمة والمغيّبة والتي أسهمت جليا بصياغة الشكل السياسي للعراق الحديث، فصل التشيّع المتأخر للقبائل في جنوب العراق، والذي بلغ ذروته منتصف القرن التاسع عشر الميلادي. فقد ذكر العالم إبراهيم الحيدري (توفي 1882) في كتابه «عنوان المجد في بيان أحوال بغداد والبصرة ونجد» عدة قبائل تشيّعت، كتميم وزبيد منذ 60 سنة، وكعب منذ 100 سنة، وربيعة منذ 70 سنة،

من الفصول المهمة والمغيّبة والتي أسهمت جليا بصياغة الشكل السياسي للعراق الحديث، فصل التشيّع المتأخر للقبائل في جنوب العراق، والذي بلغ ذروته منتصف القرن التاسع عشر الميلادي. فقد ذكر العالم إبراهيم الحيدري (توفي 1882) في كتابه «عنوان المجد في بيان أحوال بغداد والبصرة ونجد» عدة قبائل تشيّعت، كتميم وزبيد منذ 60 سنة، وكعب منذ 100 سنة، وربيعة منذ 70 سنة،

الاثنين - 07 يوليو 2014

Mon - 07 Jul 2014



من الفصول المهمة والمغيّبة والتي أسهمت جليا بصياغة الشكل السياسي للعراق الحديث، فصل التشيّع المتأخر للقبائل في جنوب العراق، والذي بلغ ذروته منتصف القرن التاسع عشر الميلادي. فقد ذكر العالم إبراهيم الحيدري (توفي 1882) في كتابه «عنوان المجد في بيان أحوال بغداد والبصرة ونجد» عدة قبائل تشيّعت، كتميم وزبيد منذ 60 سنة، وكعب منذ 100 سنة، وربيعة منذ 70 سنة، والبومحمد وبنوعمير والخزرج وشمر طوقا والدفافعة وبنو لام وآل أقرع والبدير وعفق والجبور والشليحات وطيء. أما لماذا تشيعت هذه القبائل؟! فيذكر الباحث العراقي إسحاق نقاش أن عدة عوامل أسهمت في تشيع القبائل، من أهمها تحوّل هذه العشائر إلى الزراعة وتشجيع العثمانيين لذلك بغية زيادة الضرائب، واستيطانها حول النهر مما جعلها قريبة من المدن الشيعية المقدسة، ويلاحظ أن العشائر المرتحلة ما زالت سنية، وللتهرب من التجنيد لأن الدولة العثمانية لا تحرص على تجنيد الشيعة، كما وجد فلاحو العشائر التضامن الوجداني من قبل علماء الشيعة مقابل التمييز التركي ضدهم، والعامل المهم الذي ذكره نقاش وهو هجمات الوهابية، والذي أدى إلى نتيجتين، الأولى: نفور هذه القبائل من محيطها السني، والثانية: زيادة النشاط التبشيري الشيعي للإحساس بالخطر، ومما شجع من نشاط التشيع الانفتاح الذي حصل في عهد عبدالحميد الثاني بعدما سمح بالحريات الدينية للشيعة في إطار دعوته للجامعة الإسلامية عندما أدرك الأخطار المحيطة بإمبراطوريته. وقد ندد علماء بارزون بتشيع هذه القبائل كمحمد رشيد رضا وأحمد شاكر الألوسي. وممن تشيّع في هذه الفترة المتأخرة بعض الأشراف الذي فرّوا من الاضطهاد التركي ووجدوا المكانة بين الشيعة بعدما أصبحوا سادة، كسادة بلدة العمارة الذين وصلوها من الحجاز أواخر القرن الثامن عشر. ولأن القبائل البدوية كما قالت المستشرقة باتريسيا كرون «يحتقرون القبور المقدسة عند أهل الريف ويستهجنون عبادة الأولياء» فإن تشيّعهم لم يكن بإيمانهم بجدوى الدعاء عند الأضرحة ولكن بسبب اتخاذ العلماء معهم أسلوبا مناسبا لطبيعتهم، وذلك بسرد فضائل آل البيت وشجاعتهم وجودهم... ، بالتالي أصبح تشيّع العشائر تشيعا ثقافيا ولم يكن عقديا وبسبب طبيعتهم الاجتماعية لم يكونوا طائفيين، فقد رفضوا نتائج مؤتمر كربلاء 1922م والمتضمن قتال جيوش الإخوان. كما أن شيوخ العشائر الشيعية حصلوا على الحظوة في عهد الملكية وتجاهلوا فتاوى العلماء بتحريم التعاون مع الحكومة التابعة للإنجليز. والشيعة في ذلك الوقت لم يتلقوا تعليما نظاميا لأن العلماء يحرمون التعليم النظامي فكانوا إما خريجي مدارس دينية أو بدوا أميين، فكانت حكومة فيصل تتوجس من الشيعة كأفراد خشية تأثرهم بفتاوى الحوزة التي كانت ضد الوجود الأجنبي والحكومة الموالية له وأسهمت في إشعال ثورة العشرين مع ابن محمود شيخ زوبع السنية. فكانت المناصب العليا في الدولة للسنة. ويقول نقاش: «تساعد مشاعر الإحباط المتعاظمة لدى الجيل الجديد من الشيعة إزاء استبعادهم من العملية السياسية في تفسير توجههم إلى اعتناق الشيوعية». وفعلا نجحوا في ذلك ولما رأت الحكومة تخلصهم من سلطة الحوزة سمحت لهم في تسنم الوظائف العليا، فكان أكثر من نصف كادر الحزب الشيوعي من الشيعة إبان انقلاب عبدالكريم قاسم. مما جعل الحوزة تشعر بالخطر، وأنشأ بعض علمائها حزب الدعوة لمواجهة المد الشيوعي.

وجرّاء تعلمن الشيعة انتقل كثير منهم لبغداد وتركوا الجنوب فأصبحت نسبتهم في بغداد أكثر من 50% عام 1958م بعد أن كانوا يشكلون 20% فقط قبل الحرب العالمية الأولى.

هذه التغيرات التي حدثت أسهمت جليا في خارطة العراق السياسية، فبعد أن كان الشيعة أقلية أصبحوا أكثرية بعد تشيّع القبائل، وليست المشكلة في كونهم أقلية أو أكثرية، لكن بعد انحسار الشيوعية ونجاح ثورة الخميني توسعت قاعدة المؤمنين بالحكم الثيوقراطي بين الشيعة، وأسهمت مفخخات القاعدة في تترسهم حول الأحزاب الدينية الشيعية الموالية لإيران. فالمشكلة أن الأكثرية باتت رهينة بيد نظام طائفي ينفذ أجندة خارجية بينما هذه الأكثرية كانت يوما ما لا تمت لهذه الحالة بصلة!