هل تستطيع الواسطة إنجاح مشروع تجاري؟

كلمة الواسطة قد تكون من أكثر الكلمات شيوعا في المجتمع السعودي، ويكثر استخدامها عند الإعلان عن وظائف أو مقاعد جامعية أو حتى في المنافسات والمشاريع التجارية. كما يكثر استخدام كلمة الواسطة أيضا عندما نرى أشخاصا (من عوائل غنية أو معروفة) تميزوا في أعمالهم التجارية.

كلمة الواسطة قد تكون من أكثر الكلمات شيوعا في المجتمع السعودي، ويكثر استخدامها عند الإعلان عن وظائف أو مقاعد جامعية أو حتى في المنافسات والمشاريع التجارية. كما يكثر استخدام كلمة الواسطة أيضا عندما نرى أشخاصا (من عوائل غنية أو معروفة) تميزوا في أعمالهم التجارية.

الجمعة - 04 يوليو 2014

Fri - 04 Jul 2014



كلمة الواسطة قد تكون من أكثر الكلمات شيوعا في المجتمع السعودي، ويكثر استخدامها عند الإعلان عن وظائف أو مقاعد جامعية أو حتى في المنافسات والمشاريع التجارية. كما يكثر استخدام كلمة الواسطة أيضا عندما نرى أشخاصا (من عوائل غنية أو معروفة) تميزوا في أعمالهم التجارية.

ولكن هل صحيح أن انتشار الواسطة هو السبب الوحيد وراء حصول هؤلاء على الفرص؟ هل هناك أسباب هيكلية تجعل هذا التفضيل منطقيا؟

سأجيب عن هذا التساؤل من خلال ترجمة ونقل بعض الأمثلة التي وردت بكتاب أوتلايرز (المتميزون) للمؤلف مالكوم قالدويل.

تميز كتاب (المتميزون) بمحاولة تفسير كيفية تكوين وظهور الأشخاص المتميزين، وذلك من خلال الغوص في بعض تفاصيل حياتهم، والفرص التي سنحت لهم والتي ساعدت في بروزهم ونجاحهم، حيث يحاول مالكوم في كتابه أوتلايرز أن يجيب على التساؤل التالي:

هل تؤثر أو تحدد خلفياتنا الثقافية، وموروثاتنا الاجتماعية، والبيئة التي تربينا فيها على مستقبلنا؟ وهل لو تغيرت بعض الظروف أو وقعت بشكل مختلف تغير حالنا وواقعنا اليوم؟

في النقاط التالية سأحاول أن أعرض أمثلة ذكرت في كتاب (المتميزون) للإجابة على التساؤل أعلاه:

أولا: تعتبر قرية روستو من القرى الصغيرة في ولاية بنسلفانيا، وعلى الرغم من أن أهلها من المهاجرين الطليان، إلا أنهم يتميزون بصحة عالية حتى إن نسبة النوبات القلبية لدى كبار السن تكاد تكون معدومة.

قد يتبادر للذهن أن ذلك يعود للوجبات الغذائية الصحية التي يأكلونها أو لأجل التمارين الرياضية التي يتبعونها، ولكن تبين أنهم يكثرون من البيتزا والباستا والمأكولات ذات السعرات الحرارية العالية، كما أن كثيرا منهم من أصحاب الأوزان الثقيلة.

يبرز السر من خلال مراقبة حياة أهل روستو، حيث إنهم يختلفون عن باقي القرى والمدن الأمريكية بطريقة ونمط الحياة. أهل روستو يزور بعضهم بعضا بشكل متكرر، يتوقفون للحديث بلغتهم الأم في الشوارع، يطبخون الأكل لأنفسهم ولجيرانهم، بل قد تجد الأبناء وأبناء الأبناء يعيشون في نفس المنزل، كما يتميز أهل روستو بمساعدة بعضهم بعضا وتشجيع بعضهم بعضا للنجاح.

قد يكون العيش في روستو أعطى الفرصة لأهلها بالتمتع بصحة جيدة وتجنب النوبات القلبية المفاجئة حتى بعد بلوغ سن الخامسة والستين، هذه الفرصة لم تتح لأناس عاشوا في مدن أخرى وربما تعرضوا لنوبات قلبية مبكرة، أو مشكلات صحية.

ثانيا: يعتبر «بل جوي» من أبرز العقول في عالم الكمبيوتر والبرمجة، حيث ألف لغة «جافا»، وهو مؤسس شركة «سن مايكروسيستم» المعروفة. تلقى تعليمه في جامعة ميشجان آن اربر الشهيرة، ترى ما الذي دفع بل جوي ليكون واحدا من أكثر الناس تأثيرا في عالم الكمبيوتر، كما يقول عنه دكتور دافيد قلنر من جامعة «ييل»؟ هل هو جهده الشخصي فقط، أم هناك أسبابا أخرى؟

في عام 1971 افتتحت جامعة ميشجان آن اربر مركزا للحاسب الآلي، وهي نفس السنة التي أتى فيها بل جوي للجامعة، حيث تم التصويت في ثانوية نورث فارمينقتون بدترويت ميشجان بأنه من أكثر الطلاب جدية في الدراسة. كان عمره حينذاك 16 عاما وكان يفكر بالالتحاق بقسم البيولوجي أو الرياضيات. في نهاية سنته الأولى من الدراسة الجامعية، تعرف بل جوي على مركز الحاسب الآلي وتعلق قلبه بالكمبيوتر والبرمجة منذ تلك اللحظة. أصبح يقضي الساعات الطويلة بمركز الكمبيوتر ليبرمج. ومن حسن حظه، عرض عليه أحد الدكاترة العمل في الصيف في البرمجة. التحق بل جوي بجامعة كليفورنيا بيركلي بعد أن أنهى دراسة البكالوريوس للدراسات العليا، وهناك تعمق أكثر في البرمجة وبرامج الكمبيوتر.

ليس هناك شك بأن لدى بل جوي القدرة والرغبة في التعلم، لكن هل يا ترى ساعدته بعض الفرص التي عرضت له في طريقه؟

ثالثا: كل إنجاز وتميز يحتاج لجهد ووقت وتمرين كبير. الفرص والامتيازات وحدها لا تكفي لجعلك متميزا. العمل الجاد والمستمر يجعلك خبيرا في مجال عملك ومتميزا. لكي تكون خبيرا ومتمكنا في مجال ما، تحتاج إلى ممارسته والتدرب عليه على الأقل 10 آلاف ساعة.

لكن ليس كل طفل أو شاب يستطيع أن يحصل على تدريب وممارسة على مهارة معينة في سن مبكرة، لأن قضاء هذا الوقت الكبير لتطوير مهارة معينة يتطلب غالبا أن تكون من عائلة غنية أو قادرة على تلبية احتياجاتك، أو واعية على الأقل.

التدريب المستمر على مهارة معينة قد يفعل الأعاجيب، على سبيل المثال: نسمع كثيرا بقصة «بيل جيتس» أغنى رجل على مستوى العالم لعدة سنوات، ومؤسس شركة مايكروسوفت. ما يعرفه الجميع عن بيل جيتس أنه كان شابا ذكيا، دخل هارفارد وانسحب منها ليؤسس شركته مايكروسوفت التي أصبحت من أكبر الشركات وأكثرها تأثيرا في العالم، لكن الذي لا يعرفه الكثير عن بيل جيتس أنه من عائلة ثرية، حيث إن أباه من المحامين المعروفين في سياتل، وأمه هي ابنة أحد رجالات البنوك المعروفين في سياتل. درس بيل جيتس في مدرسة ليكرسايد الخاصة من المستوى السابع (الأول المتوسط)، حيث يدرس في هذه المدرسة أبناء العوائل المقتدرة. في السنة الثانية من تواجد بيل جيتس في ليكرسايد افتتحت المدرسة مركزا للحاسب الآلي بعد جمع تبرعات لأمهات الطلبة ليستطيع طلاب المرحلة المتوسطة التعلم على البرمجة في الوقت الذي لا يوجد فيه مركز للحاسب الآلي في أغلب الجامعات الأمريكية. وقع بيل جيتس في حب مركز الكمبيوتر من أول لحظة هو وبعض أصحابه، وأصبح يقضي أوقاتا طويلة في المركز، بل قد يتغيب أحيانا عن مادة الرياضة من أجل الجلوس في مركز الكمبيوتر. في صيف ذلك العام اكتشف بيل جيتس وصديقه بول آلن أن هناك معملا للكمبيوتر في جامعة واشنطن يفتح لمدة 24 ساعة غير أنه مشغول في غالب الوقت ماعدا بين الساعة الثالثة والخامسة صباحاً، وأصبح يتردد بشكل يومي على المعمل من أجل أن يمارس هوايته المفضلة.

عندما أصبح بيل جيتس في سن الجامعة، كان قد أمضى ما يقارب خمس سنوات من البرمجة والتعلم على الكمبيوتر، وكان قد أمضى ما يزيد عن 10 آلاف ساعة لتدريب وتطوير مهاراته. وعندما انسحب بيل جيتس من هارفارد لينشئ شركته مايكروسوفت، كان يملك مهارة وخبرة غير متوفرة لكثير من الناس في ذلك الوقت. يا ترى هل لو عاش بيل جيتس في عائلة غير مقتدرة كان يمكن أن يدرس في مدرسة ليكرسايد؟ أو ماذا لو لم تفتتح المدرسة مركزا للكمبيوتر؟ هل سيبني بيل جيتس مايكروسوفت؟ أو هل سيستطيع أن ينسحب من هارفارد إن لم يكن مكتسبا هذه الخبرة الكبيرة؟

رابعا: يتميز بعض الطلاب بأنهم يستطيعون التواصل بشكل فعال مع المعلمين ويتفاعلون بشكل إيجابي مع بيئتهم المدرسية، بحيث من الممكن أن يطلبوا بعض الطلبات التي تناسب حاجاتهم، وتزيد من مدى استيعابهم.

في الجانب الآخر يواجه الطلاب صعوبات في التواصل الواضح مع معلميهم، ولا يستطيعون التفاعل بشكل فعال مع بيئتهم المدرسية، وقد يخشون من سؤال بعض الطلبات، وربما أدى ذلك للحد حتى من تلبية بعض حاجاتهم الأساسية ومن ثم تقليص استفادتهم التعليمية. قد يكون هذا طبيعيا للوهلة الأولى، لكن ليس عندما تعلم أن غالبية النوع الأول هم من أبناء الطبقة المقتدرة والغنية، في حين أن أبناء الطبقة العاملة والفقيرة هم غالب من يشكل النوع الثاني من الطلاب، لذلك فإن الفرص التي يحصل عليها أبناء الطبقة المقتدرة في التعليم أو اهتمام المعلمين قد تكون أكبر من الطبقة العاملة.

بعد هذه الأمثلة نستطيع الرجوع للسؤال في مقدمة المقال: هل الواسطة تستطيع إنجاح عملك التجاري؟ وللإجابة على هذا التساؤل فإنني أقول: أولا لا أحد يستطيع أن ينكر وجود الواسطة أو حتى تفشيها في المجتمع، لكن أحاول من خلال استعراضي لهذه الأمثلة أن أقول إن هناك أسبابا أخرى لتميز أبناء العوائل الغنية والمعروفة خاصة في الأعمال التجارية. أبناء العوائل الغنية والمعروفة عادة يتعرضون لفرص مبكرة في حياتهم، ينشؤون في بيئة تعرضهم لهذه الفرص والتي يستطيعون من خلالها أن يكتشفوا مواهبهم، كما يخالطون ويشاهدون ويستمعون لقصص ناجحة في التعامل مع الناس وكيفية إنهاء الصفقات، وهذه كلها مؤثرة جدا في تكوين الشخص الناجح، ولذلك إذا أردنا أن نسهم بزيادة هؤلاء الناجحين علينا أن نصلح ونسهم في تعرض أبناء بقية العوائل لفرص مبكرة في حياتهم من خلال سياسات وبرامج حكومية ومجتمعية.

قد تكون الواسطة مهمة في نقطة ما من حياتك، لكن من أين أتيت؟ في أي مكان ترعرعت؟ ما هي الفرص التي صادفتك؟ من هم الأشخاص الذين قابلتهم؟ كم من الوقت والجهد تقضي لتطوير مهاراتك؟ كلها أسئلة مهمة وقد تكون مصيرية لتحديد من أنت.